يُسجّل للرئيس التونسي «المؤقت» منصف المرزوقي, تفاؤله المُعلن وجهوده التي تواصلت, عبر جولة شملت عواصم الدول الاربع الاعضاء في الاتحاد المغاربي الذي يعيش في غيبوبة منذ انشائه, بعد أن فرضت الخلافات نفسها على جدول الاعمال ولعبت الامزجة الشخصية والنفور بين زعمائه, دوراً رئيساً في كبح انطلاقته ولم تخفت الدعوات الى دفنه على قاعدة.. اكرام الميت دفنه.. مياه كثيرة وعميقة بل وهادرة, مرّت من تحت جسر الاتحاد المغاربي خلال عام واحد, تكفلت باستعادة بعض الامل بامكانية احياء هذه الصيغة التي تعثرت طويلاً, وجاءت ثورتا تونس ومصر والاحتجاجات العارمة المصحوبة بسيل من الدماء وقنابل الغاز والرصاص المطاطي والانتحار باشعال الاجساد في الجزائر والمغرب, ثم الاستدراك السريع (حتى لا نقول الاستجابة) من قبل النظامين الجزائري والمغربي, والشروع في ادخال اصلاحات سياسية واقتصادية واستهداف تخفيض معدلات الفقر والبطالة (وإن ليس في شكل جذري وعميق كما يجب التنويه) لتُشكّل كلها معطوفاً عليها الحال الليبية, التي تجاوزت مفهوم الثورة الشعبية لتدخل في باب اسقاط نظام القذافي عن طريق حلف شمال الاطلسي, نقول: لتشكّل كلها مشهداً مغاربياً جديداً ومختلفاً وغير مسبوق في تاريخ شمال افريقيا «العربي», منذ سنوات النضال ضد الاستعمار حتى وصول العسكر الى السلطة عبر الانقلابات العسكرية الناجحة (ليبيا وموريتانيا) والفاشلة (كما في المغرب مرتين بقيادة الجنرال محمد اوفقير) وفي انقلاب القصر الذي قاده زين العابدين بن علي ضد الحبيب بورقيبة, في الوقت ذاته الذي يجب عدم اغفال حقيقة تدهور العلاقات بين الدول الخمس التي تَشكّل منها الاتحاد المغاربي والتي اتخذت أبعاداً مختلفة, منها قطع العلاقات واغلاق الحدود وصولا الى مواجهات عسكرية «ارتقت» الى مرتبة حروب كما حدث بين ليبيا وتونس وبين الجزائر والمغرب ولم تكن موريتانيا بعيدة عن منسوب التوتر الذي لا يختفي بين الجزائر والمغرب.. هل قلنا الصحراء الغربية؟ نعم، نقطة البدء وعقدة الانتهاء, لا شيء غيرها يمكن ان يُطلق قطار الاتحاد المغاربي الذي تعطل مباشرة بعد صافرة اول رحلة على سكة طويلة لم يصلها بعد, ولا يلوح في الافق انه سيصلها قريباً, اذا ما بقيت مشكلة الصحراء الغربية (اقرأ البوليساريو من زاوية ثانية) بغير حل ورغم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي الى الجزائر, الا ان المسألة اكثر تعقيدا من زيارة بروتوكولية مهما حملت من نيات حسنة او تم وصفها ب»التاريخية» وغير المسبوقة او شيئا من هذا القبيل.. لا المغرب مُستعد ان يذهب أبعد من اقتراحه الاخير بمنح الصحراء حكما ذاتيا (ليس مهما ان كان ضيقا او موسعا) بعد ان اعتبر ان الصحراء جزء لا يتجزأ من اراضيه السيادية ومنذ المسيرة الخضراء الشهيرة في العام 1975, ولا الجزائر ترضى بأقل من تجاوب المغرب مع اقتراح اجراء استفتاء للصحراويين يشمل كل من هو من اصول صحراوية, وليس فقط اولئك الذين يراهم المغرب اصحاب حق في الاقتراع, بينما ترفض من «جنّدتهم» الجزائر تحت هذه الصفة, واسكنتهم المخيمات في تندوف وغيرها, بوصفهم رعايا الجمهورية الصحراوية بقيادة جبهة البوليساريو التي هي «دمية» في يد الجزائر كما تقول المملكة المغربية.. ماذا عن جهود المرزوقي؟ قد يبدو الرجل بعيداً عن تعقيدات «الامراض» التي فتكت بالاتحاد والفجوات العميقة التي فرقت بين اعضائه الخمسة, واذا كان يحسب له «شرف المحاولة» إلا أن الصيغة التي طرحها تبدو رومانسية (حتى لا نقول ساذجة) لأنها تنهض على قاعدة ان مجرّد عقد «قمة مغاربية عاجلة» هي الطريق الأول لبدء حل مشكلات الاتحاد وفي مقدمتها المسألة الصحراوية.. مؤسسة القمة العربية (الاوسع) فشلت فشلاً ذريعاً, ولن يختلف مصيرها في قمة مغاربية مصغرة, بسبب الشكوك وانعدام الثقة وغياب الجدّية هي التي تسم المشهد العربي راهنه والقديم, حتى بعد ما قيل عنه الربيع العربي وحتى لو كانت تونس ذاتها هي التي فجّرت هذه الثورات وأخذت الشعوب العربية الى مربع تحدي الانظمة البوليسية الفاسدة... واسقاطها. إسألوا عن النتائج.. [email protected]