التنسيق النقابي بقطاع الصحة يقاطع اجتماعات الوزارة..    العدالة المجالية قضية مركزية في مسار حماية حقوق الإنسان (بوعياش)    هذا هو موعد مباراة المغرب والبرازيل في ربع نهائي كأس العالم لأقل من 17 سنة    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    نقل جوي عاجل لإنقاذ رضيع من العيون إلى الرباط    بدء العمل بمركز المراقبة الأمنية بأكادير    توقيف افراد شبكة تستغل القاصرين في الدعارة وترويج الكوكايين داخل شقة بإمزورن    تراجع أسعار الذهب مع صعود الدولار    شركة ميكروسوفت تعلن عن إعادة صياغة مستقبل ويندوز القائم على الذكاء الاصطناعي    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    السفيرة الصينية في ضيافة جماعة مراكش لبحث آفاق التعاون    كوراساو.. أصغر دولة تصل إلى كأس العالم    كوراساو أصغر الدول من حيث التعداد السكاني تتأهل إلى نهائيات كأس العالم    بلادنا ‬تعزز ‬مكانتها ‬كأحد ‬الدول ‬الرائدة ‬إفريقيًا ‬في ‬مجال ‬تحلية ‬المياه    طاقات متجددة : التحول الطاقي شهد طفرة استثمارية عالمية في 2024    انخفاض أسعار النفط جراء ارتفاع المخزونات الأمريكية    النيابة العامة تكذب "تزويج قاصر"    مزور يترأس الدورة العادية للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بتطوان    من الرباط إلى مراكش.. سفيرة الصين تزور مركز اللغة الصينية "ماندارين" لتعزيز آفاق التعاون التعليمي    الصين توقف استيراد المأكولات البحرية اليابانية    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    روسيا تعلن محاصرة قوات أوكرانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الاحتفال ‬بعيد ‬الاستقلال ‬في ‬ظل ‬الوحدة    فتيحة خورتال: السياسة المينائية من الرافعات القوية لتعزيز الموقع الاستراتيجي للمغرب    الركراكي: لدينا حالة ذهنية عالية ومجموعة جيدة لخوض كأس أمم إفريقيا    بعد الإطاحة بمالي.. باها يؤكد أن المغرب قادر على الذهاب بعيدا في المونديال    المجلس ‬الاقتصادي ‬والاجتماعي ‬والبيئي ‬يكشف:‬ 15 ‬ألفا ‬و658 ‬حالة ‬تعثر ‬سجلتها ‬المقاولات ‬الصغيرة ‬جدا ‬والصغرى ‬بالمغرب    الرئيس ترامب يعلن السعودية "حليفا رئيسيا" من خارج حلف شمال الأطلسي    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    بن سلمان يقدم رونالدو إلى ترامب    موظفو "لاراديل" سابقاً يخرجون للاحتجاج بعد إدماجهم في الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM(TTA)    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    طنجة.. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الأوغندي وديا بأربعة أهداف لصفر    العرائش... مدينة تغرق في أولى زخات المطر : "روغار" مفتوح يفضح تقاعس المسؤولين ويهدد سلامة المواطنين    القنصلية العامة في لندن تحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ميناء طنجة المتوسط : إحباط محاولة لتهريب كمية من الذهب    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    العرائش: قسم الاقتصاد و التنسيق يستعد لتنزيل القرار العاملي مطلع السنة المقبلة و مخاوف من سحب المأذونيات من المستغلين في وضعية غير قانونية    العرائش: رئيس الائتلاف المغربي للسائقين غير المالكين يؤطر لقاء تواصليا لمهنيي سيارات الأجرة    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    باها: الفوز التاريخي للفتيان هدية "عيد الاستقلال".. ونشتغل كعائلة واحدة    الدولي المغربي أشرف حكيمي يظفر بجائزة الأسد الذهبي لعام 2025    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين        حماس تنتقد تبنّي مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي بشأن غزة    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق إلى المدينة


بقلم: عبد البارئ الحساني
( أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفته في التوراة: "عبدي أحمد المختار، مولده مكة، ومهاجره بالمدينة، أو قال: طيبة، أمته الحمادون لله على كل حال )
* أكان عبثاً لأن يختار الله تعالى يثرب من بين القبائل والمدن لتكون دار هجرة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟
أكان عبثاً أن يجد الأحبار والرهبان في كتبهم صفات النبي الخاتم وصفات الرسالة وصفات الأصحاب وصفات المبعث وصفات دار الهجرة؟
بم تمتاز هذه المدينة عن غيرها من الأحياء والقبائل التي هي أقرب إلى مكة وأشدُّ صلة وربما أكثر عدداً وسلاحاً.
أم أن الأمر فاق القرب والعدد والسلاح إلى مناحيَ أخرى رأت في المدينة وأهلها وترابها أن يكون خصبا لاستقرار معاني الدِّين الحنيف فيه.
ترى في أهل المدينة أنهم ألين قلوباً وأرأف طباعاً وأنقى عقولاً وأبعد تعصُّباً وهذه عوامل تشجع على قبول الرسالة ونبيها وأصحابها.
نعم كانت المدينة تحمل مقومات دار الهجرة، لأنها كانت تحتوي على قبيلتين من أشدِّ قبائل العرب ومن أشهرهم، الأوس والخزرج، قوم مرسوا التعايش مع أجناس شتى نصارى ويهود، وتمرَّسُوا القتال وذاقوا من ويلاته وضجروا من نتن العصبية والحمية الجاهلية ورفع الرَّايات الهوجاء المنذرة بالحرب والقتال فيما بينهم.
فقد ابتدأت بحرب سمير وانتهت بموقعة الفجار الثانية أو ما يسمى بيوم بعاث، والذي كان يوماً رهيباً بئيساً لكلا الطرفين، قتل فيه من الجانبين الشيء الكثير، وقيل فيه من شعر الحماسة والهجاء والرثاء الشيء الكثير، حتى أنه ما خلا بيت في يثرب من قتيل أو جريح أوعليل على الفراش طريح.
قوم بفطرتهم العربية السليمة وامتداد أصلهم العريق يئسوا التنافر والتنابز وطمعوا فيما يلُمُّ ما تفرق، وتوحيد ما تمزَّق، ورمي إلى الزبالة كل دعوى الجاهلية وما يتبعها أو يتعلَّق بها.
بعد بعاث وضعوا السلاح وقرروا الصلح والسلام، والتعايش تحت راية واحدة، رغم عللها إلا أنه يبقى حلا مفروضاً طالما يقي من شر الصارم البتار، ومن ويل تقاتل أبناء العم والجار.
ولكن أنَّى لهذه الهدنة أن تستمر أو تطول مع مثل هذا حل، ولا سيما في مكان متأجج مثل يثرب، بنخوة أهلها وقوة سواعدهم وسرعة حميتهم وسوء من جاورهم من اليهود الذين كانوا يشعلون نار الفتنة والجولات من الحرب كلما أرادوا ذالك ببيت من الشعر، يغضب هذا ويؤجج حمية ذاك.
* مع تلك الإيجابيات لسكان يثرب كانت هناك عوائق تحتاج ليد حانية خبيرة لطيفة حكيمة تصحبها حكمة السماء، ولرابط قوي يربط بين هاته القلوب المتنافرة ويعيد تناسقها تناسق صدر البيت مع عجزه.
ولم يكن ذلك متأتيا إلا لعامل الوحي الإلهي يجسده نبي الرحمة ورسول المحبة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
( ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم
* كان يجد أهل الكتاب صفات النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم وبجانبها صفات دار هجرته باعتبار أن لكل نبي هجرة تفرضها طبيعة الدعوة ومبدأ التدافع بين الحق والباطل، وإصرار الكفر بعنته مع الإيمان بثباته.
كان أهل يثرب كثيرا ما تتراشق هذه النبوءات إلى مسامعهم على وقع التهديد والوعيد من طرف اليهود الذين كانوا يلعبون على أوتار الصراع بين الطرفين، فيهددون الخاسر إذا انتصروا، ويتوعدون المنتصر إذا انهزموا.
" ويل لكم من نبي يبعث آخر الزمان نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم".
نبي… نبي… كلمات جديدة تقرع أسماع أهل المدينة من كلا الطرفين.
في بعاث لقي صناديد الأوس والخزرج مصارعهم ليرحلوا وترحل معهم رايات العناد والاستكبار والتعصب وحب السيادة والمزايدة على أتفه الأسباب، ليظل من الجانبين من حسنت معادنهم وصفت عقولهم وارتقت أخلاقهم وترفعت سواعدهم من أن تريق دماً بغير ثمن مستحق.
قلوب عاشقة للحق تتبعه لتلتصق به بفطرتها وتخوض من أجله البحار.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدُخُولِهِمْ فِي الإِسْلامِ.
أستأنس بهذا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أسلمت الملائكة طوعاً، والأوس والخزرج طوعا وجميع العرب كرهاً".
* في مكة كان هناك الداعية يكابد سياط الجلاد ويبني الرجال العماد، في مكة كان صلى الله عليه وسلم يخرج كل حين داعياً و مبشراً ونذيراً يلتقي بالأفراد والجماعات، يقمع هنا ويسبُّ ويشتم هناك، ويطرد من هذا الحي وذاك.
أمام هذا القمع والشتم والطرد والحصار صار رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيرة ثابت صابر موجها النداء للقبائل والوفود لعلها تقبل رسالة الإسلام وتتسلم راية النصرة والإيواء.
كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في كل موسم على قبائل العرب ويقول: " ألا رجل يحملني إلى قومه فإنَّ قريشاً قد منعوني أن أبلِّغَ كلام ربي ".
ولم يكن الحال أفضل مما مضى إلى أن شاء الرحمن الرحيم وبغير ميعاد تصل نداءات الرسول إلى مسامع رجالات يثرب .
وقف هؤلاء النفرالستة يجمعون الكلمات التي وخزت مسمعهم وأنعشت ذاكرتهم لتستدعي نبوءات اليهود وكلامهم واستفتاحهم.
تناجوا وأسروا النجوى فيما بينهم وقالوا: " هذا النبي الذ كانت اليهود تتوعدكم به، فلا يسبقنكم إليه ". فاغتنموا فأجابوا وصدقوا ثم انصرفوا راجعين.
يا الله ما هذه السلامة في الفطرة؟ وأي رقي في الفكر والعقل هذا؟
عربي خرج من توه من بعاث يتسابق لكي يتبع هذا النبي دون أن يسأل أصله وفصله وآباءه وأجداده وأعمامه وأخواله ليرى بأي منهم له ارتباط به ليكون ذلك مفخرة له ومدعاة لحميته وإلا فالأمر لا يعنيه.
بعد استقرار رأيهم وإجماع أمرهم التقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وأسلموا وآمنوا وبايعوا فيما يعرف ببيعة العقبة الأولى ، وقالوا يا رسول الله إنا تركنا وراءنا قوما أكلتهم الحرب وعسى الله أن يجمعهم عليك.
لما رجعوا إلى المدينة ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم للإسلام ففشى ذلك حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ذكر.
بعد التقائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهم به وبدعوته مضوا ومضى معهم من يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم كسفير للإسلام ومبعوث من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه مصعب بن عمير، ليستقبلهم صلى الله عليه وسلم في العام المقبل وهم أكثر عددا وأكثر شوقا ومعرفة ونضجاً وقبولا بالله ورسوله ودعوته واستعداداً للنصرة والإيواء.
في طريقهم تناقشوا أمر الهجرة ومتى رسول الله وأصحابه يظلون يؤذون ويعانون من أجل دينهم وإيمانهم، أفلا يهاجر إلينا نؤويه ونحميه.
كان هذا المطلب دعت إليه عوامل المحبة والصحبة والفداء والشوق للصحبة المباشرة.
ولكن هذا المطلب له حينه وأجله ولا يتأتى إلا بإذن صريح من رب العزة جل وعلا، ولكن كان هناك تلميح وتصريح بهجرة أصحابه الكرام.
* بعد الاجتماع الثاني مع وفد يثرب تأسست العلاقة واتضحت الرؤيا وعلم الجميع ماله وما عليه، إنه إيواء ونصرة وإتباع والتزام وطاعة وفداء.
إنك يا هذا تأوي دعوة رفضتها كبرى قبائل العرب، وحاربتها سيدة قبائل العرب وهي مكة إنك تأوي من فر بدينه ورسالته من أمام صناديد العرب وقاداتهم ومن لهم الزعامة الدينية وحماية المقدسات الوهمية .
هناك في العقبة تمت البعية على الإيمان والسمع والطاعة والنصرة والإيواء، لتبدأ عملية الهجرة وتنطلق مواكب الصادقين.
** ** **
* عملية الهجرة لم تكن قفزة قفزها بالرحيل المهاجرون، ولا عملية إيواء وإطعام قام بها الأنصار.بل كانت تحمل له تبعاته ومسؤولياته.
نعود بعد أربعة عشر قرنا وسبعاً وثلاثين سنة لا لنحيي ذكرى، بل لنتذكر في حدث الهجرة.
الهجرة حدث كان له رجاله الذين ساهموا في نجاحه وقاوموا بشدة ليشيدوا أساسه وبنيانه، تركوا المال والجاه والأهل والولد والعشيرة والوطن، ليؤسسوا وطناً للإسلام الذي إليه ينتمون.
نجحت عملية الهجرة بإيمان كلا الطرفين بها وسعيهما المضني إلى المبادرة والمساهمة فيها بلا وجل ولا كلل ولا خجل، بعد أن أزاحوا عن أنفسهم كل الغشاوات والحجب المانعة، ورأوا انفسهم ذاتاً واحدة دون فوارق ولا عصبيات، بعد ان ارتضوا الله رباً والإسلام ديناً ومحمداً نبياً ورسولا.
هؤلاء آمنوا ونصروا وهاجروا، وهؤلاء آمنوا وآووا ونصروا، أولئك هم الصادقون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.