منتدى "حوار المدن العربية الأوربية" في الرياض بمشاركة المغرب    الطالبي العلمي يقود وفدًا برلمانيًا مغربيًا في المنتدى الاقتصادي الموريتاني-المغربي الذي يواصل فعالياته بنواكشوط    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    أنشيلوتي يفتح الباب أمام شابي ألونسو لخلافته في ريال مدريد: "أثبت أنه من أفضل المدربين في العالم"    ما هو مصير البوليساريو بعد نهاية النزاع حول الصحراء الغربية؟    الترخيص بزيارة والد ناصر الزفزافي يجذب الانتباه إلى التعاطي الإنساني    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    طقس السبت .. زخات رعدية بالريف الاطلس المتوسط    طنجة تستقبل العالم وشوارعها ما زالت تبحث عن التهيئة    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    "كان أقل من 20 سنة".. المنتخب المغربي يواجه سيراليون وعينه على مونديال قطر    نهضة بركان يستعد لنهائي الكونفدرالية وسط ترتيبات مكثفة بملعب بنيامين    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    اعتصام وإضراب عن الطعام للعصبة المغربية لحقوق الإنسان المقربة من حزب الاستقلال بسبب الوصل القانوني    تقارير.. ليفربول وآرسنال يتنافسان على ضم رودريغو    ارتفاع حصيلة ضحايا التصعيد العسكري بين الهند وباكستان إلى 53 قتيلا    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    "لجنة طلبة الطب" تتوصل إلى تفاهمات جديدة مع التهراوي وميداوي    المدير العام لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية في مهمة ميدانية بالصحراء المغربية    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    حمد الله يكشف المستور.. رفضت التنازل لبنزيما وهددت بالرحيل    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    ثلاثة فرق تضمن مباشرة أو عن طريق مباريات السد الصعود إلى دوري الأضواء    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    إمبراطور اليابان الفخري يغادر المشفى بعد فحوص ناجحة    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    أسعار النفط ترتفع    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    زلزال بقوة 5,3 درجات يضرب العاصمة الباكستانية    بينما تسامحت مع زيارة نتنياهو لأوروبا.. 20 دولة أوروبية تنشئ محكمة خاصة لمحاكمة بوتين    فاجعة انهيار مبنى بفاس تعيد ملف السكن الآيل للسقوط إلى الواجهة وتكشف غياب المنتخبين    مرصد يساءل تعثر التربية الدامجة في منظومة التربية والتكوين بالمغرب    سيدي بوزيد. استمرار إغلاق مسجد الحاج سليمان يثير استياء الساكنة    بوزنيقة تستقبل زوار الصيف بالأزبال.. ومطالب للداخلية بصفقة النظافة    "أسبوع القفطان" يكشف المستجدات    البعوض يسرح ويمرح في طنجة.. والجماعة تبحث عن بخّاخ مفقود!    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير بودينار : المراجعة الدستورية تحتاج إلى خطوات موازية
نشر في الوجدية يوم 15 - 07 - 2011

(رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة)
قال الدكتور سمير بودينار إن هناك نماذجا كثيرة لأنظمة دستورية حديثة في أعرق الديمقراطيات تقوم على العلاقة بين طبيعة النظام السياسي ورأس الدولة فيه، وبين السمة الدينية للمجتمع ومؤسسته الدينية الكنسية مثلا دون أن يؤثر ذلك في مبدأ مدنية الدولة من حيث عدم استناد شرعية الحكم فيها إلى مبادئ «الحق الإلهي» أو السمة التيوقراطية لنظام الحكم. وأكد رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ل»التجديد» أن رسالة الناخب في الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد كانت قوية لكل من يعنيه الأمر سواء من صناع القرار أو النخب السياسية، بأنه ليس غائبا تماما كما تطرح بعض التحليلات، وأن غيابه مرتبط بمضمون الممارسة الانتخابية من حيث المعنى والنتيجة، وليس بمبدئها. واستبعد بودينار دخول المغرب إلى مرحلة من الانتظار للإصلاحات، نافيا بأن يكون الأمر مطروحا اليوم على الأقل وذلك لوجود إرادة قوية معبر عنها حتى اليوم، مؤكدا أن المجال المتبقي هو مجال المنافسة في استتثمار معطيات هذا الإصلاح إلى أبعد مدى والدفاع عنه في وجه جيوب مقاومته.
كيف تقرؤون نتيجة التصويت بنعم على الدستور الجديد للمملكة؟
أولا نتيجة التصويت الإيجابية لصالح الدستور كانت أمراً متوقعا، ربما ليس بهذه النسبة العالية التي قاربت الإجماع بين المصوتين الذين مثلوا بدورهم نسبة عالية من بين المسجلين، قاربت الثلاثة أرباع، لكن هذه النتيجة تحتاج في تقديري إلى قراءة أشمل من القراءة العددية أو حتى السياسية، فهي تعني أولاً أننا في مثل هذه المحطات نكون إزاء «مواقف تجديد التعاقدات» الحاكمة للعلاقة داخل الدولة، كما لنتاج الدينامية المجتمعية لبلادنا، الأمر الآخر أن رسالة الناخب كانت قوية لكل من يعنيه الأمر سواء من صناع القرار أو النخب السياسية، بأنه ليس غائبا تماما كما تطرح بعض التحليلات، وأن غيابه مرتبط بمضمون الممارسة الانتخابية من حيث المعنى والنتيجة، وليس بمبدأها.
أضف إلى ذلك أن «نعم» القوية هذه كانت تعبيراً عن قلق عام من مسار «التغيير» غير متحكم فيه وغير مضمون النتائج، وبالتالي فهي أعطت فرصة ثمينة للنخب أن تتجه إلى إصلاح مؤسسي عميق تمتد آثاره إلى مختلف أوجه الحياة العامة، وتنعكس على حياة المواطن مع ضمان الاستمرارية المؤسسية والاستقرار في الوضع العام.
- في رأيكم ماذا بعد هذه النتائج وهل المراجعة الدستورية ستشكل نقطة تحول ديموقراطي؟
- التحول ديمقراطي عملية مركبة، بمعنى أنه ليس مباشر أو سريع، صحيح أنه تحتاج إلى لحظات قوية للدفع به شأن المحطة التي نتحدث عنها، لكني أعتقد أن التحول إلى مجتمع قوي يتسم بالفعالية والإيجابية والقدرة على المشاركة والرقابة، ومنظومة سياسية تتمتع بالمواصفات المطلوبة للشفافية والعدالة والمحاسبة والحكامة... أن ذلك أمر يحتاج إلى جهد أكبر وعمل متواصل من قبل الجميع، وفي طليعة هؤلاء النخب المجتمعية في مواقع الممارسة السياسية ومراكز القرار، وصناعة الرأي العام...
المراجعة الدستورية الحالية هي خطوة أساسية نحو المستقبل على هذا المسار، لكنها رغم ذلك تظل خطوة تحتاج إلى خطوات موازية تواكبها في المجالات السياسية، والمجتمعية والأخلاقية، والثقافية حتى تحقق التحول الذي ننشده؛ لأن التحول الديمقراطي كما ذكرتم لا يكون من خلال نقطة أو محطة واحدة.
- ما هي أبرز التحديات المطروحة اليوم بعد الدستور بخصوص تأويله وأجرأته؟
- أود هنا أن أعبر عن قلق خاص فيما يتعلق بمسالة التأويل، التي أرى أنها تتخذ في بعض الخطابات حجما أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، ولا أعرف إن كان ذلك مقصوداً من قبل جهات معينة استكمالاً للنقاش والتدافع الذي تابعناه خلال مرحلة عمل لجنة إعداد الدستور، بحيث يعطى موضوع التأويل مساحة أكبر من المساحة المتاحة له في تفسير النص الدستوري، ويُحمّل بالتالي مسؤولية فهم معين للوثيقة الدستورية خاصة في فصولها التي تميز النقاش حولها بالحدة والاختلاف، الاحتمال الثاني هو أن قدرة النخبة السياسية خصوصا على استيعاب مقتضيات التغيير الذي حصل مع التعديل الدستوري لازالت محدودة إلى الآن وهو أمر مفهوم- فلأجل حل مشكلة الموائمة بين انشغالاتها وهواجسها الراهنة المتعلقة بموازين القوى في السلطة وبين روح الدستور الجديد تلجأ إلى التركيز على آلية التأويل كحل استباقي.
التحدي الحقيقي في تقديري يبقى دون شك هو ذلك المرتبط بالأجرأة والتنزيل على واقع الممارسة، بالنسبة لكافة المتدخلين والمؤسسات المعنية في المجتمع والدولة، وهو أمر يحتاج خصوصا إلى خصلتي الثقة والشجاعة، الثقة في إمكاناتنا كأمة ومجتمع في الفعل والتغيير تحقيق النهوض والتنمية المطلوبة، والتعامل مع وضع دستوري جديد يعطي فرصا وصلاحيات مؤسسية تحتاج الشجاعة فيمن يؤدي مهامه في إطارها على مختلف المستويات.
- في نظركم ما هي المخاطر التي ستخلفها الفراغات التي بقيت في النص الدستوري، وما يمكن أن تفتحه من إمكانات للقراءة غير الديمقراطية؟
- تحدثت سابقا عن بعض الدوافع التي ربما كانت كامنة وراء التركيز عل «القراءات المتعددة» للنص الدستوري، وهنا أود الإشارة إلى شيء وهو أنني منذ بضعة أشهر حينما بدأ النقاش العمومي حول مشروع ولجنة الدستور، كنت أردد في كثير من المنتديات العلمية والمناسبات العامة التي أتيح لي أن أساهم فيها برأيي أن الدستور المقبل سيكون كما كان الدستور دوما تعبيراً عن موازين القوى القائمة اليوم في بلادنا، مضافا إليها الدينامية التي مثلت قوة الدفع اللازمة لإخراجه.
وهذه الملاحظة لا تبدو في شيء كما تبدو في الملفات والقضايا التي لم تستطع الآلية السياسية أن تحسم فيها وتُرِكت للتحكيم الملكي، بحيث أوكلت في الدستور إلى مؤسسات أو مجالس عليا لتحديد قواعد التعامل معها مستقبلاً، والبث في مصيرها وفق نفس المنطق، وهو حجم الأصوات المطالبة أو المعارضة، وعلاقتها بموازين القوى على أرض الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي.. وهذا مجال لعمل جدي ينبغي أن يتم في المستقبل وأن تستوعبه الأطراف الفاعلة في الشأن العام وتستعد لإدارة التدافع بين البرامح والمقترحات الخاصة بتلك الملفات.
- ما المطلوب من الفاعلين السياسيين والمجتمعيين لتفعيل هذه المكتسبات التي جاء بها الدستور، والنضال من أجل تحقيق مكاسب أخرى.
- أعتقد أن النضال من أجل تحقيق مكاسب على الصعيد الاجتماعي أوالسياسي هي أحد الأدوار الطبيعية لهؤلاء الفاعلين، فلا نحتاج إلى تذكيرهم بها.
أما الأهم في تقديري بالنسبة لمستقبلنا المشترك، هو محاولة طرح الأسئلة بشكل جماعي والتفكير والحوار حولها، والاستعداد لأداء الواجب المتعين على كل الفاعلين والمتدخلين والفرقاء في سبيل اقتراح الأجوبة الناجعة حولها، وتحمل مسؤوليتها.
لقد كان من أهم نتائج التعديل الدستوري أنه وضع النخب أمام مسؤولياتها مباشرة، وفي مواجهة الرأي العام والمواطن الذي يتوقع الكثير من نتائج الإصلاح المؤسسي والدستوري، خاصة فيما يتصل بواقعة وظروف عيشه، وأنا هنا أتحدث عن النخب بشكل عام في مواقع القرار السياسي والاقتصادي، والمشتغلة بالشأن العام في المؤسسات وخارجها، والمثقفين وغيرهم من نخب المجتمع المختلفة.
منطق المحاسبة والمسؤولية يقتضي تغييراً حقيقيا في آلية التنخيب «أي صناعة النخب» التي تمثل المجتمع في مواقع المسؤولية المختلفة، لأن هذا هو المفتاح الحقيقي لتحويل المكتسبات التي جاء بها الدستور على الصعيد القانوني إلى واقع في الممارسة. وهي عملية تقتضي شجاعة طرح الموضوع للنقاش العمومي لتتحمل كل جهة مسؤولياتها في هذا المجال.
- ظهر مع النقاش الدستوري في المغرب ما يمكن أن نسميه بإعادة إنتاج الصراع المفتعل بين الإسلام والديمقراطية تحت مسميات التعارض بين النص على إسلامية الدولة في الدستور وبين تبني مقتضيات الحداثة والدولة المدنية كيف يمكننا أن نتجاوز هذا الأمر في المستقبل؟
- الطريقة التي تم التعامل بها مع هذا الموضوع تحديداً من حيث تدبير النقاش العلمي والسياسي حوله تبعث الأسف حقا، ذلك أنها بينت بوضوح حجم القصور في استيعاب أبعاد الموضوع، وحتى ضعف المعرفة المطلوبة به.
وأنا هنا لا أتحدث فقط عن مبدأ إسلامية الدولة بالمغرب بكل ما يعنيه من أهمية، والخطورة الكبيرة التي تكتسيها محاولة التلاعب به، بل كذلك علاقة هذا المبدأ الديني والسياسي والتاريخي والرمزي بموضوع مدنية الدولة، إذ كان يكفي الرجوع إلى مصادر الفقه الدستوري والقانون الدستوري المقارن لنعرف أن الموضوع إذا كان النقاش حوله نزيها- لا يثير أي إشكال على المستوى القانوني أو السياسي، وأن نماذج كثيرة لأنظمة دستورية حديثة في أعرق الديمقراطيات تقوم على العلاقة بين طبيعة النظام السياسي ورأس الدولة فيه، وبين السمة الدينية للمجتمع ومؤسسته الدينية الكنسية مثلا دون أن يؤثر ذلك في مبدأ مدنية الدولة من حيث عدم استناد شرعية الحكم فيها إلى مبادئ «الحق الإلهي» أو السمة التيوقراطية لنظام الحكم.
قلت سابقا إننا كمجتمع مغربي اليوم في أمس الحاجة إلى الاتفاق حول مساحة الإجماع التي تشمل الثوابت الثقافية والوطنية لنا كمجتمع ودولة ، حتى نستطيع بعد ذلك تدبير النقاش العمومي حول مثل هذه القضايا بالاستناد إلى عقلانية المؤسسة والرأي المختص.
- كيف يمكننا أن نجدد النخب السياسية التي اتهمها الشارع بالعجز وأي مستقبل لإدماج الشباب في العملية السياسية في ظل تخوفات البعض من إمكانية تخلف النخب السياسية والحزبية التقليدية عن مواكبة هذه التحولات؟
- معضلة «النخبة السياسية» بل المجتمعية عموما في المغرب اليوم تحتاج إلى جهد استثنائي، لكن ما ينبغي أن يكون واضحا أن هذا الجهد موكول إلى المجتمع نفسه ونخبه الحقيقية ذات الكفاءة والمصداقية، لأن النخب تتجدد، ولا تُجدَد، بمعنى أن عملية التجدد هذه ذاتية، يقوم بها المجتمع من خلال المستوى المطلوب من الوعي والفعالية والمشاركة بإفراز نخب تمثله وتؤتمن على مصالحه، ولا يمكن أن تُجدد هذه النخب بقرار من جهة ما. من المهم أن يكون هناك إطار دستوري وقانوني ومؤسسي مساعد على ذلك، يوسع مجال المشاركة على أسس الكفاءة ومعاني الانتماء الحقيقية للناس وللمجتمع، لكن الإطار القانوني ما هو إلا مجال مناسب لهذه الدينامية التي هي مجال عمل مجتمعي كامل، بشكل واعي، مشترك ومتكامل.
من جهة أخرى أود الإشارة إلى أن اندماج الشباب في الحياة العامة ومشاركته في العملية السياسية هو أمر ينبغي أن يحققه الشباب بنفسه لا أن ينتظر أن تمهد له الطريق وتفتح له الأبواب، مع الوعي بما يقتضيه هذا الأمر من واجبات هذه المشاركة ومسؤولياتها.
ينبغي الإقرار أننا نعاني بالفعل مشكلة نخب قادرة على تدبير الحياة العامة في كثير من المجالات، لكن المجتمع والدولة كما الطبيعة لا تقبل الفراغ، وإيجاد إطار مناسب لإنتاج نخب جديدة هو الخطوة الأولى في طريق «آلية جديدة للتنخيب» على أسس مختلفة.
- كيف يمكننا أن نحافظ على الإصلاح في هذا الجو المتوتر في المنطقة؟
- الجو العام في المنطقة هو وليد ظروف موضوعية إلى جانب كونه تعبيراً عن متطلبات ذاتية للتغيير، وينبغي أن يكون المشهد في كليته واضحا بما في ذلك دور العامل الخارجي وتأثيراته في مسارات الأحداث الراهنة بالمنطقة. وإذا كان هذا الجو الذي يسميه البعض «ربيعا عربيا» هو الذي ساعد على موجة الإصلاحات الجديدة في عدد من الساحات العربية، فإنه أوجد في المقابل حالة توتر خطيرة في عدد من الساحات الأخرى، والسبب فيها في تقديري مزدوج بين وضع داخلي مختل، وحسابات خارجية ضاغطة. لهذه الأسباب أعتقد أن مسيرة الإصلاح في مثل هذه الظروف ينبغي أن تعتصم بالمصلحة الداخلية للأوطان، بمعنى أن يكون إضعاف الداخل لحساب استقواء الخارج خطا أحمر لا يقبل التجاوز. وقد رأينا كم كانت تكلفة هذا الموضوع تحديداً باهظة بل فاذحة في عدد من الدول، الأمر الثاني أن نتأكد أن الظروف الحالية إن كانت قد هيأت الأجواء لتدشين مسارات الإصلاح السياسي والدستوري والمؤسسي على أكثر من مستوى، فإنه لا ينبغي النظر إليها على أنها فرصة لتصفية الحسابات مع أي طرف، لأن ذلك لن يكون بالتأكيد في خدمة مسار الإصلاح الذي ننشده ولا في مصلحة البلاد.
من المهم أن تكون هذه الأوضاع المقلقلة في العالم العربي، مناسبة لاستخلاص دروس الإخفاق التي لا تقل أهمية عن دروس النجاح كما يقول الزعيم الماليزي مهاتير محمد.
- وهل يمثل الدستور معالجة عميقة لاختلالات الحكم التي كرسها عدم احترام الدستور السابق؟ وإلى أي حد يمكن أن نبدد الخوف المطروح في الشارع المغربي من إمكانية أن ندخل غرفة انتظار في تعاطي الدولة بشكل جدي مع هذه الإصلاحات؟
- لا شك أن سقف الإصلاحات الدستورية كان عاليا، وقد تجاوز حتى أفق انتظارات كثير من النخب السياسية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقول الإنجليز، والتفاصيل هنا هي إرادة الالتزام بمقتضيات هذه الإصلاحات وتنزيلها إلى واقع الممارسة السياسية على المستويين المؤسساتي والقانوني، وهذه ñمرة أخرى- مسؤولية مشتركة بين كافة الفاعلين السياسيين دون استثناء.
أما الدخول إلى مرحلة انتظار للإصلاحات، فلا أعتقد أنه أمر مطروح اليوم على الأقل من خبرة مسار الإصلاح إلى الان وخطواته السابقة، والإرادة القوية المعبر عنها حتى اليوم، المجال المتبقي هو مجال المنافسة في استتثمار معطيات هذا الإصلاح إلى أبعد مدى والدفاع عنه في وجه جيوب مقاومته.
- أي خيارات لحركة 20 فبراير بعد التصويت على الدستور إذا ما وضعنا في الحسبان ما يمكن أن تشهده الأيام القادمة من أخطاء في التدبير الأمني وخصوصا بوجود قوى سياسية مؤثرة داعمة لهذه الحركة؟ وأي مآل لهذه الحركة في المستقبل؟ وجود هذه الحركة ñرغم كل ما قد يقال عن أخطاءها-كان أمراً مفيداً، وخاصة في رسم خريطة دقيقية للتعبيرات السياسية في هذه اللحظة الحساسة، وأعتقد أنها مدعوة لعملية نقد ذاتي تستفيد فيها من إنجازاتها وإخفاقاتها على السواء، وربما كان من المفيد تطوير أدائها إلى مستوى إطار تنظيمي قانوني لتسهم من منظورها في دفع عملية الإصلاح في مرحلة ما بعد الدستور الجديد.
- الملاحظ أن الحركة تسير بنوع من العفوية هل ستحافظ على نفسها النضالي أم أن فكرة 20 فبراير اقتربت من نهايتها؟
- تعرفون جيداً أن الخطاب الاحتجاجي هو خطاب للحشد بامتياز، وهو قادر على تحقيق إنجازات على المستوى التعبوي والمطلبي، لكن الأهم من ذلك هو الاستمرار بشكل إيجابي وبناء، بمعنى أنه مع معرفتنا بما نرفض وضد أي شيء نناضل، فإنه من المهم جداً أن يكون لنا تصور واضح ومفصل عما نريد، وكيف يمكن بلوغه، وغلا فإن الظروف ستجاوزنا.
هذه الحركة في النهاية تضم طاقات من الشباب المغربي المتحمس والمتابع للشأن العام، ومن المفيد أن يجد هذا الشباب مكانه في دائرة الفعل العام من أي موقع ليسهم في دعم وحماية مسيرة الإصلاح ببلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.