13 قتيلا في الهند جراء قصف باكستاني    إسرائيل تهدد طهران ب "نموذج غزة"    الوداد يسخر الأموال للإطاحة بالجيش    سان جيرمان يقصي أرسنال ويمر لنهائي رابطة الأبطال    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    تخفيض عقوبة زيان إلى 3 سنوات حسبا    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    التهراوي: المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية ستعزز قدرة المنظومة الصحية على التدخل السريع في حالات الطوارئ    المجلس الجماعي للجديدة يصادق على جميع نقاط جدول أعمال دورة ماي 2025    إحباط محاولة جديدة للهجرة السرية على سواحل إقليم الجديدة    الدولي المغربي أشرف حكيمي يقود باريس سان جيرمان لنهائي دوري الأبطال    الشرطة القضائية بالعرائش تتمكن من إحباط محاولة تهريب طنين من مخدر الشيرا وتوقيف ثمانية أشخاص    الدردوري: منصات المخزون والاحتياطات الأولية تجسيد للرؤية الملكية في تعزيز الجاهزية لمواجهة الكوارث    بعد جلسة استمرت 12 ساعة.. المحكمة تحجز ملف النقيب زيان للمداولة    الشرطة تحبط محاولة تهريب طنين من الشيرا بالعرائش وتفكك شبكة إجرامية متورطة في التهريب الدولي عبر البحر    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    منتدى التعاون الصيني الإفريقي: كيف أرسى أسس شراكة استراتيجية؟    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    الطيران الباكستاني يؤكد تفوقه ويسقط مقاتلات هندية متقدمة داخل مجالها الجوي    اتفاقية رقمنة تصدير منتجات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي بالمغرب    حكيمي يقود سان جيرمان لتجديد الفوز على أرسنال وبلوغ نهائي الأبطال    عبد اللطيف حموشي في زيارة عمل إلى فيينا ويلتقي مسؤولي أجهزة استخبارات من قطر وتركيا والسعودية والإمارات وباكستان    غزة تُباد.. استشهاد 102 فلسطينيا في سلسلة مجازر إسرائيلية وإصابة 193 خلال 24 ساعة    وهبي: "أشبال الأطلس" مستعدون لمواجهة أي منتخب في الدور القادم    بلقشور يكشف عن موعد إجراء مباراتي السد ويؤكد تواجد تقنية "الڤار"    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    تصعيد خطير في جنوب آسيا: سلاح الجو الهندي يتكبد خسائر بمئات الملايين بعد هجوم باكستاني دقيق    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    لمواجهة الكوارث.. الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة للمخزون والاحتياطات الأولية    المصطفى الرميد: لا تعارض بين الانحياز لقضايا المغرب ونصرة غزة    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام س
نشر في العرائش أنفو يوم 08 - 10 - 2017


راب
بقلم : ذ. منير الفراع
تقدم الحارس نحو البوابة بخطى وئيدة لما أبصره قادما مطأطئ الرأس غارقا في التفكير كما يبدو كعادته، فمنذ أن قدم إليهم قبل أربع سنوات لم يكن يثرثر كثيرا مثل زملائه، وكان دوما يبدو شارد الذهن، وحتى إن تكلم ونادرا ما كان يفعل كان كلامه حول الوطن، هذا الذي أحبه أكثر من أي شيء آخر، كان يأمل دوما أن يتغير الوضع، وأن يستيقظ يوما على وطن تحترم فيه كرامة المواطن، وطن يتساوى فيه المواطنون أمام القانون بعيدا عن كافة أشكال التمييز على أساس المال أو الجاه أو المكانة الاجتماعية، وطن خال من الريع والفساد وهيمنة الحيتان الكبيرة عليه وعلى ثرواته، حتى لقب بين زملائه بسراب بل حتى زملاءه والحراس نسوا اسمه الذي قدم به إليهم وصاروا ينادونه "سراب".
فتح الحارس الباب قائلا: "أرجو أن لا أراك هنا مجددا يا سراب، فالسجن ليس لأمثالك"، ابتسم دون أن يرفع رأسه وقال:" ذاك في الوطن الذي أحلم به، إلى اللقاء أيها المسجون"، أجاب الحارس وقد بدت عليه علامات الغضب ممزوجة بنوع من الحيرة والدهشة: "ماذا تقول؟؟ أنا لست مسجونا، بل أنا الحارس كما ترى!!!" هذه المرة رفع سراب عينيه حتى التقت بعيني الحارس وابتسم ابتسامة غريبة وقال بثقة :" بلى، كلنا مساجين في سجن كبير، مفاتيحه بيد متحكمين في رقابنا"، بدت الحيرة على الحارس وكأن كلمات سراب تريد أن توقظ فيه تفكيرا ظن أنه استراح منه بعد قبوله في سلك حراس الأمن، بعد معاناة مع بطالة دامت لسنوات بعد حصوله على الإجازة، فحاول بكل طاقته أن يقبره قبل ينطق به لسانه، قائلا :" كنت أعتقد أن سنوات السجن قد جعلتك تراجع أفكارك الطوباوية التي رمت بك إلى هذا السجن، لكن يبدو أنها لم تغير فيك شيئا لذا ربما قد أراك قريبا، إلى اللقاء يا سراب." "بل وداعا أيها المسجون" أجاب سراب.
بعدما وضع رجليه خارج باب السجن تناهى إلى أذنيه همهمة من الحارس لم يتبينها مع صرير الباب. أخذ نفسا عميقا بعدما صار خارج أسوار السجن فقد اشتاقت رئتاه لتذوق طعم هواء الحرية بعد أربع سنوات قضاها بين جدران زنزانته العفنة، إن لهواء الحرية طعما خاصا حسب ما علق في ذاكرته الطفولية من حكايا جدته التي كانت تسردها عليه قبيل النوم وهو في حضنها؛ عن تضحيات أبطال المقاومة والتحرير خلال فترة الاستعمار الاسباني لمدينته حتى يتنفس هو وجيله القادم هواء نقيا بطعم الحرية، غير أنه لم يشعر بأي اختلاف بين طعم الهواء الذي كان يستنشقه طيلة أربع سنوات الماضية وبين هذا الهواء الذي يستنشقه الآن، فلا اختلاف بين الطعمين فحدث نفسه قائلا: " يبدو كأنك لم تغادري السجن بعد، فالهواء هو الهواء !!!!!!".
حملته قدماه كعادتها دوما كلما أراد أن يختلي بنفسه إلى شاطئ البحر، جلس على صخرة كان قد اعتاد اللعب عليها قبل ثلاثين عاما موليا وجهه شطر البحر الأزرق المتلألئ الذي كان دوما يعتبره بمثابة أبيه الثاني، وصار بعد ذلك أباه الأول بعد وفاة أبيه، فقد كان كلما نظر إلى البحر تجتاحه مشاعر الحنو التي عرفها قديما في نظرات أبيه، تذكر آنذاك ما كان قد قرأه في إحدى الروايات عن كون : "الأبوة روح ربانية سارية في الكون تتنزل بالرحمة الإلهية إلى الصغار عبر آبائهم".
هو نفسه لا يعرف لماذا تحاصره ذكرياته مع أبيه ذاك الذي كان يعمل بحارا على إحدى سفن الصيد الساحلي كلما جلس قبالة هذا البحر وفوق هذه الصخرة، إنه يتذكر كيف كان والده يحلم بغد سيكون حتما أجمل كما كان يقول له دوما: " اسمع يا بني إن المستقبل لكم إننا نعمل جاهدين وبكل طاقتنا متحملين كافة المشاق والآلام من أجل بناء مستقبل أجمل لكم، إننا اليوم في مرحلة ترميم وبناء ما هدمه المستعمر الذي سلبنا حريتنا ومعها تروا ثنا، لذا لا تبتئس ولا تيأس فهذا الكوخ البارد الذي تعيش فيه اليوم غدا سيصير بيتا جميلا دافئا، إن المستقبل لكم ثق في كلامي." تذكر كيف كان يستدفئ بكلام أبيه وأحلامه عن المستقبل والغد المشرق الذي ينتظره من برودة ذلك الكوخ الذي تكاد أطرافهم تتجمد فيه، كما تذكر كيف وافت المنية أباه على سرير مهترئ بجسم أنهكه المرض وقصر ذات اليد وقلب نخرته الحسرة على واقع لم يتغير إلا في أحلامه.
ولى وجهه شطر أكواخ الصيادين لعله يجدها قد صارت بيوتا دافئة كما كان يحدثه أباه دوما خلال هذه السنوات الأربع التي غاب فيها عنها، لكن آماله تبخرت فالأكواخ لازالت كما تركها والده وكما تركها يوم اعتقل بتهم هو نفسه لا يعرفها لحد الساعة، بل إن عدد الأكواخ تضاعف ثلاث أو أربع مرات عن عددها أيام طفولته، فهمس لنفسه قائلا بعدما نظر جهة اليمين ثم جهة اليسار ثم أعلى وأسفل مخافة أن يكون أحد ما يسترق السمع، فهو لم يعد يؤمن كما كان قبل أربع سنوات بأن له الحق في التعبير عن أفكاره فذاك أمر للاستهلاك الإعلامي فقط، كما لم يعد يؤمن بأن هناك شيئا اسمه الحق في الخصوصية في دولة بوليسية " ما ألطف القدر بك يا أبي لقد اختطفك الموت قبل أن ترى أحلامك تتكسر على صخرة الواقع المرير، واقع رسمه حفنة من الانتهازيين الذي عرفوا كيف يُصادرون حتى أحلامنا ويحاكمونا عليها، لقد قمت رفقة جدي كما كانت تحكي لي جدتي بالثورة في وجه الإسبان بينما هم غرقوا في الثروة من غير ثورة، آه كم أنت محظوظ يا أبي قتلوك على فراش المرض ولم يقتلوا حلمك فيك، انتزعوا روحك ولم ينتزعوا منك الأمل في الغد، أما أنا فقتلوا حلمي الذي أوهمتني به ولم يقتلوني، أخذوا الأمل الذي ما فتئت تغرسه في روحي منذ نعومة أظافري ولم يأخذوا معه روحي، لقد أُقبرْت وأقبرَت معك أحلامك فدفنتها معك، في الوقت الذي أقبرت أحلامي وأنا حي فلم يعد هناك معنى لوجودي".
سمع صوتا خافتا من أعماق نفسه يحدثه: "احذر يا سراب فها أنت تجدف من جديد، هل نسيت ما جرته أفكارك هذه عليك، ألم تتعظ من السنوات الأربع التي قضيتها في السجن؟؟؟؟"
آنذاك تذكر كيف ثم اعتقاله واجتراره من كوخه دون أدنى اكتراث بدموع أمه العجوز التي هدها المرض فأقعدها الفراش، رفقة شباب كان كل همهم المطالبة برفع التهميش والإقصاء عن مدينتهم وحقهم في العيش الكريم، والحق في العمل ومجانية التعليم وجودته والحق في التطبيب والتمريض ونزاهة القضاء، بالإضافة إلى التوزيع العادل للثروة التي احتكارها أشباه الرجال مستغلين تضحيات الرجال في زمن ما ووقت ما، وكذا وجوب محاسبة المفسدين في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة كافة أشكال الريع، وتفعيل قانون من أين لك هذا، والحق في التعبير والتظاهر السلمي، مطالب اجتماعية وسياسية مشروعة يكفلها القانون والدستور، لقد خرج رفقة شباب المدينة الذين تقاسموا معه الحلم صادحين بحقهم في العيش الكريم ليجد نفسه يحاكم بتهم لا يعرف كيف لفقوها له، ليجد نفسه يقضي داخل زنزانة ضيقة جعلته يدرك تمام الإدراك أنه إذا كان قد قضى أربع سنوات داخل زنزانة ضيقة، فهو قد قضى ستة وعشرين سنة دون أن يدري في زنزانة كبيرة.
أحس بمحاصرة الذكريات له فاعتدل قائما نافضا غبارها عنه قائلا: " لقد تيقنت الآن أن المشاكل التي يعاني منها اليوم في هذا الوطن لا يمكن بتاتا أن تحلها عقول خلقتها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.