اعتبر بنكيران احتجاجات «طنجاوة» على شركة أمانديس «فتنة»، أطفأ غضب «مزاليطها» الثائرين بدعوتهم إلى الهدوء وعدم الانسياق وراء المظاهرات رغم مشروعية مطالبهم. تصريح رئيس الحكومة جاء بعد زيارة له «على غفلة» لعروس الشمال التي أنارت شوارعها بالشموع، بدلا من كهرباء صعق «طنجاوة» بفواتير ملتهبة، لم يجدوا لها من دلاء ماء تطفئها غير الخروج والصراخ ألما لعلهم يجدون من يرحمهم من جشع شركة «بقات تاكل حتى ولاو يغمزوها». حل بنكيران بعروس ثارت على ضوء الشموع ليطلب من «أكازان وتمرارين طنجة»، الذين استشاطوا غضبا بسبب التسيير غير المعقلن لشركة «أمانديس»، العودة إلى بيوتهم «واخا يكونو بلا ضو». من يتمعن ولو قليلا في دعوة بنكيران ل»طنجاوة» إلى أن «يبردو فيهم الدم» ويغادروا الشارع الذي اعتبر خروجهم إليه بفعل فاعل، سيشتم حتما رائحة تلميح منه إلى وجود عفاريت تحرك ثورتهم ضد «أمانديس». أعتقد أن بنكيران ليس مقتنعا -كما يمكن أن يستشف من قوله ذاك- بأن «طنجاوة» راشدون وليسوا قاصرين أو مراهقين حتى ينساقوا وراء نداء من هنا أو هناك. ففي نظري المتواضع واستنادا إلى معرفتي بأهل طنجة، هم مكتملو المواطنة وليس من دافع إياهم إلى الخروج إلى الشارع إلا اضطرارهم إلى ممارسة حقهم الشرعي في المطالبة برفع الظلم عنهم بعد أن لم يبق لهم من خيار غير الخروج في مظاهرات احتجاجية أمام اللسعات المستمرة ل»أمانديس»، التي أتت على جيوبهم ولم تترك مجالا حتى ل»التايور» كي «ياكل الخبز» بترقيع سراويلهم المثقوبة، وأمام «اللقوة» التي يتعامل بها المسؤولون مع مختلف الشكايات التي يتقدم بها المواطنون، والتي تحمل شعار «خلص عاد اشكي». لم يكن هذا التصريح هو الوحيد لبنكيران، فقد سبق له أن رمى في وجه «طنجاوة» قولا مفاده أنه محال تحقيق مطلبهم بإلغاء اتفاقية التدبير المفوض مع الشركة الفرنسية، لأن كلفة فسخ العقدة وفك الارتباط تبلغ ما بين 3 و4 مليارات درهم. حين يقول بنكيران للمغاربة أجمعين «غير خلصو واسكتو»، فإنه يضرب عدة عصافير بحجر واحد، لأنه يوجه إليهم رسالة واحدة تقول: لا مجال لنا كحكومة إلى رحمتكم من «تشفارت»، التي تتقن فنها جلُّ الشركات التي أوكلنا إليها مهمة التدبير المفوض في كبريات المدن المغربية، مثل الدارالبيضاء والرباط وطنجة، وغيرها... وبالرجوع إلى تاريخ شركة «أمانديس» الفرنسية، نجده تاريخا أسود، فهي ذات ماض متسخ، وقد نبذتها بسبب ذلك جلُّ الدول، فاحتضناها نحن وسلمناها رؤوسنا «تتعلم فيها الحسانة»، ليؤدي «مزاليط الشعب» الفاتورة غالية كثمن لصفقات سياسية أثبتت فشلها وضعفها في تأمين حقوق المغاربة مقابل نفوذ الشركات الخاصة التي تجد، بطرقها الخاصة، سبلا لسرقة مال الشعب «على عينك آبنعدي» كما فعلت شركة «أمانديس» منذ توليها التدبير المفوض لخدمات التطهير السائل وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء بولاية طنجة منذ سنة 2002؛ ومن احتج أو اعترض فالتهمة جاهزة: إثارة البلبلة والفتنة. أمام هذا الواقع الذي يبدو ألا حلَّ له، حسب تلميحات بنكيران، لأن تكلفة فسخ العقدة غالية، يبدو أن لا سبيل أمامنا، نحن المكتوين بلهيب الشركات الأجنبية التي فوضنا إليها أمر تدبير أمورنا ومنحناها رؤوسنا، غير النوم بعد «الساهل»، أي بعد العصر، قصد الاقتصاد في استهلاك الكهرباء، وقد نضطر في ما بعد إلى اللجوء إلى السقايات العمومية لجلب المياه منها، وكفى الله المغاربة شرَّ الشركات المفوض إليها تدبير قطاعاتهم الحيوية.