ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أزيد من ألفي قرص مهلوس    توقيف فرنسي من أصول جزائرية مبحوث عنه دولياً بتهمة الانتماء لعصابة إجرامية وحيازة متفجرات    روبيو يستبعد تقسيما دائما لقطاع غزة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    الحزب الاشتراكي الموحد يستنكرإقصاء مدينة العرائش من الشطر الأول للبرنامج الوطني للنقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    المغرب يصطدم بكوريا الشمالية في ثمن نهائي مونديال السيدات لأقل من 17 سنة    بعد 17 سنة على مناظرة الصخيرات.. كرة القدم تصنع مجد الرياضة المغربية    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل إلى دور المجموعات بانتصاره على حوريا كوناكري الغيني    المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة يتعادل وديا مع نظيره الفنزويلي ( 3-3)    "حماة المستهلك" يطالبون بتشديد الخناق على زيت الزيتون المغشوشة    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    الأزمي: التراجع عن التغطية الصحية الشاملة في مالية 2026 دليل على إخفاق حكومة أخنوش    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي للفترة 2025-2029.. استلام 70 حافلة جديدة بميناء أكادير    مسيرة في بروكسل تخليدًا لذكرى والد ناصر الزفزافي ومحسن فكري وإحياءً لذاكرة "حراك الريف"    ترامب منفتح على لقاء كيم ويصف كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية نوعاً ما"    قبل أسابيع من انطلاق كأس إفريقيا للأمم.. فشل ذريع للمكتب الوطني للسكك الحديدية في التواصل مع المسافرين بعد عطل "البراق"    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    أمطار مرتقبة بالشمال وانخفاض في درجات الحرارة الأسبوع المقبل    مصرع دركي في حادثة سير مروّعة بضواحي القصر الكبير    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    الكوميديا والموسيقى في جديد هاجر عدنان "طاكسي عمومي"    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    مساعد مدرب برشلونة: الانتقادات ستحفز لامين جمال في الكلاسيكو    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    طنجة... تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام الإنمائي    تصريحات لترامب تعيد مروان البرغوثي إلى الواجهة (بروفايل)    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير بودينار : المراجعة الدستورية تحتاج إلى خطوات موازية
نشر في الوجدية يوم 15 - 07 - 2011

(رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة)
قال الدكتور سمير بودينار إن هناك نماذجا كثيرة لأنظمة دستورية حديثة في أعرق الديمقراطيات تقوم على العلاقة بين طبيعة النظام السياسي ورأس الدولة فيه، وبين السمة الدينية للمجتمع ومؤسسته الدينية الكنسية مثلا دون أن يؤثر ذلك في مبدأ مدنية الدولة من حيث عدم استناد شرعية الحكم فيها إلى مبادئ «الحق الإلهي» أو السمة التيوقراطية لنظام الحكم. وأكد رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ل»التجديد» أن رسالة الناخب في الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد كانت قوية لكل من يعنيه الأمر سواء من صناع القرار أو النخب السياسية، بأنه ليس غائبا تماما كما تطرح بعض التحليلات، وأن غيابه مرتبط بمضمون الممارسة الانتخابية من حيث المعنى والنتيجة، وليس بمبدئها. واستبعد بودينار دخول المغرب إلى مرحلة من الانتظار للإصلاحات، نافيا بأن يكون الأمر مطروحا اليوم على الأقل وذلك لوجود إرادة قوية معبر عنها حتى اليوم، مؤكدا أن المجال المتبقي هو مجال المنافسة في استتثمار معطيات هذا الإصلاح إلى أبعد مدى والدفاع عنه في وجه جيوب مقاومته.
كيف تقرؤون نتيجة التصويت بنعم على الدستور الجديد للمملكة؟
أولا نتيجة التصويت الإيجابية لصالح الدستور كانت أمراً متوقعا، ربما ليس بهذه النسبة العالية التي قاربت الإجماع بين المصوتين الذين مثلوا بدورهم نسبة عالية من بين المسجلين، قاربت الثلاثة أرباع، لكن هذه النتيجة تحتاج في تقديري إلى قراءة أشمل من القراءة العددية أو حتى السياسية، فهي تعني أولاً أننا في مثل هذه المحطات نكون إزاء «مواقف تجديد التعاقدات» الحاكمة للعلاقة داخل الدولة، كما لنتاج الدينامية المجتمعية لبلادنا، الأمر الآخر أن رسالة الناخب كانت قوية لكل من يعنيه الأمر سواء من صناع القرار أو النخب السياسية، بأنه ليس غائبا تماما كما تطرح بعض التحليلات، وأن غيابه مرتبط بمضمون الممارسة الانتخابية من حيث المعنى والنتيجة، وليس بمبدأها.
أضف إلى ذلك أن «نعم» القوية هذه كانت تعبيراً عن قلق عام من مسار «التغيير» غير متحكم فيه وغير مضمون النتائج، وبالتالي فهي أعطت فرصة ثمينة للنخب أن تتجه إلى إصلاح مؤسسي عميق تمتد آثاره إلى مختلف أوجه الحياة العامة، وتنعكس على حياة المواطن مع ضمان الاستمرارية المؤسسية والاستقرار في الوضع العام.
- في رأيكم ماذا بعد هذه النتائج وهل المراجعة الدستورية ستشكل نقطة تحول ديموقراطي؟
- التحول ديمقراطي عملية مركبة، بمعنى أنه ليس مباشر أو سريع، صحيح أنه تحتاج إلى لحظات قوية للدفع به شأن المحطة التي نتحدث عنها، لكني أعتقد أن التحول إلى مجتمع قوي يتسم بالفعالية والإيجابية والقدرة على المشاركة والرقابة، ومنظومة سياسية تتمتع بالمواصفات المطلوبة للشفافية والعدالة والمحاسبة والحكامة... أن ذلك أمر يحتاج إلى جهد أكبر وعمل متواصل من قبل الجميع، وفي طليعة هؤلاء النخب المجتمعية في مواقع الممارسة السياسية ومراكز القرار، وصناعة الرأي العام...
المراجعة الدستورية الحالية هي خطوة أساسية نحو المستقبل على هذا المسار، لكنها رغم ذلك تظل خطوة تحتاج إلى خطوات موازية تواكبها في المجالات السياسية، والمجتمعية والأخلاقية، والثقافية حتى تحقق التحول الذي ننشده؛ لأن التحول الديمقراطي كما ذكرتم لا يكون من خلال نقطة أو محطة واحدة.
- ما هي أبرز التحديات المطروحة اليوم بعد الدستور بخصوص تأويله وأجرأته؟
- أود هنا أن أعبر عن قلق خاص فيما يتعلق بمسالة التأويل، التي أرى أنها تتخذ في بعض الخطابات حجما أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، ولا أعرف إن كان ذلك مقصوداً من قبل جهات معينة استكمالاً للنقاش والتدافع الذي تابعناه خلال مرحلة عمل لجنة إعداد الدستور، بحيث يعطى موضوع التأويل مساحة أكبر من المساحة المتاحة له في تفسير النص الدستوري، ويُحمّل بالتالي مسؤولية فهم معين للوثيقة الدستورية خاصة في فصولها التي تميز النقاش حولها بالحدة والاختلاف، الاحتمال الثاني هو أن قدرة النخبة السياسية خصوصا على استيعاب مقتضيات التغيير الذي حصل مع التعديل الدستوري لازالت محدودة إلى الآن وهو أمر مفهوم- فلأجل حل مشكلة الموائمة بين انشغالاتها وهواجسها الراهنة المتعلقة بموازين القوى في السلطة وبين روح الدستور الجديد تلجأ إلى التركيز على آلية التأويل كحل استباقي.
التحدي الحقيقي في تقديري يبقى دون شك هو ذلك المرتبط بالأجرأة والتنزيل على واقع الممارسة، بالنسبة لكافة المتدخلين والمؤسسات المعنية في المجتمع والدولة، وهو أمر يحتاج خصوصا إلى خصلتي الثقة والشجاعة، الثقة في إمكاناتنا كأمة ومجتمع في الفعل والتغيير تحقيق النهوض والتنمية المطلوبة، والتعامل مع وضع دستوري جديد يعطي فرصا وصلاحيات مؤسسية تحتاج الشجاعة فيمن يؤدي مهامه في إطارها على مختلف المستويات.
- في نظركم ما هي المخاطر التي ستخلفها الفراغات التي بقيت في النص الدستوري، وما يمكن أن تفتحه من إمكانات للقراءة غير الديمقراطية؟
- تحدثت سابقا عن بعض الدوافع التي ربما كانت كامنة وراء التركيز عل «القراءات المتعددة» للنص الدستوري، وهنا أود الإشارة إلى شيء وهو أنني منذ بضعة أشهر حينما بدأ النقاش العمومي حول مشروع ولجنة الدستور، كنت أردد في كثير من المنتديات العلمية والمناسبات العامة التي أتيح لي أن أساهم فيها برأيي أن الدستور المقبل سيكون كما كان الدستور دوما تعبيراً عن موازين القوى القائمة اليوم في بلادنا، مضافا إليها الدينامية التي مثلت قوة الدفع اللازمة لإخراجه.
وهذه الملاحظة لا تبدو في شيء كما تبدو في الملفات والقضايا التي لم تستطع الآلية السياسية أن تحسم فيها وتُرِكت للتحكيم الملكي، بحيث أوكلت في الدستور إلى مؤسسات أو مجالس عليا لتحديد قواعد التعامل معها مستقبلاً، والبث في مصيرها وفق نفس المنطق، وهو حجم الأصوات المطالبة أو المعارضة، وعلاقتها بموازين القوى على أرض الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي.. وهذا مجال لعمل جدي ينبغي أن يتم في المستقبل وأن تستوعبه الأطراف الفاعلة في الشأن العام وتستعد لإدارة التدافع بين البرامح والمقترحات الخاصة بتلك الملفات.
- ما المطلوب من الفاعلين السياسيين والمجتمعيين لتفعيل هذه المكتسبات التي جاء بها الدستور، والنضال من أجل تحقيق مكاسب أخرى.
- أعتقد أن النضال من أجل تحقيق مكاسب على الصعيد الاجتماعي أوالسياسي هي أحد الأدوار الطبيعية لهؤلاء الفاعلين، فلا نحتاج إلى تذكيرهم بها.
أما الأهم في تقديري بالنسبة لمستقبلنا المشترك، هو محاولة طرح الأسئلة بشكل جماعي والتفكير والحوار حولها، والاستعداد لأداء الواجب المتعين على كل الفاعلين والمتدخلين والفرقاء في سبيل اقتراح الأجوبة الناجعة حولها، وتحمل مسؤوليتها.
لقد كان من أهم نتائج التعديل الدستوري أنه وضع النخب أمام مسؤولياتها مباشرة، وفي مواجهة الرأي العام والمواطن الذي يتوقع الكثير من نتائج الإصلاح المؤسسي والدستوري، خاصة فيما يتصل بواقعة وظروف عيشه، وأنا هنا أتحدث عن النخب بشكل عام في مواقع القرار السياسي والاقتصادي، والمشتغلة بالشأن العام في المؤسسات وخارجها، والمثقفين وغيرهم من نخب المجتمع المختلفة.
منطق المحاسبة والمسؤولية يقتضي تغييراً حقيقيا في آلية التنخيب «أي صناعة النخب» التي تمثل المجتمع في مواقع المسؤولية المختلفة، لأن هذا هو المفتاح الحقيقي لتحويل المكتسبات التي جاء بها الدستور على الصعيد القانوني إلى واقع في الممارسة. وهي عملية تقتضي شجاعة طرح الموضوع للنقاش العمومي لتتحمل كل جهة مسؤولياتها في هذا المجال.
- ظهر مع النقاش الدستوري في المغرب ما يمكن أن نسميه بإعادة إنتاج الصراع المفتعل بين الإسلام والديمقراطية تحت مسميات التعارض بين النص على إسلامية الدولة في الدستور وبين تبني مقتضيات الحداثة والدولة المدنية كيف يمكننا أن نتجاوز هذا الأمر في المستقبل؟
- الطريقة التي تم التعامل بها مع هذا الموضوع تحديداً من حيث تدبير النقاش العلمي والسياسي حوله تبعث الأسف حقا، ذلك أنها بينت بوضوح حجم القصور في استيعاب أبعاد الموضوع، وحتى ضعف المعرفة المطلوبة به.
وأنا هنا لا أتحدث فقط عن مبدأ إسلامية الدولة بالمغرب بكل ما يعنيه من أهمية، والخطورة الكبيرة التي تكتسيها محاولة التلاعب به، بل كذلك علاقة هذا المبدأ الديني والسياسي والتاريخي والرمزي بموضوع مدنية الدولة، إذ كان يكفي الرجوع إلى مصادر الفقه الدستوري والقانون الدستوري المقارن لنعرف أن الموضوع إذا كان النقاش حوله نزيها- لا يثير أي إشكال على المستوى القانوني أو السياسي، وأن نماذج كثيرة لأنظمة دستورية حديثة في أعرق الديمقراطيات تقوم على العلاقة بين طبيعة النظام السياسي ورأس الدولة فيه، وبين السمة الدينية للمجتمع ومؤسسته الدينية الكنسية مثلا دون أن يؤثر ذلك في مبدأ مدنية الدولة من حيث عدم استناد شرعية الحكم فيها إلى مبادئ «الحق الإلهي» أو السمة التيوقراطية لنظام الحكم.
قلت سابقا إننا كمجتمع مغربي اليوم في أمس الحاجة إلى الاتفاق حول مساحة الإجماع التي تشمل الثوابت الثقافية والوطنية لنا كمجتمع ودولة ، حتى نستطيع بعد ذلك تدبير النقاش العمومي حول مثل هذه القضايا بالاستناد إلى عقلانية المؤسسة والرأي المختص.
- كيف يمكننا أن نجدد النخب السياسية التي اتهمها الشارع بالعجز وأي مستقبل لإدماج الشباب في العملية السياسية في ظل تخوفات البعض من إمكانية تخلف النخب السياسية والحزبية التقليدية عن مواكبة هذه التحولات؟
- معضلة «النخبة السياسية» بل المجتمعية عموما في المغرب اليوم تحتاج إلى جهد استثنائي، لكن ما ينبغي أن يكون واضحا أن هذا الجهد موكول إلى المجتمع نفسه ونخبه الحقيقية ذات الكفاءة والمصداقية، لأن النخب تتجدد، ولا تُجدَد، بمعنى أن عملية التجدد هذه ذاتية، يقوم بها المجتمع من خلال المستوى المطلوب من الوعي والفعالية والمشاركة بإفراز نخب تمثله وتؤتمن على مصالحه، ولا يمكن أن تُجدد هذه النخب بقرار من جهة ما. من المهم أن يكون هناك إطار دستوري وقانوني ومؤسسي مساعد على ذلك، يوسع مجال المشاركة على أسس الكفاءة ومعاني الانتماء الحقيقية للناس وللمجتمع، لكن الإطار القانوني ما هو إلا مجال مناسب لهذه الدينامية التي هي مجال عمل مجتمعي كامل، بشكل واعي، مشترك ومتكامل.
من جهة أخرى أود الإشارة إلى أن اندماج الشباب في الحياة العامة ومشاركته في العملية السياسية هو أمر ينبغي أن يحققه الشباب بنفسه لا أن ينتظر أن تمهد له الطريق وتفتح له الأبواب، مع الوعي بما يقتضيه هذا الأمر من واجبات هذه المشاركة ومسؤولياتها.
ينبغي الإقرار أننا نعاني بالفعل مشكلة نخب قادرة على تدبير الحياة العامة في كثير من المجالات، لكن المجتمع والدولة كما الطبيعة لا تقبل الفراغ، وإيجاد إطار مناسب لإنتاج نخب جديدة هو الخطوة الأولى في طريق «آلية جديدة للتنخيب» على أسس مختلفة.
- كيف يمكننا أن نحافظ على الإصلاح في هذا الجو المتوتر في المنطقة؟
- الجو العام في المنطقة هو وليد ظروف موضوعية إلى جانب كونه تعبيراً عن متطلبات ذاتية للتغيير، وينبغي أن يكون المشهد في كليته واضحا بما في ذلك دور العامل الخارجي وتأثيراته في مسارات الأحداث الراهنة بالمنطقة. وإذا كان هذا الجو الذي يسميه البعض «ربيعا عربيا» هو الذي ساعد على موجة الإصلاحات الجديدة في عدد من الساحات العربية، فإنه أوجد في المقابل حالة توتر خطيرة في عدد من الساحات الأخرى، والسبب فيها في تقديري مزدوج بين وضع داخلي مختل، وحسابات خارجية ضاغطة. لهذه الأسباب أعتقد أن مسيرة الإصلاح في مثل هذه الظروف ينبغي أن تعتصم بالمصلحة الداخلية للأوطان، بمعنى أن يكون إضعاف الداخل لحساب استقواء الخارج خطا أحمر لا يقبل التجاوز. وقد رأينا كم كانت تكلفة هذا الموضوع تحديداً باهظة بل فاذحة في عدد من الدول، الأمر الثاني أن نتأكد أن الظروف الحالية إن كانت قد هيأت الأجواء لتدشين مسارات الإصلاح السياسي والدستوري والمؤسسي على أكثر من مستوى، فإنه لا ينبغي النظر إليها على أنها فرصة لتصفية الحسابات مع أي طرف، لأن ذلك لن يكون بالتأكيد في خدمة مسار الإصلاح الذي ننشده ولا في مصلحة البلاد.
من المهم أن تكون هذه الأوضاع المقلقلة في العالم العربي، مناسبة لاستخلاص دروس الإخفاق التي لا تقل أهمية عن دروس النجاح كما يقول الزعيم الماليزي مهاتير محمد.
- وهل يمثل الدستور معالجة عميقة لاختلالات الحكم التي كرسها عدم احترام الدستور السابق؟ وإلى أي حد يمكن أن نبدد الخوف المطروح في الشارع المغربي من إمكانية أن ندخل غرفة انتظار في تعاطي الدولة بشكل جدي مع هذه الإصلاحات؟
- لا شك أن سقف الإصلاحات الدستورية كان عاليا، وقد تجاوز حتى أفق انتظارات كثير من النخب السياسية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقول الإنجليز، والتفاصيل هنا هي إرادة الالتزام بمقتضيات هذه الإصلاحات وتنزيلها إلى واقع الممارسة السياسية على المستويين المؤسساتي والقانوني، وهذه ñمرة أخرى- مسؤولية مشتركة بين كافة الفاعلين السياسيين دون استثناء.
أما الدخول إلى مرحلة انتظار للإصلاحات، فلا أعتقد أنه أمر مطروح اليوم على الأقل من خبرة مسار الإصلاح إلى الان وخطواته السابقة، والإرادة القوية المعبر عنها حتى اليوم، المجال المتبقي هو مجال المنافسة في استتثمار معطيات هذا الإصلاح إلى أبعد مدى والدفاع عنه في وجه جيوب مقاومته.
- أي خيارات لحركة 20 فبراير بعد التصويت على الدستور إذا ما وضعنا في الحسبان ما يمكن أن تشهده الأيام القادمة من أخطاء في التدبير الأمني وخصوصا بوجود قوى سياسية مؤثرة داعمة لهذه الحركة؟ وأي مآل لهذه الحركة في المستقبل؟ وجود هذه الحركة ñرغم كل ما قد يقال عن أخطاءها-كان أمراً مفيداً، وخاصة في رسم خريطة دقيقية للتعبيرات السياسية في هذه اللحظة الحساسة، وأعتقد أنها مدعوة لعملية نقد ذاتي تستفيد فيها من إنجازاتها وإخفاقاتها على السواء، وربما كان من المفيد تطوير أدائها إلى مستوى إطار تنظيمي قانوني لتسهم من منظورها في دفع عملية الإصلاح في مرحلة ما بعد الدستور الجديد.
- الملاحظ أن الحركة تسير بنوع من العفوية هل ستحافظ على نفسها النضالي أم أن فكرة 20 فبراير اقتربت من نهايتها؟
- تعرفون جيداً أن الخطاب الاحتجاجي هو خطاب للحشد بامتياز، وهو قادر على تحقيق إنجازات على المستوى التعبوي والمطلبي، لكن الأهم من ذلك هو الاستمرار بشكل إيجابي وبناء، بمعنى أنه مع معرفتنا بما نرفض وضد أي شيء نناضل، فإنه من المهم جداً أن يكون لنا تصور واضح ومفصل عما نريد، وكيف يمكن بلوغه، وغلا فإن الظروف ستجاوزنا.
هذه الحركة في النهاية تضم طاقات من الشباب المغربي المتحمس والمتابع للشأن العام، ومن المفيد أن يجد هذا الشباب مكانه في دائرة الفعل العام من أي موقع ليسهم في دعم وحماية مسيرة الإصلاح ببلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.