فيضانات إسبانيا.. وزارة الخارجية تعلن استعدادها لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق المتضررة        مجلس الحكومة يطلع على اتفاقية دولية لتسليم المجرمين بين المغرب وهولندا    مطار تطوان الدولي يستقبل أكثر من 260 ألف مسافر خلال 9 أشهر    مراكش 'إير شو 2024': التوقيع على عدة اتفاقيات شراكة في قطاع صناعة الطيران    الإيرادات السياحية.. تقدم المغرب 10 مراتب في التصنيف العالمي    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بالمغرب    انييستا: مونديال 2030 يتوفر على "جميع المقومات لتحقيق نجاح كبير"    جماهير اتحاد طنجة تتوجه بنداء لوالي الجهة لإنهاء حرمانها من حضور المباريات    إسبانيا تحصي خسائرها من الفيضانات والسيول.. والأرصاد تحذر ساكنة المناطق المتضررة    إسبانيا تحت وطأة الكارثة.. الفيضانات الأسوأ منذ نصف قرن    نشر أخبار كاذبة والتبليغ عن جريمة غير واقعية يجر شخصاً للاعتقال    المغرب يتابع أوضاع مواطنيه في إسبانيا ويسجل حالة وفاة واحدة    7 نوفمبر بالمسرح البلدي بتونس "كلنا نغني" موعد العودة إلى الزمن الجميل    بدء مناقشة مشروع قانون الإضراب في مجلس النواب في أجواء مشحونة        ائتلاف مكون من 20 هيئة حقوقية مغربية يطالب ب "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن فؤاد عبد المومني        المنتخب المغربي للفوتسال يواجه فرنسا وديا يوم 5 نونبر القادم    ماكرون: موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية بصدد تحريك مواقف بلدان أوروبية أخرى    ملف طلبة الطب.. بايتاس يؤكد عدم وجود مستجدات والحل بيد الوسيط    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يُكرم الراحلة نعيمة المشرقي، والممثل الأمريكي شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ    المحكمة تقرر تأجيل محاكمة "الستريمر" إلياس المالكي    الكاتب المغربي عبد الله الطايع يفوز بجائزة "ديسمبر" الأدبية    مريم كرودي توثق رحلتها في ورشات الشعر بكتاب "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة"    يهم الصحافيين.. ملفات ساخنة على طاولة لجنة بطاقة الصحافة المهنية    الشرطة الألمانية تطلق عملية بحث مكثفة عن رجل فرّ من شرطة برلين    حماس ترفض فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار وتؤيد اتفاقا دائما    اعتقال إسرائيليين بتهمة التجسس لإيران    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    موقع "نارسا" يتعرض للاختراق قبل المؤتمر العالمي الوزاري للسلامة الطرقية بمراكش    اعتقال ومتابعة صناع محتوى بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"    مولودية وجدة ينتظر رفع المنع وتأهيل لاعبيه المنتدبين بعد من تسوية ملفاته النزاعية    طقس الخميس.. امطار ضعيفة بالريف الغرب وغرب الواجهة المتوسطية    لبنان.. ميقاتي يتوقع إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل في غضون أيام    الطاقة الخضراء: توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة شعيب الدكالي وفاعلين من الصين    توقيف شخص بسلا يشتبه تورطه في جريمة قتل    مصرع شاب في حادثة سير بتازة    مانشستر سيتي وتشيلسي يودعان كأس الرابطة الإنجليزية    منفذو الهجوم الإسرائيلي على إيران يتحدثون للمرة الأولى    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    إسرائيل تدعو لإقالة خبيرة أممية اتهمتها بشن حملة "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين    القروض والأصول الاحتياطية ترفعان نسبة نمو الكتلة النقدية بالمغرب إلى 6,7% الشهر المنصرم    وزير: الإنتاج المتوقع للتمور يقدر ب 103 آلاف طن في الموسم الفلاحي 2024-2025    الخنوس يهز شباك مانشستر يونايتد    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    الحدادي يسجل في كأس ملك إسبانيا    التحكيم يحرم آسفي من ضربة جزاء    الممثل المصري مصطفى فهمي يغادر دنيا الناس    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا يحاسب الولاة والعمال؟
نشر في الوجدية يوم 21 - 04 - 2011

الإدارة الترابية جهاز بيروقراطي ضخم تغوَّل بشكل كبير في فترة وزير الداخلية السابق إدريس البصري وما زال الأمر مستفحلا إلى الآن، فطريقة تعيين هذه الشريحة من الموظفين السامين تخضع لمعايير «بدائية» غريبة ومتجاوَزة، يتحكم فيها منطق القرابة والزبونية والقبَلية والجهوية و»أصدقاء» العمل والدراسة، في غياب تام لمعايير الاستحقاق والاستقامة والكفاءة.
وبلغة الأرقام، فإن كل عامل أو والٍ يحتمي بمظلة وازنة وارفة الظلال من حجم «الدوائر العليا» لاتحاد القرار، كمستشاري الملك والوزراء، فمهندسو القناطر، الذين تركهم الراحل مزيان بلفقيه، أبانوا عن فشل ذريع في تدبير الأزمات والقلاقل الاجتماعية، من خلال التوظيف الخاطئ لامتياز «عامل صاحب الجلالة»... هذه الصفة تجعل منهم أشخاصا فوق القانون، يصدرون التعليمات والأوامر بشكل شفهي ويتحكمون في المجالس المنتخَبة ويهمشونها ويؤثرون في الحملات الانتخابية عن بعد، ويناصرون مرشحا على حساب آخر ويرسمون الخرائط السياسية «على المقاس»... كما أن قراراتهم، غالبا ما تكون مشوبة، إما بعين الانحراف أو الشطط أو التعسف في استعمال السلطة، ويرفضون استقبال المواطنين والإنصات إلى همومهم ومشاكلهم، بدعوى كثرة الاجتماعات الماراطونية فارغة المحتوى، في حين أن لديهم الوقت الكافي لحضور المواسم وزيارة الأضرحة، لتناول الشواء واحتساء كؤوس الشاي في جو رتيب وممل، مصحوبين ب«أساطيل» مُبالَغ فيها من سيارات الدولة وبرؤساء المصالح الخارجية لباقي الوزارات، في استباحة مفرطة للمال العام، دون حسيب ولا رقيب. لقد ساهم «الحرس القديم» من هذه الفئة، بشكل كبير، في «إغراق» المدن بأحياء الصفيح وأحزمة البؤس والسكن غير اللائق، عن طريق غض الطرف، في تواطؤ مكشوف مع بعض المنتخَبين، الذين يعتبرون الأحياء الهامشية قلاعا انتخابية لا ينبغي التفريط فيها بأي ثمن. ورغم أن هذه البورجوازية «اللقيطة» قد اغتنت على حساب الإدارة، فإنه لم تطلْها يد القضاء، ونادرا ما نسمع بمحاكمة وال أو عامل، مهْما بلغت التجاوزات على درجات الخطورة.
وفي الوقت التي تشن وزارة الداخلية حملة شرسة ضد المنتخَبين للزج بهم في السجون، يبقى دهاقنة الإدارة الترابية بمنأى عن المساءلة القضائية وتتخَذ في حقهم بعض الإجراءات «التأديبية» البسيطة، كالتنقيل من إقليم إلى آخر أو الإلحاق بالإدارة المركزية، رغم مسؤوليتهم المباشرة عن كل الأخطاء المرتكَبة من طرف الهيآت المنتخَبة، على اعتبار أنهم يمثلون سلطة الوصاية ويمارسون الرقابة البَعدية على أعمال ومقررات المجالس الجماعية. وقد آن الأوان لإعادة النظر في طريقة تعيينهم، بفتح باب الترشيحات أمام مختلف النخب لتقلد هذه المسؤولية، عن طريق عرض مشاريع وتصورات تنموية مرقمة ومحددة والالتزام بدفتر تحملات مدقق، للنهوض بالعمالات والأقاليم، تحت إشراف لجنة علمية مختلطة من ذوي الاختصاص والخبرات، التنموية والإدارية، لانتقاء أفضل العروض، وهذه هي الطريقة المثلى للانتقال من الإدارة المبذرة إلى الإدارة المدبِّرة، المنفتحة على محيطها الخارجي، والتي تسعى إلى خدمة المواطنين، بدل «تخديمهم»، أسوة بطريقة تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات.
ولإلجام الأهواء الجامحة لهذه العينة من المسؤولين وفرملة طموحاتها الانتهازية في عرقلة الاستثمار وإيقاف أشغال التجزئات المرخصة، في تحد صارخ للمقتضيات القانونية وابتزاز المنعشين العقاريين، يتوجب تفعيل المفتشية العامة لوزارة الداخلية وإيلاء العناية اللازمة لتظلمات المواطنين، الذين سئموا هذه السلوكات المتعجرفة، التي تعبر عن الخواء الفكري وعقلية التّزمُّت والانغلاق.
وتبقى الخيارات المطروحة في أفق التعديلات الدستورية المرتقَبة هي تجريد العمال والولاة من الصلاحيات والسلطات المخولة لهم، لكي يصبحوا كباقي نواب ومناديب الوزارات الأخرى، مع توسيع اختصاصات رؤساء المجالس الجهوية والإقليمية. والحل الأنسب في الظروف الراهنة للإطاحة برموز الفساد الإداري وب«البورجوازيات غير المواطنة»، التي تهمُّها، بالدرجة الأولى، مراكمة الثروات واحتكار الامتيازات، دون مراعاة بؤس المغاربة، هو تحالف الملكية مع الشعب المغربي وقيادة ثورة جذرية لمحاربة الوسائط والوسطاء.
ويوضح التحقيب التاريخي للأزمات في المغرب، بشكل، جلي هذه «المعادلة»، فالقواعد الشعبية هي التي أجبرت المحتل الفرنسي على إعادة المشروعية إلى الملك الراحل محمد الخامس، وليس القياد العملاء، الذين مارسوا آنذاك «القوادة» السياسية في تعهر واضح وخيانة مكشوفة للوطن، بينما يرفل أبناؤهم، الآن، في النعيم ويشغلون أعلى المناصب. أما أبناء المقاومين فيعيشون في ظروف قاسية، حيث الفقر المدقع والبؤس الاجتماعي، وقد تخلى عنهم وطنهم، الذي دفع آباؤهم ثمن استقلاله من أرواحهم...
وغداة وفاة الملك الحسن الثاني، حزم بعض «المسؤولين الكبار» من رجالات الدولة والوزراء حقائبهم استعدادا للرحيل، خوفا من المستقبل المجهول، خاصة أنهم يتمتعون بجنسية مزدوجة. والملك محمد السادس، الذي يجوب ربوع المملكة ويهتم بأفقر المداشر والقرى النائية، يمكن أن يقود «ثورة الكرامة والغضب الشعبي» ضد شيوخ الأحزاب، الذين هرموا وطالهم الصدأ وأصبحوا لا يملكون الرؤيا السديدة للأمور، وضد الأغلبية الساحقة من العمال والولاة الفاسدين، ضد الوسطاء الذين «يبخّرون» للملكية في تملق غريب، وهم، في نفس الوقت، يشكلون خطرا عليها، ضد البرلمانيين مدى الحياة، ضد الشبكات العائلية، التي نهبت خيرات البلاد، وبذلك سيكون المغرب قد دشن مفهوما جديدا لثورة الملك والشعب...
وليست الإشكالات المطروحة مرتبطة بالتعديلات الدستورية وبإصلاح القضاء، وإنما يبقى الاستشكال القائم هو:
-هل لدينا قضاة مستقلون لأجرأة استقلالية القضاء؟
-هل لدينا وزراء نزهاء قادرون على التجرد من حساباتهم الحزبية الضيقة لخدمة الوطن؟
-كيف يمكن الاقتناع بأطروحة زعماء بعض الأحزاب السياسية، الذين يطالبون بتجريد الملك من جميع اختصاصاته، وهم غير قادرين على التخلي حتى عن بعض صلاحياتهم الشكلية ويتكلمون باسم الشعب المغربي، وهم لا يمثلون حتى أنفسهم، في نرجسية مفرطة قل نظيرها.
إن الأحكام القضائية الأسطورية تصدر باسم جلالة الملك وبعض العمال والولاة يتعسفون على المواطنين باسم الملك ولا يقدرون هذا التكليف حق قدره وأغلبية الوزراء والزعماء السياسيين فقدوا «بكارتهم» السياسية وما زالوا قابعين في مناصبهم ومصرّين على الترشيح حتى آخر رمق من حياتهم.. فعلا، إنه مغرب الإشكالات والاستشكالات المركّبة التي عجز علم السياسة عن فك رموزها وطلاسمها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.