يواصل ميناء طنجة المتوسط ترسيخ مكانته كأحد أكبر الموانئ وأكثرها نشاطًا في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، بعدما حقق أداءً اقتصادياً لافتاً خلال الربع الأول من سنة 2025. فقد بلغ رقم معاملات الميناء 1.12 مليار درهم، مسجلاً نمواً بنسبة 9.2% مقارنةً بنفس الفترة من سنة 2024، في مؤشر جديد على الدينامية المتواصلة التي يعرفها هذا المشروع الوطني الطموح. وتعكس هذه الأرقام النجاح الاستراتيجي الذي حققه المغرب في تحويل طنجة المتوسط إلى منصة لوجستية عالمية، بفضل رؤية واضحة وتخطيط دقيق يجمع بين البنية التحتية المتطورة والموقع الجغرافي الاستثنائي عند مفترق الطرق البحرية بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا. ميناء طنجة المتوسط لا يقتصر فقط على كونه منشأة بحرية ضخمة، بل يمثل منظومة اقتصادية متكاملة تضم موانئ شحن وتفريغ الحاويات، ومنطقة صناعية ولوجستية متقدمة، إضافة إلى شبكة من الخدمات المساندة. وتُعد المنطقة الحرة المحيطة بالميناء موطناً لأكثر من 1200 شركة تنشط في مجالات متنوعة تشمل صناعة السيارات، والطيران، والخدمات اللوجستية، مما يجعل الميناء محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي والتشغيل بالمملكة. في السياق الدولي، يُعد طنجة المتوسط الميناء الأول في إفريقيا من حيث حجم الحاويات المعالجة، متقدماً على موانئ كبرى مثل دوربان (جنوب إفريقيا) والإسكندرية (مصر). كما يحتل المركز الأول في حوض البحر الأبيض المتوسط من حيث القدرة التنافسية، متجاوزاً موانئ تقليدية في إسبانيا وإيطاليا واليونان، وفق تصنيفات "Lloyd's List" و"Container Management". وخلال سنة 2024، نجح الميناء في معالجة أزيد من 8.6 مليون حاوية مكافئة (20 قدماً)، ما يعكس استيعابه لحجم ضخم من حركة التجارة الدولية. وتشير التوقعات إلى أن سنة 2025 قد تسجل رقماً غير مسبوق إذا استمر هذا النمو بنفس الوتيرة. يتكامل ميناء طنجة المتوسط مع مشاريع بنية تحتية وطنية كبرى مثل الخط السككي فائق السرعة "البراق"، وشبكة الطرق السيارة، مما يسهل انسيابية البضائع نحو باقي مدن المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يعزز طموح المملكة في أن تصبح بوابة اقتصادية بين أوروبا والقارة السمراء. كما يندرج الأداء الجيد للميناء في سياق رؤية المغرب لتعزيز موقعه في سلاسل الإمداد العالمية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي تدفع العديد من الفاعلين الصناعيين العالميين إلى البحث عن وجهات إنتاج وتصدير بديلة وأكثر استقراراً. في أفق السنوات المقبلة، تعمل الوكالة الخاصة بطنجة المتوسط على مشاريع توسعة جديدة، تشمل زيادة الطاقة الاستيعابية لمحطات الحاويات وتعزيز الربط الرقمي واللوجستي، بهدف الوصول إلى معالجة أكثر من 10 ملايين حاوية سنوياً بحلول عام 2030. ويُتوقع أن تساهم هذه الخطط في جعل الميناء ليس فقط منصة عبور، بل مركزاً محورياً لتجميع وإعادة تصدير البضائع، بما يعزز موقع المغرب في سلاسل التوريد العالمية ويزيد من جاذبيته للاستثمارات الأجنبية.