يشهد القطاع السياحي المغربي تحوّلاً نوعيًا جعله محط أنظار العالم في عام 2024، حيث تمكنت المملكة من جذب أكثر من 17.4 مليون سائح خلال العام، مسجلةً نموًا غير مسبوق بلغت نسبته 20% مقارنة بعام 2023، وفق تقارير رسمية ومصادر دولية موثوقة. هذه القفزة اللافتة في عدد الزوار وضعت المغرب في مصاف الوجهات السياحية الأكثر تنافسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل وأعادت تشكيل خارطة السياحة الإقليمية. وترتكز الطفرة السياحية المغربية على استراتيجية حكومية طموحة تهدف إلى استقطاب 20 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2030، وهو هدف يبدو في متناول اليد في ظل المؤشرات الإيجابية المتصاعدة. هذه الاستراتيجية تشمل حملات ترويجية واسعة النطاق موجهة للأسواق الأوروبية والروسية والأسيوية، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية السياحية والجوية، وخاصة توسيع شبكات الربط الجوي المباشر مع عدد من العواصم العالمية. ومن أبرز الدلائل على التحول في الوجهات السياحية، ما كشفه تقرير لصحيفة "Pronedra" الروسية، الذي أشار إلى أن السياح، وخصوصًا من روسيا وأوروبا، بدأوا بتحويل وجهتهم من مصر إلى المغرب، وهو ما أدى إلى حالة من "الذعر" داخل القطاع السياحي المصري الذي لطالما اعتمد على هذه الأسواق كمصدر رئيسي للدخل السياحي. أما صحيفة "Express" البريطانية، فقد نقلت عن خبراء في القطاع قولهم إن مصر بدأت تفقد جاذبيتها التقليدية أمام تصاعد شعبية المغرب، الذي بات يتمتع بسمعة عالمية في مجالات الأمن، والتنوع الطبيعي، والعمق الثقافي، والخدمة الفندقية الراقية. وأصبح السياح يرون في المغرب بديلًا أكثر أمانًا وحداثة عن المقاصد الكلاسيكية التي اعتادوا عليها. وفي السياق الروسي، تشير بيانات منصة السفر الشهيرة "OneTwoTrip" إلى أن الاهتمام بالمغرب تضاعف خمس مرات خلال عام 2025، مقارنة بالعام السابق، بينما لم يتجاوز نمو الطلب على مصر حاجز 75%، وهو فارق كبير يُعزى بشكل رئيسي إلى توفر رحلات جوية مباشرة ومنتظمة بين روسيا وعدد من المدن المغربية، وعلى رأسها الدارالبيضاء، مراكش، وأغادير، مما سهّل الوصول وجعل التجربة أكثر مرونة وراحة للمسافرين. ومن اللافت أيضًا أن المغرب ليس المستفيد الوحيد من إعادة رسم خارطة السياحة، إذ أن دولًا أخرى تشهد تراجعًا ملموسًا. ففي تركيا، التي تُعد من بين أبرز وجهات السفر العالمي، تكبّد القطاع السياحي خسائر ضخمة بسبب حملة مقاطعة واسعة النطاق شنّها السياح الهنود على خلفية توترات سياسية بين نيودلهي وأنقرة. وقد أُلغيت قرابة 200 ألف حجز سياحي كانت موجهة لمدن مثل إسطنبول وأنطاليا وبودروم، مما أدى إلى تراجع عائدات السياحة الفاخرة في البلاد. هذا التراجع في الدور السياحي لكل من مصر وتركيا، يقابله صعود ثابت ومتصاعد للمغرب، الذي أصبح في نظر الكثيرين "وجهة سياحية مكتملة"، تجمع بين التاريخ العريق، الطبيعة الخلابة، البنية التحتية العصرية، والانفتاح الثقافي. وبينما تتنافس دول المنطقة على جذب أكبر عدد من الزوار، يبدو أن المغرب قد وجد وصفته الخاصة للنجاح، مرتكزًا على تجربة سياحية أصيلة ومبتكرة في آن واحد، وهو ما يعزز مكانته كأحد أبرز الرهانات السياحية عالميًا في العقد الجديد.