الفريق الاشتراكي ينسحب من تنسيق ملتمس الرقابة ويتهم المعارضة بتضليل الرأي العام    الذهب يواصل تراجعه مسجلا أكبر خسارة أسبوعية في نصف عام    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    في عز الموسم.. أسعار الفواكه تلهب جيوب المغاربة وتثير موجة تذمر    المغرب يرسخ ريادته كقبلة إفريقية لاحتضان المباريات الدولية    160 مليون درهم لحماية غابات الناظور والمناطق الاخرى من الحرائق في صيف 2025    لازارو وزينب أسامة يعلنان عن عمل فني مشترك بعنوان "بينالتي"    إسرائيل تسلم واشنطن قائمة "خطوط حمراء" بشأن الاتفاق النووي مع إيران    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر: الاقتصاد العالمي يواجه تحديات عميقة وتباطؤاً في النمو عام 2025    واشنطن تؤكد اهتمام القيادة السورية الجديدة ب"السلام" مع إسرائيل    بعد سنتين على اختفائه.. "جزار سوريا" وداعم "الأسد" يظهر في الجزائر    لقاء تواصلي مثمر للكاتب الوطني لنقابة الجامعة الحرة للتعليم بالقصر الكبير    وهبي: تأهلنا إلى نهائي كأس أمم إفريقيا أمر منطقي    كأس الكونفدرالية: تحكيم موريتاني لمباراة نهضة بركان وسيمبا التنزاني    ريال مدريد يهنئ برشلونة بلقب "الليغا"    إصابة 13 شخصًا في حادث دهس جماعي قبل ديربي كتالونيا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    طقس الجمعة: ارتفاع في درجات الحرارة بعدد من الجهات    على هامش افتتاح المعرض الدولي للصحة ..دعوات رسمية تحث على استغلال البيانات وتقدم مجالات التشخيص والعلاج (صور)    سكان "البرادعة".. 14 سنة من "الانتظار" و"الخذلان"    مشاريع تنموية ترى النور بجماعتي لالة ميمونة وسوق أربعاء الغرب    الحسيمة: الاطر الصحية تدق ناقوس الخطر بشأن بيئة العمل داخل المستشفى الإقليمي    تقرير: 33% فقط من النساء المغربيات يمتلكن حسابا بنكيا    متحف البطحاء بفاس يستقطب آلاف الزوار بعد ترميمه ويبرز غنى الحضارة المغربية    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم لأقل من 20 سنة: المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة بفوزه على نظيره المصري    رئيس مجلس النواب يستقبل سفير السعودية    جوردي ألبا يمدد عقده مع إنتر ميامي إلى غاية 2027    نداء إنساني من ابنتي الكاتب بوعلام صنصال: لا نعلم أي شيء عن حالته داخل سجنه بالجزائر    وهبي يعتذر للمحامين: أنا منكم وأنتم مني... والخلاف لا يفسد للعدالة قضية    من طنجة إلى مراكش.. الصالون الوطني لوكالات كراء السيارات يتوسّع وطنياً    لقاء بالعاصمة يعزز القيادة النسائية    16 ماي.. ذكرى تأسيس الأمن الوطني المغربي: مسيرة عطاء وتفانٍ في خدمة الوطن    وهبي يمرر قانون المسطرة الجنائية أمام لجنة العدل والتشريع بعد جلسة ماراثونية    كارثة إنسانية في العرائش: تهميش ممنهج أم تقصير فادح؟    طنجة.. تدخل أمني سريع بكاسابراطا استجابة لنداءات السكان لإخلاء الرصيف    جدل حول مشروع قانون المسطرة الجنائية والتنسيقية توضّح: "لا صفة ضبطية للمقدمين"    الزيارة لكنوز العرب زائرة / 1من3    تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    العرائش.. الدريوش في زيارة ميدانية لوحدات صناعية متخصصة في تثمين المنتجات البحرية    الرباط.. الأميرة للا حسناء تترأس أول اجتماع للمجلس الإداري لمؤسسة المسرح الملكي    الإمارات تعلن استثمارات ضخمة بأمريكا    سقوط أكثر من 100 شهيد في هجمات إسرائيلية جديدة على قطاع غزة    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي لتعزيز الإبداع والتعليم الفني بالمغرب    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    الموت يغيب الرابور "مول العافية"    إدريس الروخ يكشف كواليس تصوير "BAG" قبل العرض الأول    أسعار النفط تتراجع بعد ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية    إحياء النادي السينمائي بمدينة مشرع بلقصيري    من طنجة إلى بكين: كتاب "هكذا عرفتُ الصين" يكشف عمق الروابط التاريخية بين المغرب والصين    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة....تبيد الريف
نشر في ناظور سيتي يوم 01 - 01 - 2016

لا يزال موضوع الهجرة إلى الضفة الأخرى عبر بوابة تركيا مرورا باليونان ومجموعة من الدول الأخرى، يستقطب المزيد من الحالمين بمعانقة الحلم الأوربي، ويستنزف بلا هوادة طاقات خيرة شباب الوطن، خاصة مناطق الريف التي تشهد هجرة جماعية لم يسبق لا مثيل. وهناك أرقام وإن لم تكن دقيقة حول عدد المهاجرين، إلا أنها أرقام صادمة وتدق ناقوس الخطر حول مستقبل هذه المناطق، لأن هناك عملية إفراغ لبعض البلدات على مرأى ومسمع المسئولين المعنيين، رغم وجود اتفاقيات دولية بين المغرب والاتحاد الأوروبي تنص على الحد من الهجرة غير الشرعية، إلا أن المغرب يضرب هذه الاتفاقية عرض الحائط ويقذف كل يوم بمزيد من المواطنين لمعانقة المجهول وركوب قوارب الموت في أبشع انتهاك لحقوق الإنسان وكرامته.
إن التاريخ يعيد نفسه في مناطق الريف حين كان عنوان الجميع الهجرة لمن استطاع، لكن بصور أخرى. فموسم الهجرة مثل هذه، شهدتها منطقة الريف خلال سنوات الستينات والثمانينات والتسعينات، وكانت عبر طرق ومسالك مختلفة. ومنذ أن بدأت الظاهرة تستحوذ على اهتمام أغلب الشباب مابين أكتوبر وديسمبر من سنة 2015، تزايد عدد المغادرين لأقاليم وجماعات الناضور والدريوش أكثر المناطق تضررا بتنامي ظاهرة الهجرة . وهناك أرقام متضاربة حول عدد المهاجرين في غياب أرقام رسمية، لكن أغلب الروايات توثق الرقم التقريبي ما بين 7000 إلى 10000 مهاجر، وهناك أرقام أخرى تذهب ابعد من ذلك بكثير وتحدد رقم المهاجرين إلى أزيد من 15000 شخص. وفي كلا التقديرات، فالأرقام تكشف فداحة الوضع وتبين مدى الإقبال الكبير على مغادرة الوطن. في قاسيطة كما في المناطق المجاورة أزلاف، ميضار، الدريوش، بن طيب،... كما في الناضور والتجمعات الخضرية والقروية المجاورة، الحديث عن المئات من الشباب غادروا أو في طور المغادرة صوب الدار البيضاء لتبدأ رحلة مائة ميل وبلوغ الفردوس المنشود.
يتسم سن الشباب بالحيوية والطموح والتطلع إلى آفاق مستقبلية ومستوى معيشي أفضل، ويكد طوال سنوات عمره لتحقيق هدفه. ولتحقيق هذا الأخير وبلوغ طموحه لا بد من توافر المال، والمال يحتاج إلى فرصة عمل مناسبة ودخل قار. وفي مجتمعاتنا، للأسف، لا تتوافر مثل هذه الفرص بسهولة. وفي غياب هذه الشروط، ينهار كل ما سبق، ولا يبقى أمام الشباب إلا الاستسلام للإحباط والإدمان بالتعاطي لجميع أنواع المخدرات، أو التمرد على ظروفه ومحيطه بالتفكير في الهجرة غير الشرعية والسقوط في أيادي مافيا تهجير البشر. والغريب أن الشباب المقبل على هذه الخطوة يعلم جيدا حجم الأخطار المحدقة التي تنتظره، لكنه لا يعيرها أي اهتمام، فهو لا يضع أمام عينيه سوى صور النماذج التي نجحت في الهروب من هذا الواقع المرير وعادت محملة بالأموال. وهذه الظاهرة لا تنتهي أبدا طالما ظلت ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية على حالها. وسيبقى محاكاة الأخر يسبب المزيد من ضحايا الهجرة.
إن أغلب القراءات تزكي سبب الهجرة إلى فرضية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتدني مستوى العيش والفقر، والتباين الكبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين البلد المصدر للمهاجرين وبين الدول المستقبلة. ومن الطبيعي أن يحلم أي شاب بالاستقرار والسفر إلى الخارج لخوض تجربة حياة جديدة، والبحث عن مستقبل أفضل، في ظل غياب أي أفاق مستقبلية، والافتقار إلى العمليات التنموية التي من شانها أن تخرج مناطق الريف من العزلة والتهميش، كون اغلب الشباب يعاني من ظاهرة البطالة، أو يزاولون مهنا غير مهيكلة كالتهريب أو الأعمال الموسمية. وتبقى الهجرة كما يتوقعون الحل السحري لجميع مشاكلهم المادية والاجتماعية، والتي من شأنها أن تضعهم في وضع مادي مريح، وتمنحهم الكرامة السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
إن دخول مافيا تهريب البشر عالم التقنية واقتحامهم لمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عالم الموقع الأزرق، ساهم بشكل كبير في تزايد عدد ضحايا الهجرة السرية من تركيا إلى اليونان، وساهم في إذكاء حملات الالتحاق بتركيا عبر تحريضهم وإيهامهم من خلال صفحات أنشئت لهذا الغرض، وإرفاق صور وفيديوهات إشهارية وتحفيزية لشباب وصلوا إلى اليونان، ويزعمون أنها تعود لأشخاص سبق نقلهم نحو الجزر اليونانية. وهذه الصور والفيديوهات جعلت فكرة الهجرة أكثر دغدغة من قبل في ظل إظهارها بشكل يومي، وتوثق هجرة أجناس متعددة انطلاقا من سواحل تركيا. كما يلعب الموقع الأزرق همزة وصل بين ضحايا الهجرة و المهربين الذين يضعون خدماتهم تحت تصرف الحالمين إلى بلوغ الفردوس المنشود، في أبشع مظاهر الاستغلال لمعاناة الناس وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، والرمي بهم إلى أعماق البحار ليواجهوا مصيرهم المجهول بعد الاستيلاء على أموالهم.
وبين الأمس واليوم، توسعت رقعة الحالمين والطامحين إلى معانقة الحلم الأوروبي، أو بالأحرى، الوهم الوردي. والزمن الفاصل بين الذين غادروا والذين في طور المغادرة هو توفير تكاليف السفر التي غالبا ما تصل إلى حدود 30.000 درهم، وتشمل تذكرة السفر نحو مطار اسطنبول؛ وغالبا ما تكون التذكرة صالحة ذهابا وإيابا لتفادي أي شكوك في المطارات المغربية والتركية، وتكلف حوالي 6000 درهم إضافة إلى مصاريف المبيت والأكل، ومصاريف التنقل إلى المدن الساحلية التركية؛ والوصول إلى هذه المدن يعني بداية العد التنازلي نحو ركوب قوارب الهجرة والموت، والتي غالبا ما تكلف نحو 10.000 إلى 15.000 درهم على حسب المهرب. لتبدأ رحلة الإبحار السري في أجواء مأساوية ومحفوفة بكل أشكال المخاطر على متن قوارب مطاطية. ووفق الروايات المتداولة، فإن غالبا ما يكون سائق هذه القوارب من المهاجرين أنفسهم، ولا يؤدي تكلفة الرحلة، ويجب أن يكون مدربا على سياقة القوارب بحرفية حتى يستطيع التعامل مع أمواج النهر الحدودي الفاصل بين تركيا واليونان، وإيصال المهاجرين إلى الجزر اليونانية بأمان. وغالبا هذه الأحلام ما تتبخر وتنتهي بماسي وألام، وغرق العشرات من المهاجرين بعد أن تملأ قواربهم بالمياه، بسبب الحمولة الزائدة آو بعدم حرفية السائق. والرحلة لا تنتهي بوصول المركب إلى اليونان، حيث هناك مهربين آخرين في انتظار هؤلاء التائهين ليكونوا بوصلتهم إلى الجهة التي يقصدونها، وكأن حياة المهاجرين تنحصر بين يدي مهربين ينتظرون فرائسهم على أراض يابسة، بينما يواجه المهاجرين الموت في بحر تتلاعب أمواجه الغاضبة بمراكبهم المطاطية الهشة.
بين الريف والهجرة علاقة عشق وطيدة نسجت خيوطها لا مبالاة السياسة المركزية، وظلت تغذي هذا العشق التراجيدي اللامنتهي على مر العقود ببساطة حقدها الدفين الذي يبيد الريف بلا هوادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.