إن المتأمل لواقع الحركات الإسلامية المغربية ، و مدى فاعلية هذه الحركات في الساحة المغربية ، سواء على المستوى الدعوي ، أو على المستوى السياسي ، ليصل إلى نتيجة مفادها أن عمل العديد من هذه الحركات _ إلا من رحم الله _ أصبح لا يختلف كثيرا عما تقوم به باقي الأحزاب و الهيئات و المؤسسات المدنية ، حيث اقتصرت على جوانب فكرية و ثقافية محدودة ، مع انحصار للجانب الدعوي ، و بالمقابل تسبيح بحمد النظام و غض الطرف عن اهتمامات الشعب الأساسية في دينه و دنياه . إن أعظم خطر تغاضت عنه أحزابنا _ تحقيقا لمصالحها و طمعا في الفتات _ و تغاضت عنه الحركات الإسلامية أيضا هو غياب القيادة الربانية ، في دول و حكومات الأمة الإسلامية . إن ما قدمته تركيا مؤخرا بقيادة أردغان في الآونة الأخيرة في سبيل القضية الفلسطينية ، لدليلٌ كافٍ وجوابٌ شافٍ على أهمية دور القيادة في نهضة الأمة والدفاع عن كرامتها ومقدساتها وإظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام والمسلمين . إن من أخطر عوائق التمكين غياب القيادة الربانية ، وذلك أن قادة الأمة هم عصب حياتها، وبمنزلة الرأس من جسدها، فإذا صلح القادة صلحت الأمة، وإذا فسد القادة صار هذا الفساد إلى الأمة، ولقد فطن أعداء الإسلام لأهمية القيادة في حياة الأمة الإسلامية، ولذلك حرصوا كل الحرص على ألا يمكنوا القيادات الربانية من امتلاك نواصي الأمور وأزمة الحكم في الأمة . ولقد صرح المستشرق البريطاني «مونتجومري وات» في جريدة التايمز اللندنية قائلا: «إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام ، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى». إن غياب هذه القيادة قد قيدت حركة الإسلام كقوة منتصرة، ومنع غياب هذه القيادات الحركات الإسلامية من أن تكون منافسا خطيرا على السلطة في العالم الإسلامي، لكن هذه الحركات يمكن أن تتحول إلى قوى سياسية هائلة إذا تهيأ لهذا النوع من القيادة. حكامنا لا هم لهم إلا بناء القصور وتشييدها وجمع ما خف حمله وغلى ثمنه لهم ولأولادهم في الداخل والخارج. حكامنا لا هم لهم إلا تعليق صورهم بجميع الأحجام في كل زاوية وفي كل سهل وحبل . حكامنا لا هم لهم إلا سماع قصائد تنشد في مدحهم وتمجيدهم ، وانه لولاهم ما تحقق انجاز ولا شيد مستشفى ولا رصف طريق. حكامنا لا هم لهم إلا توريث الحكم لأبنائهم ، ويبذلون لذلك كل غال ورخيص من خيرات الأمة. _ الأمة اليوم بحاجة إلى قيادات لا تخشى إلا في الله لومة لائم ، الأمة بحاجة إلى قيادات تربت على الكتاب والسنة ، الأمة بحاجة إلى قيادات تُخرجها من مستنقع الذل إلى بستان العزة والكرامة ، الأمة بحاجة إلى قيادات تحكم شرع الله على القاصي والداني ، الأمة بحاجة إلى قيادات فذة فريدة لا تجامل أحداً على الإطلاق على حساب مصلحة الأمة . و إذا استمرينا في التغاضي عن هذه الحقيقة الساطعة ، و السعي وراء سفاسف الأمور في إطار حلول ترقيعية فاقرأوا على إصلاح واقعنا السلام ، ولكم مني السلام .