الرباط "مغارب كم": محمد بوخزار يوجد في المغرب الآن وزير، أصبح الأشهر بين زملائه في الحكومة، في الداخل قبل الخارج، بل ربما خطف الأضواء من رئيسه عبد الإله بنكيران. إنه سعد الدين العثماني، وزير الخارجية والتعاون، الذي كان أول الوزراء المسافرين إلى الخارج للقيام بمهمة رسمية قبل أن يصادق البرلمان المغربي على الحكومة وبرنامجها. وما إن عاد العثماني من مهمته الأولى في تونس، حيث قدم التهاني رفقة رئيس مجلس النواب،كريم غلاب، إلى السلطات الثورية الجديدة واجتمع بالرئيس المنصف المرزوقي الذي سيحل بالمغرب في الأيام القليلة المقبلة. لم يرتح رئيس الدبلوماسية المغربية من عناء السفر حتى وجد الطائرة في انتظاره لتقله إلى الجزائر للقيام بمهمة عسيرة بالمعنى العاطفي والسياسي: فتح صفحات كتاب الخلافات بين البلدين ومحاولة إقناع الأشقاء بفتح الحدود البرية المقفلة منذ عام 1994، لأسباب لم تعد قائمة مثلما غاب عن مسرح السياسة والأحداث الأشخاص الذين قيل إنهم اختلقوها ووقفوا وراء الأزمة واستمرارها فتشابكت المشاكل الثنائية التي توجد بين كثير من الدول، مع تداعيات ملف الصحراء الذي يعتقد المغاربة أنه ما كان ليأخذ حجمه الحالي، لولا وقوف الجزائر بالكامل إلى جانب جبهة البوليساريو، مقدمة لها الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي. ملف الصحراء مثل "الديناميت" الذي تخفيه رمالها، لامسه العثماني برفق في إقامة "جنان المفتي" بالجزائر العاصمة، في حضرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. تصرف بكياسة وبآداب إسلامية رفيعة حتى قبل الرئيس أن يختلي به رأسا لرأس. وبما أن العثماني، طبيب نفساني، وفقيه متبحر في علوم الدين، فإنه خرج للصحافيين مبتسما من اللقاء وعلامات البشر طافحة على محياه، تماما مثل الطبيب المعالج لحالة مستعصية، يقول لأهل العليل "الوضعية مستقرة" وهو وصف ينطبق إلى حد كبير على نظرة البلدين لملف الصحراء بما يحمله الوصف من معاني ليس هنا مجال تقييم نتائج زيارة رئيس الدبلوماسية المغربية إلى الجزائر، ومدى نجاحه في مهمة الإقناع . ولكن لا مفر من الإشارة إلى أنه نجح في الاختبار الدبلوماسي الصعب، ما جعل العاهل المغربي الملك محمد السادس، يوافق على سفره إلى أديس أبابا، ليكون حاضرا على هامش قمة الاتحاد الأفريقي، مكررا العمل الذي مارسه قبله في سياق مماثل وزير الخارجية الأسبق محمد بن عيسى في قمة الزعماء الأفارقة بغامبيا. لم يتوقف الطلب على العثماني، فبعد عودته من العاصمة الأثيوبية، وجد دعوة في الرباط للسفر إلى مدريد ليحظى باستقبال من العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس في قصر "لا ثارثويلا". شرف بالغ الرمزية،على الرغم من أن ملك إسبانيا لا يتدخل في الشأن العام، باستثناء ملف العلاقات مع المغرب، حيث نزل بثقله المعنوي في أكثر من أزمة لاحتوائها، وفاء بوعد قطعه على نفسه للملك الراحل الحسن الثاني قبل وفاته. ولنا أن نتصور أن لقاء ملك إسبانيا بوزير خارجية المغرب، يدل على عدة أمور أولها أن الوزير أصبح محل ثقة بين الملكين محمد السادس وخوان كارلوس، ينقل الرسائل الواضحة والمشفرة المتبادلة بينهما وبالتالي فقد زال أي تحفظ من الجانب الإسباني عن إشراك وزير ذي مرجعية إسلامية في أسرار الدولة. بعد مدريد، سيسافر العثماني إلى"مانهاست" رئيسا للوفد المفاوض مع جبهة البوليساريو في الجولة التاسعة التي تجري برعاية الوسيط ألأممي كريستوفر روس، الذي لم يجتمع بعد بوزير خارجية المغرب. ما يثير الانتباه في مهمات العثماني، خارج بلاده، أنه قام بها دون اصطحاب الوزير المنتدب في الخارجية يوسف العمراني، الذي يوصف أنه الخبير في كثير من الملفات الدبلوماسية على اعتبار أنه ابن مؤسسة الخارجية، تدرج فيها من أصغر الوظائف إلى ما هو قريب من الوزارة. والواضح أن العثماني، يفضل أن يتعلم حتى وإن أخطأ لكي لا يقال عنه إنه يصيخ السمع وينفذ ما يوحى به إليه، دون أن يكون له رأي، ولذلك فقد اختار منذ البداية أن يعمل وفق قناعته وطبقا للتوجيهات التي يتلقاها من جهتين لا ثالث لهما: الملك محمد السادس ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. ما يعني أن فقيه الدبلوماسية المغربية وطبيبيها ،حل هذا الإشكال قبل أن يستفحل. لن يكون بمقدور مسؤول نافذ مهما كانت درجة قربه من الملك، أن يخاطب العثماني يوما بمثل هذه العبارة "يقول لك سيدنا" اعمل كذا وكذا..." سيرد عليه الوزير: لا أقبل الأوامر إلا إذا أتتني مباشرة من الملك كما حدث بالفعل، أو عبر قناة رئيس السلطة التنفيذية. هذا طراز من الوزراء افتقدهم المغرب طويلا. هل سيتركونه يتعلم ممارسة المسؤولية حتى يحاسب عليها.