غوتيريش يدين الانتهاكات الممنهجة في مخيمات تندوف    الانتخابات الرئاسية في كوت ديفوار .. تقدم الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    كيوسك الإثنين | إصلاحات جديدة لتعزيز الشفافية وتحصين العمليات الانتخابية    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    عصبة الأبطال الافريقية (ذهاب الدور التمهيدي الثاني) .. نهضة بركان يتعادل مع مضيفه الأهلي طرابلس (1-1)    "تجمعيّو الصحة" يدعمون كفاءات الخارج    الريال يهزم برشلونة في "الكلاسيكو"    اتفاق يهدىء التوتر بين أمريكا والصين    إجهاض محاولة تهريب أقراص مخدرة    العداء المغربي المحجوب الدازا يتوج بلقب النسخة ال16 من الماراطون الدولي للدار البيضاء    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمطار محمد الخامس مبحوث عنه من السلطات الفرنسية    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    أغنى رجل في إفريقيا سيجعل مصفاته في نيجيريا "الأكبر في العالم"    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    المؤتمر الوطني ال12، في الشكل والمضمون معا    نقل مصابين بتسمم جماعي الى المستشفى الإقليمي بأيت يوسف وعلي    المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي – قراءة مؤسساتية ودستورية (2025)    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب جميع قواته من تركيا إلى شمال العراق    تقرير: طنجة تتحول إلى محور صناعي متوسطي بمشروع ضخم لإنتاج السيارات    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    بورقادي: الملك يدعم تطوير كرة القدم    أشرف حكيمي يتألق بثنائية جديدة ويحصد أعلى تنقيط في فوز باريس سان جيرمان على بريست    بعد تداول صور لأشغال قرب موقع أثري ضواحي گلميم.. المجلس الوطني يؤكد أن الموقع سليم ويدعو لحمايته    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    انهيار الثقة داخل الجيش الجزائري... أزمة عتاد وفضائح قيادات تهزّ المؤسسة العسكرية من الداخل    سفينتان نرويجيتان ترسوان بميناء آسفي لدعم أبحاث المحيطات وحماية الأنظمة الإيكولوجية    الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    بروكسيل تحتفي بالمغرب تحت شعار الحوار الثقافي والذاكرة المشتركة    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكبر السعادة: انتفاء الآلام لا متعة الأجسام
نشر في بريس تطوان يوم 29 - 06 - 2014


انتفاء الآلام،
لا متعة الأجسام
لا يا سائلي، لم يكن الفيلسوف القديم، أبيقورس Epicurus، منغمسا في الملذات الحسية، وليست الأبيقورية بالمذهب الداعي لاغتنام الملذات بحسبانها الخير الأسمى.
إن الوصف الذي وصفت به الرجل هو الوصف الشائع عنه اليوم، بل، هو الذي كان شائعا عنه منذ نحو ألفين من الأعوام. ذلك ان الكتاب الأغارقة الذين جاءوا بعده، وصفوه فوصموه، إما جهلا بتعاليمه التي علمها تلاميذه، وإما سوء فهم منهم لها، أو راق لهم التحريف فجروا فيه داعين إلى اللذائذ والإغراق فيها، باسم كان له بين الإغريق صدى واسع.
وحتى اليوم، إذا وصف رجل رجلا من الناس بأنه أبيقوري، لاسيما بلغة الغرب، ظن السامعون أن الرجل الموصوف إنسان نهم جشع أكثر ما يعنى به معدته. وتحول هذا الوصف فصار أيضا صفة للرجل الذي يتأنق في اختيار طعامه وشرابه، الرجل الذواقة، الخبير بالطعوم جميعا. وباكتساب هذه الخبرة أبعدوه عن عنصر الجشع، وهو عنصر عند الناس ذميم.
أما أبيقور فما جاز له أن يدعو إلى ملء المعدة، وهو الرجل الممعود الذي كانت تأتيه الآلام من مستودع الطعام هذا. وقد غلب على طعامه أن يكون الخبز والماء، وقد اشتهى يوما، فكتب يقول إن أشهى ساعة عنده ساعة طعام، من خبز، تضاف إليه قطعة من جبن معتقة تدخل إلى النفس السرور.
نعم تحدث أبيقور عن اللذائذ والمتع، وقال إنها، في الحياة الطيبة المباركة خير أولا، وخير آخرا. وقال إنه يعجز عن فهم الخير يأتي الناس إذا هم افتقدوا لذة اللسان، ولذة العين، ولذة الأذن، ولذة الحب. وهو ارتأى أن اللذائذ جميعا تبدأ من المعدة.
وأبيقور يقسم اللذائذ إلى نوعين، لذة فيها الحركة، ولذة فيها السكون. فالأكل لذة ذات حركة، والشعور بالشبع في هدوء من بعد طعام لذة ذات سكون. وعنده أن اللذة ذات السكون خير من اللذة ذات الحركة. واللذائذ الصامتة عنده خير من اللذائذ الصارخة، لأن الصارخة تثير الألم، أو أن الإنسان يمارسها دفعا للآلام.
وعند أبيقور أن الحياة لذة وألم. والرأي المسيطر على فلسفته ان دفع الألم خير من اجتلاب اللذة، وعنده أن انتفاء الآلام من حياة الإنسان هي السعادة في أسمى مراقيها.
والفضيلة عنده معناها الحصافة والحذر في الإنسان عندما يطلب متع الحياة. فالمعدة، وهي من مصادر اللذة الكبرى، يسيء إليها النهم، لأن النهم يجلب التخمة، والتخمة تجلب الألم. وانتفاء الألم خير من حيازة المتعة.
كذلك في الحياة متع تتصل بطلب الثراء وطلب مقاعد التشريف والوجاهة، وهي كلها متع كواذب، لأن القلق يصحبها، ويصحبها الترقب والخشية، ويصحبها الشجن، واضطراب النفس، والسعادة لا تكون إلا مع الطمأنينة والعيش الهادئ.
والفلسفة عنده طريقة، القصد منها هدي الناس ٍإلى الحياة الطيبة. والفلسفة عنده في غير حاجة إلى المنطق، ولا إلى العلوم الرياضية على ما وصف أفلاطون. الفلسفة عنده ليست إلا آراء بادهة صادرة عن عقل سليم.
وأبيقور، وفقا لهذا، دعا تلاميذه إلى العزوف عن المناصب العامة، لأنهم بتقلدها واكتساب ما تعطيه من نفوذ، يزيدون بذلك حسادهم، ويزيدون أعداءهم. وهم حتى إذا أفلتوا من إصابة الأعداء إياهم، لم يفلتوا من حياة كثيرة الجزع، كثيرة الخوف. وعنده أن الرجل الحكيم هو الذي يمضي في حياته دون أن يحس به أحد، فلا يكون له أعداء.
وأبيقور كان يرى في الحب الجنسي متعة من أكبر المتع الإنسانية، وهي من حيث النوع أشد المتع حركة، وإذن فهي مرفوضة عنده. قال: إنه ما وجد إنسانا ناله من هذا الحب خير، والرجل المبخوت هو الذي ينجو منه، فلا يصيبه الضرر. ومع هذا كان فيلسوفنا هذا يحب الأطفال. الأطفال الذين ينجبهم غيره من الرجال.
أبيقور كان مواطنا إغريقيا أثينيا، ولد عام 342 ق.م، ومات عام 270 ق.م. وهو لم ينشأ أول ما نشأ في أثينا. وإنما في ساموس، وهي جزيرة إغريقية قريبة من شاطئ آسيا الصغرى. ومن ساموس ذهب إلى أثينا، وسنه 18 عاما، في نحو العام الذي مات فيه الاسكندر الأكبر، أي نحو عام 323 ق.م. وهناك درس ، ولكنه لم يلبث أن عاد إلى آسيا الصغرى. وفي عام 306 ق.م كان قد استقر في أثينا. وكان له منزل فيها، وكانت حديقة. وفي هذه الحديقة درس والتقى بمريديه إلى أن وافته منيته.
إن الخاطرة بأن الحياة تتألف من لذائذ وآلام ليست بالخاطرة الجديدة، فالناس من قبل أبيقور، ومن بعد أبيقور، لا شك تعلموا، ولو بالخبرة، أن الحياة ألم ولذة. ولعل الجديد فيما جاء به أبيقور هو أن المتعة، أسمى المتعة، هي خلو الإنسان من الآلام. ولعلها هي الأخرى خاطرة مرت بألف رأس من رؤوس الناس وألف، قبل أبيقور، ومن بعده، ولكنها ظلت عارية حتى كساها أبيقور لفظا، فتجسدت، كما وجب أن تتجسد الأشباح لتصبح حقائق تدركها أحاسيس الناس.
وإذا نحن زدنا على ذلك، ان المتعة إيجاب، وان انتفاء الألم سلب، وان الإنسان هنا يفضل السلب على الإيجاب، كان ذلك زيادة في إفصاح، وزادت حكمة أبيقور كمالا واكتمالا.
خاطرة بسيطة عاشت في بطون الكتب التي تتحدث عن الفلسفة والفلاسفة. القرون الطويلة.
*-./.*-./.*-./.*-
والله الموفق
29 يونيو 2014م الموافق لفاتح رمضان المبارك 1435 ه
محمد الشودري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.