عندما ننبش في ذاكرة الأمثال الشعبية نجدها ملأى بالإيحاءات التي تختزل الواقع المعيش في كل التواريخ والأزمنة، وتؤسس لمرحلة آنية ومستقبلية في محاولة لبناء جسر من التواصل في تحد صريح لإكراهات المرحلة وتطلع لمستقبل مشرق يعكس تطلعات أهل زمانه، ولعل الجدل الواسع الذي أثير مؤخرا بمدينة بوعرفة حول إعلان توزيع التجزئات الثلاث - النخيل - أساكا - الرياض - ، والذي صاحبته نقاشات واسعة في مجالس الأوساط الشعبية افرز طبيعيا قوالب ساخرة أرجعت الذاكرة الشعبية للواجهة والتصدي لكل الاختلالات والممارسات اللاأخلاقية التي تشوب العملية برمتها، ولعل أبرز ما يتم تداوله من أمثال شعبية ساخرة من قبيل:" البصلة عمرها ما تولي تفاحة، والرخيص ما تبان فيه ملاحة، ورياس هاد المدينة ما تفيد معاهم غير لقباحة"، مثل شعبي رغم بساطة مفرداته فهو ذو حمولة فكرية وثقافية وسياسية كبيرة، يتوق من خلالها المواطن البسيط ترسيخ ثقافة المقاومة والتصدي للطحالب التي اعتادت أن تصطاد في الماء العكر لتكدير صفو المواطنين وتفويت الفرصة كالمعتاد على المحتاجين ومنافستهم في أبسط الأمور. سنخرج قليلا من الكناية إلى التصريح لنقول للمضاربين والمتاجرين في التجزئات السابقة " امسكوا عنا سفهاءكم"، وأن عملية تجنيد" بنادم الرخيص" أصبحت اسطوانة مشروخة، فالأحرى بكم استبدالها بابتكار وسائل جديدة للظفر بالغنائم، وللتوضيح وتعميم المعطى فإن بعض المضاربين والمعروفين لدى العام و الخاص - و لولا الضرورة الأخلاقية لقمنا بذكر الأسماء إذا لم نضطر لذلك - يقومون بتجنيد وتمويل مستخدميهم وأصدقائهم الفقراء طبعا، لتجهيز ملفات السكن بأسمائهم مقابل مبلغ مالي بسيط يمنح لهم في حالة ظفرهم بالغنيمة، وبالتالي يقوم المضارب بتأدية ثمن البقعة مقابل تفويتها لصالحه ولو بعد حين بمعنى" اخدم التاعس للناعس"، هذه الممارسة القديمة الجديدة تثير استياء عميقا في أوساط ساكنة المدينة الذين يعانون أزمة سكنية حقيقية، مما يلزم الجميع - فعاليات المجتمع المدني النقابية، الحقوقية، السياسية، منتخبين وسلطات - أخلاقيا للتصدي لهذه الظاهرة واتخاذ قرارات زجرية في حق المتلاعبين بملف السكن، ومنع أي تفويت كيفما كان نوعه، فهل المجلس البلدي من موقع مسؤوليته له الجاهزية الأخلاقية والسياسية لاتخاذ هكذا قرار - موقف -، رغم أن المتتبع للشأن المحلي لا يكاد يبذل أكثر عناء ليكتشف غياب مجلسنا البلدي الذي اختار هذه المرة نهج سياسة النعامة ودس رأسه في الرمال لكي تمر هذه العاصفة الهوجاء بسلام ، إنه هروب صريح من تحمل المسؤولية لأننا اعتدنا من نخبتنا السياسية ميولها الفطري نحو التملص من تحمل المسؤولية لأنها تربت على ذلك خوفا من الاعتراف بالفشل، وهذه التربية السيئة عودتنا على التملص من المحاسبة وتعليق الفشل على مشاجب الآخرين، لأن هذا الهروب الجبان من المسؤولية يوفر لنا راحة نفسية تعفينا من عذاب الضمير الذي يرافق عادة الإحساس بالفشل. ومن موقع مسؤوليتنا كأبناء هذه البلدة الصامدة الشامخة عبر الحقب التاريخية، نقول لمجلسنا البلدي قليلا من الجرأة والشجاعة لتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان، وتذكروا دوما بأن" الخائفون لا يصنعون الحرية، و المترددون لن تقوى أيديهم على البناء". وتصبحون على أجمل وطن يعلو فيه صوت العدل والكرامة والحرية