الأمن المغربي يكشف عن سيارة ذكية تتعرف على الوجوه وتلاحق المبحوث عنهم في الميدان    إسرائيل تستهدف بالرصاص وفدا دبلوماسيا ضمنه سفير المغرب برام الله    الغابون تختار ملاعب المغرب استعدادا لكأس إفريقيا والمونديال    عمالة الصخيرات تحتفي بمرور 20 سنة على انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    الوكالة الحضرية تكشف عن مراحل تقدم إعداد مشاريع تصاميم تهيئة طنجة وكزناية وأصيلة    بوريطة من الرباط: كفى من المتاجرة بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين خيار واقعي ومسؤول    أخنوش أمام مجلس المستشارين    رونالدو والوداد: كيف أوقعت "ماركا" الاسبانية مواقع إخبارية في فخ "الكليك بايت"؟    تسخير التكنولوجيا لمساعدة غير القادرين على ملء استمارة الإحصاء    التعاون البرلماني الإفريقي رافعة ديمقراطية وأحد المفاتيح الأساسية لترسيخ التكامل القاري (ولد الرشيد)    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    منيب: مشروع قانون المسطرة الجنائية يمثل تراجعا حقوقيا وانتهاكا للحريات وخرقا للمقتضيات الدستورية    الدرك الملكي بشفشاون يوقف متلبسا بحيازة الكوكايين في الدردارة    الحرس المدني الإسباني يطيح بعصابة متورطة في تهريب نفايات إلى المغرب    ايداع رئيس جماعة سابق سجن "عكاشة" على خلفية اختلالات في التدبير العمومي    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    الوداد ينفصل عن المدرب الجنوب إفريقي موكوينا    طائرة خاصة تقل نهضة بركان إلى تنزانيا لملاقاة سيمبا في النهائي    وزارة التربية تطلق برنامجا لتكوين مدرسي الهيب هوب والبريك دانس بالمؤسسات التعليمية    حجيرة: أمريكا الوجهة الأولى لصادرات الصناعة التقليدية المغربية    بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية بالرباط    المغرب يمنح أول ترخيص لشركة خاصة بخدمات الطاقة    "سي.إن.إن": معلومات أمريكية تشير إلى أن إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية    اجتماع الرباط يعزز الزخم الدولي بشأن حل الدولتين    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    الذهب يصعد إلى أعلى مستوى له خلال أسبوع مع تراجع الدولار    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تجدد دعوتها لإحياء "سامير" وتحذر من خطر وطني بسبب تعطيل المصفاة    هذه تفاصيل إجتماع المجلس الاستشاري مع المكتب الحالي للرجاء بخصوص إنشاء شركة رياضية للنادي    واشنطن تُعيد رسم سياستها تجاه سوريا: دعم مشروط ولقاءات رفيعة المستوى تمهد لمرحلة جديدة    تعاون مغربي-أمريكي يجسد الجاهزية العسكرية خلال مناورات الأسد الإفريقي 2025    الدفع بالبطاقات البنكية يتفوق على الدفع النقدي في أوروبا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    سطات.. "بزناسة" يطلقون الرصاص على الأمن    العثور على جثة امرأة في ثانوية والتحقيق يقود إلى اعتقال الزوج    إنذار رسمي لأرباب المقاهي بالناظور.. الأرصفة يجب أن تفرغ قبل الخميس    لقاء دبلوماسي بطابع ودي جمع ولي العهد المغربي آنذاك وسفير الصين سنة 1992    الإماراتية ترسل مساعدات لقطاع غزة    ألمانيا تفكك خلية إرهابية متطرفة    حكيمي ضمن تشكيلة الموسم في أوروبا    الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق علامة "المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة"    لقجع لنجوم منتخب الشباب: الجماهير المغربية كانت تنتظر أداءً أكثر إقناعًا واستقرارًا    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من المناطق    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    حديث الصمت    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    تلك الرائحة    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    









شفيق ناظم الغبرا "الحياة": المشهد العربي: ثورة أم إصلاح؟
نشر في مغارب كم يوم 19 - 05 - 2011

مع كل جمعة يتحرك ميزان القوى بين الأنظمة والشعوب، كما يتغير شكل العالم العربي وطرق تفكيره. مع كل جمعة يقع تقدم في حشد المجتمع وتكثيف قضاياه، فتتحول اللحظة التي نمر بها إلى عاصفة لا تتوقف وحتمية تاريخية لا تتجلى للناس إلا مرة واحدة كل نصف قرن. هذه لحظة وعي تنبثق من جيل تتجدد ولادته. في هذه اللحظة يجد الذين يقاتلون شعوبهم بالنار والتنكيل أنهم ضد مسار إنساني متدفق لا يمكن إيقاف عجلته وحالة دورانه.
المشهد سريع في تعبيراته، عشرات الشبان العرب يسقطون شهداء كل جمعة في مجتمعات عربية من ليبيا إلى اليمن وسورية، وفي الأسبوع الماضي انضم اليهم ستة عشر شهيداً عبر الحدود مع فلسطين وفي مناطق الاحتلال الإسرائيلي في إشارة إلى قرب انضمام فلسطين إلى هذا الحدث العربي التاريخي. هذا العام العربي الأهم (2011) في التاريخ العربي الحديث لن ينتهي بلا تأسيس واقع جديد. المشهد وحّد العرب في قضية رئيسية «الشعب مصدر السلطات والديكتاتوريات منبع للفساد»، وكأن المشهد عنى أن الوحدة العربية قامت: وحدة الضعفاء والشعوب المغلوبة على أمرها بما فيها الشعب الفلسطيني من اجل عدالة وكرامة وحرية وديموقراطية.
الشعوب في هذه المرحلة تريد أن تصنع سياساتها وتصوغ أنظمتها وقوانينها على صورتها. هذه الصناعة ليست استثناء، فقد حصلت في معظم دول العالم ومع جميع الأنظمة القديمة التي تحتكر السلطة لمدد طويلة. فالثورات في بلادنا أصبحت أمراً واقعاً يضيف للتجربة الإنسانية مقدرة القوى الشبابية العربية على مواجهة قساوة الأنظمة ودموية الأجهزة.
وتبدأ الثورات العربية باحتجاج على سوء معاملة، لكن رد فعل الأجهزة الدموية يحولها إلى لهيب مشتعل ووقود لمزيد من المطالب. إن أكثر الناس ابتعاداً عن المشاركة يتحولون إلى الثورة، وأكثر الناس كرهاّ للسياسة ينزل إلى الميادين والساحات. يمكن القول إن القمع والحلول الأمنية العربية قد ساهمت في اشتعال الثورات كما ساهمت من حيث لا تدري في انتصاراتها السريعة في أكثر من مكان.
والواضح أن الشعب في ليبيا دفع ثمناً كبيراً لتحرره، لكنه يقترب من انتصاره ونيل حريته، والشعب في اليمن يقترب من حسم معركته في مشهد سلمي إنساني يوضح مدى إبداع اليمنيين في مواجهة الديكتاتورية، أما في سورية فالمعركة مفتوحة وتعبر لنا عن مدى جرأة الشعب السوري في مواجهة احد اكثر الأنظمة دموية وفتكاً. ما يقع في سورية سيحسم لمصلحة الشعب السوري. هذه بداية نهاية سيطرة مجموعة تعتمد القمع والفساد أسلوباً في الحكم.
وفي كل من مصر وتونس، حيث انتصرت الثورات العربية الأولى، أصبحت إدارة ما بعد الثورة وتحقيق التقدم نحو بنيان جديد هي المفصل الرئيسي. الثورات تفرز واقعاً متحركاً في كل لحظة، ومخاضاً يتغير في توجهاته مع كل جمعة. هذه ظاهرة قوة وظاهرة تساؤل وبحث عن الطريق. في تونس ومصر سيجد الناس طريقهم بعد مرحلة من التخبط. ستبقى الانتخابات لمجالس منتخبة جديدة ورؤساء جدد أساسية ومفصلية في دخول المرحلة الجديدة.
لكن في بلدان أخرى عربية ملكية هناك بداية حراك أو بداية عودة للحراك. إن مواجهة التحدي في الدول الملكية مرتبطة بمدى مقدرتها على إدارة دفة الإصلاح. الإصلاح أصبح مطلباً في الدول الملكية، لكنه لم يخرج إلى السطح في العديد منها. إنه مطلب ينتشر في كل منزل وشارع ومدينة وديوان، كما تزداد أندية التواصل الاجتماعي والمدونات تأثراً به. ويمكن القول إن الكثير من الأنظمة الملكية لديها أمير أو ملك يريد الإصلاح لكنه يواجه في الوقت نفسه مراكز قوى محيطة به تعمل على منع الإصلاح حفاظاً على نفوذها وامتيازاتها، في كل دولة هناك نخب أفسدتها حياة السلطة. وقد عبر مروان المعشر وزير الخارجية الأردني السابق في وصفه للحالة الأردنية في مقال كتبه منذ أيام نشرته مؤسسة «كارنيغي» عن طبيعة الدور الذي تلعبه القوى والأجهزة المحيطة بالملك في إيقاف عجلة الإصلاح بل ومنعه، وذلك بالرغم من قرارات ذات طابع إصلاحي سبق للملك عبدالله أن اتخذها.
ومنذ أيام قرر مجلس التعاون الخليجي في لقائه التشاوري دعوة كل من المغرب والأردن للانضمام إلى المجلس. اللافت في هذه الدعوة رد فعل المجتمعات التي تناول كتابها ومدونوها أهمية وجود نقاش عام وتمهيد وطريقة لاستفتاء الرأي العام في المسائل الحساسة إيجاباً وسلباً. هكذا لم يعد مقبولاً أن يقال إن القادة قرروا فجأة بلا نقاش واستفتاءات شعبية. هذا النقاش يعكس تغير نظرة الشعوب إلى نفسها وإلى طريقة صنع القرار في بلادها. العرب في طريقهم لتكوين رأي عام ناقد للسياسة ومؤثر في صنعها، وهذا يمهد لخروج السياسة العربية في الدول الملكية والأميرية من الغرف المغلقة وقاعات المؤتمرات النخبوية إلى وسائل الإعلام والساحات العامة والنقاش المفتوح.
في الأنظمة الملكية إجماع على موقع الأسر الحاكمة وعلى شخصية الملك أو الأمير. فالأسر في الدول الملكية والأميرية تحولت، على مدى العقود والقرون، إلى مؤسسات وطنية راسخة. إن الشرط الأساسي في مقدرة الأسر الحاكمة على إدارة دفة الإصلاح مرتبط بمدى انتباهها إلى حتمية الإصلاح وضروراته لاستقرار مجتمعاتها، وهو مرتبط أيضاً بمدى قدرتها على تحييد مراكز القوى وبخاصة الأمنية التي تعارض الإصلاح بشدة وقوة.
الأنظمة الملكية تقف الآن أمام استحقاقات كبيرة ستتضمن حتماً في المرحلة القادمة السير في خطوات تشرك الشعوب في صنع القرار. وسيتضمن ذلك الآتي: تشريع الأحزاب السياسية وانتخابات برلمانية نزيهة وحكومات منتخبة وموازنات واضحة ومساءلة وشفافية وفصلاً بين السلطات في ظل تدعيم استقلال القضاء. هذا مشروع كبير يتطلب خطوات لن تحصل خلال شهور، لكن بناء خارطة طريق مرحلية واضحة تقود إلى الديموقراطية في ظل الملكية اصبح أمرإً لا مفر منه.
وسط التحول العربي الكبير سيجد كل نظام عربي انه مضطر للمواكبة، فالشعوب تتغير بأسرع من البرق، والسياسة ذات الطابع الشعبي والشبابي تسير بسرعة الضوء. إن الدول التي تفضل الانتظار السلبي ستقع حتماً في مطبات وتواجه منحدرات قاسية وتفقد فرصاً سياسية كبيرة للإصلاح والاستقرار. الانتظار والمناورة والالتفاف على المشكلة كانت أسلوباً نافعاً ساهم في شراء الوقت والاستقرار في زمن سابق، أما اليوم فالمطلوب من الأنظمة والدول أن تتحول إلى خلية نحل تتعامل استراتيجياً مع متطلبات التغيير قبل أن يسبقها وميضه المفاجئ وقبل أن تفقد توازنها بفضل سرعته وبريقه وحتمية انتشاره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.