مات عبد الحميد مهري.. وفي حلقه غصّه من الجبهويين الذين أهانوه وأخرجوه من الباب الضيق، لمجرد أنه أراد تحرير هذا الحزب من أغلال السلطة وقيود النظام.. مات وهو مايزال يطالب بأن يسمح له أن يعرض تقريره المالي والأدبي على أعضاء اللجنة المركزية، الذين باع بعضهم توقيعاته مقابل تأمين تقاعد مريح، فيما نكص البعض الآخر على عقبيه، تحت ضغط ترهيب وترغيب السلطة التي رمت بكل ثقلها لتزيح هذا الرجل العظيم من على رأس الحزب العتيد، لأسباب معروفة لدى العام والخاص، لا تتعلق إطلاقا بقوائم الترشيحات، كما هو حال الصراع الدائر بين بلخادم وخصومه، بل لأن الرجل أعاد الاعتبار للأفلان، وأعاد الروح في هذا الجسد المحنّط، فوقف إلى جانب الشرعية الشعبية رافضا إلغاء المسار الانتخابي، في الوقت الذي كان كثير من ''الوطنيين'' والإسلاميين والديمقراطيين يلهجون بحمد السلطة صباح مساء. رحم اللّه مهري.. يا بلخادم، لأنك أنت ومن معك ومن ضدك، جعلتم من الأفلان ظهرا يركب وضرعا يحلب وجهازا تستخدمه السلطة في الاقصاء والتهميش الذي يطال الكثير من طاقات هذا الوطن في الداخل والخارج، رحم الله مهري.. يا بلخادم، لأن الرجل حارب من أجل مبادئ الحزب، بينما تمارسون اليوم اقتسام الريع، فأنت يا بلخادم تحارب خصومك لتظل وحاشيتك مستفيدين من هذه البقرة الحلوب، ويحاربونك هم بحثا عن نفس المزايا وليس من أجل مبادئ الحزب وأفكاره.. هم لم يثوروا ضدك لأنك أكثر الأمناء العامين تدجينا للحزب وإضعافا له وتسفيها لتضحيات الآباء والأجداد، بل ثاروا ضدك لأنك حرمتهم من المناصب التي أعطيتها لأصحابك ومقربيك، هؤلاء الأصحاب والمقربون الذين تحتمي بهم اليوم من الخصوم. نعم أقصيت الكثير من ''الديناصورات'' لكنك للأسف قربت المئات من البارونات، الذين يتعاملون مع الحزب العتيد كمقاولة أو بورصة أو مجمع لشركات استثمارية متحالفة على النهب وإهدار المال العام.. نقول هذا الكلام لأنك كنت في يوم ما، أمل هذا الشعب من حيث كونك تنحدر من طبقاته الكادحة، لكنك خذلتنا جميعا كرئيس للحكومة وكأمين عام للأفلان.. أخذت فرصتك وفرص غيرك ولم تنجز للجزائريين سوى الإحباط واليأس مثلك مثل غريمك أحمد أويحيى.. فأنتما وجهان لعملة واحدة، اسمها الفشل والافلاس والمستقبل الغامض. كنا ننتظر منك أن تكون في مستوى الشرائح التي وثقت بك، فرضيت أن تكون تابعا.. حلقة في ترس التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأكثر من ذلك حجرت على طاقات الحزب، أقصيت كباره وهمشت إطاراته، وكرست قيما بعيدة عما هو مأمول من الأفلان، رغم أنك كنت في يوم ما إلى جانب مهري وهو يخوض معاركه لخدمة الشعب. كنا ننتظر منك بعد نتائج الانتخابات المحبطة أن تنصرف إلى حالك، بعد أن شاركت في مسرحية غاية في السذاجة، فحصدت مقاعدَ ليست لك، وأدخلت للبرلمان عاملات النظافة، والميكانيكيين والسكرتيرات، بينما لم يدخل البرلمان رؤساء جامعات ودكاترة ومثقفون ترشحوا في أحزاب أخرى.. كنا ننتظر أن هذا المشهد سوف يحبطك أنت أيضا، فتترك الحزب للجيل الذي يستحقه! وتراعي توسلات الرفاق و''الحكماء'' والقدماء والمجاهدين الذين نصحوك بالانصراف إلى حال سبيلك، حتى وإن كان الميحطون بك يؤمنون لك نصاب البقاء وإبقاء الحال على ما هو عليه. رحم الله مهري.. يا بلخادم، لأنك تذكرنا بخيباتنا، بينما يذكرنا الراحل بصولات وجولات الحزب العتيد، رحم الله مهري لأنه فهم الرسالة ونأى بنفسه أن يكون بيدقا أو جهازا أو حاجزا مزيفا في وجه أحد. رحمه الله، لأنه عندما عرض عليه أن يكون سفيرا في فرنسا، لم يشترط توظيف أقاربه وأصحابه أو امتيازات لا يقرها القانون، بل اشترط أن تمنح مصالحه القنصلية بباريس جواز السفر لكل المنفيين والمهمشين والمعارضين الذين لم تتسع لهم ربوع الوطن، وعلى رأسهم المجاهد حسين آيت أحمد. رحم الله مهري.. يا بلخادم، لأن الأفلان الحقيقية ماتت بموته أوتكاد، فلم نعد نأمل من أحدكم أن يخرجها من عباءة التبعية والهيمنة، تحصد الأغلبية في البرلمان، لكنها عاجزة حتى عن تنظيم دورة ناجحة للجنة المركزية، بعيدا عن الأحذية والعصي والكلاب المدربة ورجال الأمن والدرك.. حزب بهذا الحجم وهذا الفوز لا يستطيع أن يجمع كوادره لدراسة أوضاع البلد الصعب، وعوضا عن ذلك تقام الدنيا ولا تقعد لخلع الفاشل فلان، وتنصيب الفاشل علان.. كم أصبحت صغيرة يا جبهة التحرير!!؟.. عفوا.. كم أنت مسكينة يا جبهة في أيدي هؤلاء!!! [Share this]