لا يجادل اثنان في الأهمية الكبيرة التي أصبح يكتسيها مفهوم التواصل في الحياة اليومية بالنظر للتطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي تعرفه البشرية منذ العقود الماضية حتى أصبح العالم اليوم "قرية صغيرة" مندمجة وموحدة في فضاء مشترك مفتوح. وعندما يتعلق الأمر بالتواصل في بعده المؤسساتي، فإن الأمر يزداد أهمية بالنظر لما تلعبه المؤسسات العمومية من أدوار في تدبير قضايا المواطنين والمواطنات محليا وجهويا وعلى جميع الأصعدة. وعملا بهذه الأهمية، وبالنظر للأدوار الجديدة التي أًصبحت تلعبها الجماعات الترابية، باعتبارها مؤسسات دستورية مهمتها تدبير قضايا الشأن العام المحلي وفق منطوق الوثيقة الدستورية ليوليوز 2011 والقوانين التنظيمية المتعلقة بها، فإن جميع الوحدات الترابية محليا، إقليميا وجهويا أصبحت ملزمة، أكثر من أي وقت مضى، بإيلاء الأهمية القصوى للتواصل بالنظر لسببين اثنين: أولا: الجماعات الترابية كمؤسسات للقرب مع المواطنين والمواطنات؛ حيث تشكل هذه الوحدات الترابية فضاء مواطناتيا يتطلب التجاوب مع انتظارات ورهانات الساكنة، وبالنظر لحجم الاختصاصات الموكولة لهذه الجماعات، يتضح مدى الأدوار المنوطة بها في تدبير قضايا الساكنة وخاصة ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإنعاش الاقتصاد المحلي وتدبير مرافق القرب الخدماتية الخاصة بالنظافة وشبكات الماء والكهرباء وتنظيم المجال الترابي وفق قرارات محلية يتم تنزيلها في كثير من الأحيان وفق منطق الشراكة والتعاقد مع باقي الفاعلين التنمويين على المستوى الترابي. وفي ذات السياق، أعطى المشرع مبادئ جديدة تكرس مفهوم "التدبير الحر" في التنمية المحلية وتكريس إعمال المخططات والبرامج التنموية المتعددة الأهداف والمرسومة وفق مسار تشاركي مع باقي الفاعلين انطلاقا من أساس الديمقراطية التشاركية كمبدأ دستوري. ثانيا: الديمقراطية التشاركية كآلية للتدبير الترابي يكتسي التواصل بالجماعات الترابية أهميته القصوى أيضا بالنظر للكثير من المقومات التي ينبني عليها الفعل التنموي على المستوى الترابي وخاصة ما يرتبط بتنزيل مبادئ الشفافية والحكامة في تنفيذ الميزانية وإطلاع الرأي العام المحلي على كل التفاصيل المرتبطة بتدبير شؤونهم وكيفية صرف المال العام وإشراك مختلف الفاعلين المحليين في تنزيل الميزانية التشاركية؛ وهي مبادئ لن يتأتي إعمالها دون بلورة آلية للتواصل داخل الجماعات تربط المؤسسة الترابية بمحيطها المحلي والوطني. وحيث كان الفعل التشاركي أساس لأي نجاح تنموي على الصعيد الترابي، فإن إعمال التواصل كمحدد للديمقراطية التشاركية سيساهم لا محالة في تعزيز ثقة المواطن في المؤسسة المحلية وسيتيح إمكانية تنزيل التنمية في بعدها الشمولي التي تنطلق من المواطن وتعود إليه محققة تأثيرا إيجابيا على حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي ذات السياق، فإن تخصيص الحديث في هذا المقام عن أهمية التواصل المؤسساتي بالجماعات الترابية بعمالة المضيقالفنيدق ينطلق من اعتبارات عديدة يمكن إجمالها في: الاعتبار الأول: يبرز في الدينامية التنموية التي تعرفها عمالة المضيقالفنيدق منذ العقدين الماضيين عبر المشاريع المهيكلة والبرامج التنموية المندمجة التي شهدتها المنطقة؛ ولعل المشروع الملكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي حضيت عمالة المضيقالفنيدق بشرف وضع حجرها الأساس سنة 2005 يشكل أهم مظهر لهذه الدينامية التي انعكست نتائجها على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة. وعلى غرار باقي الجماعات الترابية على صعيد المملكة، وانطلاقا من الأدوار الموكولة للجماعات الترابية، تم إقرار برامج تنموية طموحة على صعيد الجماعات التابعة لعمالة المضيقالفنيدق تروم الدفع بعجلة التنمية المندمجة، تم خلالها إشراك مختلف الفاعلين في إعداد التصور التنموي المنشود في الفترة الانتدابية للمجالس الترابية. ولعل إقرار كل هذه البرامج والمشاريع التنموية يقتضي توفر الجماعات الترابية على آلية للتواصل المؤسساتي هدفها ترويج هذه البرامج وتسويقها ومد الرأي العام بمراحل تنزيلها على أرض الواقع والمساهمين فيها وحجم الأموال المرصودة لها، وذلك إعمالا لمنطق الشفافية والحكامة في التدبير من جهة، وتكريس حق المواطنات والمواطنين في المعلومة ووضعهم في صورة ما يجري داخل دواليب مؤسساتهم المنتخبة من جهة أخرى. الاعتبار الثاني: يبرز في الموقع الاستراتيجي للمضيق الفنيدق كعمالة فتية تعتبر أقرب نقطة ترابية للقارة الأوربية، وهو الموقع الذي يفترض تعزيز الانفتاح وتوسيع مجال التعاون اللامركزي مع الجماعات المحلية لدول الضفة الأخرى للمتوسط. وإذا كان معيار الشراكة والبحث عن التمويل الخارجي رهان أساسي للجماعات الترابية، فإن الأمر يقتضي خلق آلية مؤسساتية داخل الجماعات هدفها الأساس التسويق الترابي للمنطقة وجعلها فضاء لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وخلق مجالات للتعاون والشراكة والتوأمة مع الجماعات المحلية بالدول الشقيقة، وهو ما من شأنه أن يعزز، في ذات الإطار، من إشعاع المملكة المغربية بشكل عام كدولة منفتحة، متواصلة ومندمجة مع محيطها الدولي. الاعتبار الثالث: يتجلى في صدور القانون المنظم للحق في الحصول على المعلومة؛ إذ يشكل هذا القانون إحدى تجليات التنصيص الدستوري للحق في الحصول على المعلومات وفق منطوق الفصل 27 من الدستور، ومن شأن الشروع في تنزيل بنود هذا القانون أن يساهم في تطوير عمل الجماعات الترابية ويعزز علاقتها مع المحيط المحلي ويجعل أدوارها واختصاصاتها من صميم اهتمامات المواطنات والمواطنين ويكرس بالتالي مبادئ الشفافية والحكامة في تدبير الشأن الترابي محليا وجهويا. الاعتبار الرابع: تضم عمالة المضيقالفنيدق وحدات جامعية ومعاهد تكوينية عديدة تسمح بتوسيع مجال البحث العلمي في مواضيع مختلفة وخاصة في تاريخ المنطقة ومجالاتها الاجتماعية ودينامياتها المجالية على جميع الأًصعدة؛ وبهدف المساهمة في فسح المجال أمام الباحثين والمهتمين، فالجماعات الترابية ملزمة بتسهيل مأموريتهم من خلال تزويدهم بالمعطيات والبيانات وفحوى الأرشيف المتوفر حول المنطقة، وهي المهام المنوطة بأقسام الإعلام والتواصل داخل هذه الجماعات. الاعتبار الخامس: أهمية الانفتاح على مختلف وسائل الإعلام المحلية والوطنية والدولية وتمكين الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام من المعلومة المتعلقة بقضايا الشأن العام الترابي وهو ما من شأنه أن يطور العلاقة بين المؤسسات الترابية والإعلام ويكرس مبادئ الشفافية من جهة، ويساعد على كسب الثقة بين المؤسسة المنتخبة والمواطن. وحتى يتأتي تحقيق الاعتبارات السالفة الذكر فإن الأمر يقتضي: أولا: خلق مكاتب خاصة بالتواصل والإعلام داخل الجماعات الترابية وبالإدارة الترابية للعمالة، تناط لها المهام السالفة الذكر، من خلالها يتم تثبيت وسيط المواقع الإلكترونية الرسمية للمؤسسة، يتضمن مختلف الخدمات المنشودة من طرف المرتفقين ويقدم المعطيات والبيانات الخاصة بالميزانية المحلية ونشر القوائم المحاسباتية لها للرأي العام، إضافة إلى تقديم دليل المساطر الخاص بالخدمات التي تقدمها الإدارة، علاوة على إضفاء الطابع اللامادي على الإدارة الترابية من خلال خلق منصات تفاعلية للحصول على الرخص والوثائق الإدارية وإدماج تكنولوجيا المعلومات والتطبيقات الإلكترونية ورقمنة الخدمات الإدارية. ثانيا: تثبيت آلية مؤسساتية للحصول على المعلومات من طرف المواطنين وتعيين مخاطب رسمي لذلك وفق ما تحدده الدوريات والمراسيم القانونية الرسمية المنظمة لهذا المجال. ثالثا: التفاعل مع دينامية المجتمع المدني والشباب المؤثر عبر وسائط التواصل الاجتماعي من خلال التجاوب مع انتظاراتهم ومعالجة قضاياهم، وهو ما من شأنه تعزيز ثقة المواطن في الإدارة الترابية. وذلك يتأتى من خلال خلق منصات على مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل والتجاوب والاستماع وتعزيز الحوار خدمة لقضايا التنمية المحلية.