أخنوش يحث القطاعات الحكومية على الإسراع في تفعيل قانون العقوبات البديلة        بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس: قطاع السياحة يحقق إنجازات استثنائية ويصبح ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية    اختفاء طائرة روسية تقل 49 راكبًا عن الرادار في أقصى الشرق    اجتماع مشترك للجان الدائمة بمجلس جماعة العرائش لدراسة التعديلات المقترحة لتهيئة الشرفة الأطلسية    العيطة المرساوية تتواصل بمديونة                    وسيط المملكة يستعرض تقريره السنوي ويكشف عن تزايد مطرد في طلبات الوساطة ووجود تحديات في التواصل والإنصاف    ديرها غا زوينة.. الوزراء وأموالهم/ منين جاتهم لفلوس؟/ الثراء الغريب والتهرب من الضرائب..كلها بسميتو.. (فيديو)    تبون يرهن مستقبل الجزائر: ثروات تُهدر وكرامة تُباع لصالح جبهة البوليساريو    دمشق تستعد لاستقبال ناطحة سحاب جديدة في قلبها التجاري: "برج الجوهرة" يلامس السماء ب32 طابقًا        ليفربول يتعاقد مع المهاجم الفرنسي إيكيتيكي قادما من أينتراخت فرانكفورت الألماني    السكتيوي يشدد على الانسجام والانضباط لتجاوز الغيابات وتحقيق اللقب القاري    الرجاء الرياضي يطلق حملة انخراط جديدة تهدف إلى بلوغ رقم قياسي ب 1000 منخرط    الصحراء المغربية: دعم حزب جاكوب زوما لمبادرة الحكم الذاتي المغربية يثير اهتمام الإعلام الإيطالي    انقطاع مياه السقي يُهدد زراعة الأرز ويُنذر بخسائر فادحة للفلاحين    أرباح "غوغل" في الربع الثاني تجاوزت التوقعات ببلوغها 28,2 مليار دولار    شي جين بينغ يستقبل قادة الاتحاد الأوروبي ويؤكد على أهمية تعزيز الشراكة الصينية الأوروبية في ظل تحولات عالمية متسارعة    اتصالات المغرب.. أكثر من 80 مليون زبون وأرباح تتجاوز 4 مليارات درهم    مهرجان إفران الدولي يفتتح نسخته السابعة بمزيج من الفن والتراث والرياضة وسط جمهور غفير    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يوقف مؤقتا العداء الكيني كيبكورير كونغا بسبب المنشطات    كيوسك الخميس | إطلاق مشروع كابل بحري جديد بين جنوب المغرب وجزر الكناري    ليلة إجرامية تهز إقليم الدريوش.. عصابة تسرق سيارة وتنفذ هجمات متسلسلة على وكالات مالية        بقيمة 157.6 مليار درهم.. قطاع السيارات أول المصدرين في المغرب قبل الفوسفاط والفلاحة    بينهم 9 من منتظري المساعدات.. إسرائيل تقتل 23 فلسطينيا بغزة منذ فجر الخميس    دروس من صرخة المغربية رشيدة داتي في فرنسا    تهريب أقراص الهلوسة يقود فتاتين إلى سجن تطوان    ذوو احتياجات خاصة يطالبون بإصلاح شامل لمنظومة الاستهداف الاجتماعي    المجمع الزراعي بالخميسات ينال لقب "أفضل اكتشاف أثري" في إفريقيا    إصدار أكاديمي يُقارب رهانات الجهوية    جامعة الدراجات تنظم منافسات الكأس    زيان يصور الموسم الثاني من "أفاذار"    "سجلماسة" .. جدل يرافق إعادة تأهيل أحد أبرز المواقع التاريخية المغربية    التشكيلي عفيف بناني في ذمة الله    أمين فرحان يعزز دفاع الفتح الرباطي    إسبانيا تكسر عقدة ألمانيا وتصعد لملاقاة إنجلترا في نهائي "يورو" السيدات    فرنسا تفرض حظر تجول ليليًا على القاصرين في مدن عدة بسبب تصاعد عنف المخدرات            الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    كلمة .. المغرب أولا أيها المشرعون    رقصة الافعى محور الندوة العلمية لمهرجان ايقاعات لوناسة بتارودانت    تسجيل أكثر من 100 ألف عضة و33 وفاة بالسعار في 2024 بالمغرب    معرض الصناعة التقليدية والفن التشكيلي يضيء فعاليات ربيع أكدال الرياض في دورته الثامنة عشرة    مهرجان "إيكودار" يعود في دورته السابعة بإداوكنظيف: الثقافة الحية عنوان للاحتفاء بالتراث والتنمية    المغرب يتجه نحو إصلاح جذري في السياسة الدوائية    دراسة: متلازمة القولون العصبي لا ترتبط بحساسية الغلوتين    اليوم العالمي للدماغ يسلط الضوء على تحديات الأمراض العصبية المتزايدة    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد بنسعيد العلوي "الشرق الأوسط": جديد المشهد السياسي في المغرب
نشر في مغارب كم يوم 15 - 12 - 2011

ربما وجب أن نتحدث بالأحرى عن نذر تشي بالجديد أو عن علامات تحمل على توقع الجديد في الساحة السياسية في المغرب في الأمد المتوسط، ذلك أن الانتصار الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة قد أحدث في المجتمع السياسي في المغرب بداية حركية لا شك أنها ستدفع في اتجاه التغيير التدريجي، بل ولربما، متى خلصت العزائم، نحو الوضوح الذي طال انتظاره، وبالوضوح نقصد بروز أقطاب سياسية كبرى واضحة ومتمايزة، مما يكسب العمل السياسي معنى، ومما يكون له الأثر الإيجابي على جعل حد لما ننعته في المغرب بظاهرة العزوف عن العمل السياسي أو الانصراف بالكلية عن الانشغال بالشأن العام. لم يتسع لنا المجال في المقال الماضي للقول في الآثار المترتبة على الفوز الذي حققه الحزب الإسلامي في المغرب، والحق أن الأسبوع الماضي قد أتى بمعطيات لم تكن متوافرة حين تحرير المقال المشار إليه، في حين أن الشأن الآن غير ذلك. وإذن فنحن نجمع الأمرين معا لنقول فيهما معا برأي: الآثار المترتبة، من وجهة نظرنا، عن الحصيلة العددية الإيجابية التي حققها حزب العدالة والتنمية من جانب، وما حملته نهاية الأسبوع الماضي من معطيات، والأمران، كما سيتبين، متداخلان.
أما الآثار المباشرة والواضحة فقد مست التكتلات السياسية التي كانت قائمة عشية الانتخابات المشار إليها: ما كان من التكتلات صلبا، متماسكا، أو كان المعتقد فيه أنه كذلك، وما كان هشا متعثرا منذ خطوته الأولى ومتعذرا من حيث المنطق السياسي السليم. وفي عبارة واضحة نقول إن الانعكاسات (فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في الانتخابات وتكليف الأمين العام للحزب باقتراح تشكيلة حكومية على الملك) كانت قوية على كل من الكتلة الديمقراطية (ومكوناتها ثلاثة: حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية)، وعلى التحالف الذي تأسس منذ أسابيع قليلة قبيل الانتخابات التشريعية تحت اسم «التحالف من أجل الديمقراطية»، ويضم أحزابا ثمانية (بعضها في الحكومة، وبعضها الآخر في المعارضة، وبعضها ينتمي إلى اليسار في أقصى مواقع اليسار الممكنة، والبعض الآخر يتحدث عن انتمائه للأسرة الليبرالية..). كانت الرغبة الأولى التي عبر عنها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية هي تأسيس كتلة أغلبية تشمل كلا من الكتلة الديمقراطية والحزب الذي يتحدث باسمه، بيد أن الأمر أصبح متعذرا منذ إعلان الاتحاد الاشتراكي موقفه الذي قضى بالبقاء في المعارضة لأسباب تتصل باختيارات ذاتية وبالحاجة إلى الابتعاد عن الاشتراك في إدارة الشأن العام في ضوء النتائج التي حصل عليها الحزب، وكان تأويل الحزب لها بالحاجة إلى وقفة تأملية تكون فيها مراجعة الحساب وإعادة تنظيم الصفوف. أصبحت الحاجة ماسة إلى البحث عن ائتلاف جديد ينقذ الارتباك الحاصل في العملية الحسابية، وهذا من جانب أول، أما من جانب ثانٍ، فقد أصبحت الصورة بالنسبة للكتلة الديمقراطية على النحو التالي: بادر حزب الاستقلال إلى إعلان الموافقة على دعوة السيد بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لتأسيس الأغلبية التي سيؤول إليها زمام امتلاك السلطة التنفيذية، وكان من الضروري انتظار جواب حزب التقدم والاشتراكية، وهذا ما تم في نهاية الأسبوع الماضي بالجواب الإيجابي.
وخلافا لكل التوقعات التي كانت تنتظر من الكتلة موقفا موحدا، وكان الرأي العام في المغرب متأهبا ومحبذا لتكوين فريق حكومي قوامه الكتلة الديمقراطية والعدالة والتنمية، نطقت الكتلة بلسانين اثنين، أصبح تكوين أغلبية برلمانية رهنا بمخاطبة أقرب الأحزاب إلى العدالة والتنمية (والقصد حزب الحركة الشعبية) بالنظر إلى كون العدالة والتنمية قد نشأ في رحم الحركة الشعبية في نهاية الأمر من حيث إنه كان منتسبا إلى أحد مشتقاتها الكبرى، وهو الحزب الذي أسسه أحد زعمائها الكبار وهو المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب، أضف إلى ذلك أن حزب الحركة الشعبية هو أحد الأربعة الكبار الذين أسسوا «التحالف من أجل الديمقراطية» (وقد سبق توضيح ذلك).
أما حزب الحركة الشعبية فقد أعلن، ببساطة تامة، انسحابه من التحالف الثماني، بعدما كان أحد أشد المتحمسين له، كما ورد ذلك في تصريحات صحافية لزعيم هذا الحزب الأخير. ما الشأن بالنسبة للكتلة الديمقراطية؟ هل يمكن اعتبار الموقفين بين كل من حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية فصلا جديدا من فصول تحالف صادفته، في العقود السابقة، أهوال وصعوبات استطاع أن يتجاوزها في المرات كلها فأمكنه البقاء في الحياة رغم الضعف والهن الشديدين اللذين عرفتهما؟ أم إن الأمر يتعلق هذه المرة بدرجة قوية، إن لم نقل بزلزال عنيف يعصف بالكتلة فيضع حدا لحال من الموت السريري ومن الحياة الصناعية التي طال أمدها؟
هما رأيان يتهامس الناس بهما، في حين أن الانشغال الفعلي هو التطلع إلى التشكيلة الحكومية الجديدة، وهو التساؤل عما سيكون عليه الأمر بالنسبة لبعض الحقائب الوزارية التي ظلت في المغرب طيلة عقود كثيرة تعتبر ذات حساسية عالية (الداخلية، والخارجية، والأوقاف والشؤون الإسلامية.. وشيء ما من الأمانة العامة للحكومة). يرى الملاحظون السياسيون في المغرب في الأسماء التي سيوكل إليها أمر تسيير الوزارات المذكورة خطابا دالا يتشوقون إلى قراءته.
الانشغال الثاني، عند عموم المغاربة هذه المرة، هو مزيج من التطلع والإشفاق؛ تطلع إلى تحقيق كثير من الآمال والأحلام في الشغل وفي محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، وإلى إبداء جرأة فعلية في محاربة اقتصاد الريع من جانب أول، وجعل حد للخلط الواقع أحيانا بين السلطتين التنفيذية والاقتصادية. وإشفاق من الاختبار العسير الذي يوضع فيه حزب العدالة والتنمية، أولا وأساسا، ذلك أنه لا مجال للقيام بخطوات غير محسوبة، ذلك أن التصويت الكثيف لصالح العدالة والتنمية تعبير عن الإرادة في التغيير، لا شك في ذلك، ولكنه، أكثر من ذلك، اختبار لمدى قدرة أو ضعف الاختيار «الإسلامي» على الاستجابة لتطلعات وأحلام مكونات هائلة من المجتمع المغربي والشباب في مقدمتها، عدديا وعاطفيا معا.
ذهب أحد المثقفين المغاربة، في حوار شامل حول الشأن السياسي في المغرب حاليا، إلى القول بأن الخاسر الأكبر في المرحلة الراهنة هو، عكس الكثير من الأقوال، حزب العدالة والتنمية: ليس من حيث حجم التحديات التي تطرحها ممارسة الحكم في ظل أزمة اقتصادية عالمية يرتبط بها المغرب من حيث اتصال اقتصاده باقتصاد الكثير من دول أوروبا الغربية التي تعرف من الأزمات ما هو واضح للعيان، ومن حيث صعوبات إحداث مناصب شغل تكون قادرة على التقليص من غلواء البطالة في أوساط الجامعيين العاطلين خاصة، وكذا في الرفع من الوتيرة البطيئة للنمو الاقتصادي، ليس، في نظر المحلل المشار إليه، من هذه النواحي فحسب بل من حيث تشكيل البنية الحكومية ذاتها التي ستجعل منه رهينة في يد قوى سياسية لا تشاركه بالضرورة اختياراته كلها، فضلا عن كون التعثر أو الفشل المحتمل سيكون في أعين الناس تعثرا أو فشلا لتجربة «الإسلاميين» في الحكم في ظروف غير مريحة كلية، وإنما هامش الاحتمال يعلو فيها على هامش الإمكان. إن وجهة النظر هذه، ونحن لا نشارك صاحبها فيها، بعيدة عن أن تكون وجهة نظر شاذة بل هي تعكس آراء شرائح غير قليلة من مكونات المجتمع السياسي في المغرب حاليا.
ما يمكن قوله، إجمالا، هو أن هنالك علامات (وربما جاز الكلام أيضا عن أمارات) تشي بالبدايات الأولى لحمل سياسي سترتسم معالم الحمل فيه في الشهور المقبلة. جديد الحياة السياسية في المغرب هو، في نهاية المطاف، هذه الدينامية التي حركها فوز العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة على النحو الذي عرضنا فيه لذلك الفوز واجتهدنا في تنزيله المنزلة التي نعتقد أنها له، وليس في المكانة المتوهمة التي تنسب إليه ظلما وعدوانا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.