تأسست مدينة تطوان في فترة حرب مستمرة بين المسلمين والمسيحيين، ليس بينهم فقط بل في داخل الدول المسيحية والإسلامية نفسها حيث انتشرت الصراعات الداخلية بين الأسر الحاكمة أو بين المدن والبلدان والمملكات المتنافسة، هذه الصراعات التي أسدلت ظلمتها على ما يعرف بالعالم الحديث، كانت فترة عصيبة، فإذا كانت السفن البرتغالية لم تتوقف طيلة القرن الخامس عشر من مهاجمة الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق حيث استولت على موانيء كسبتة وأصيلة، فإنه بعد سقوط الأندلس تنامت هجمات البرتغاليين والإسبان على الثغور الساحلية بشمال إفريقيا، وقد كانت تطوان بفضل عزيمة الغرناطيين الذين أعادوا تأسيسها إحدى المناطق الساحلية القليلة التي لم تسقط في شباك الهيمنة الإيبيرية، هذا الوضع يفسر جزئيا جذور نظامها الدفاعي كما يوضح سبب تشييد سجونها الفريدة تحت أرض المدينة العتيقة والتي توجد اليوم مغلقة وشبه منسية. تحصينات تطوان إذا كانت كل المدن العتيقة بالدول الإسلامية تحاط عبر التاريخ بسور محصن (أو قصبة) ذي بوابات متعددة فإن تطوان جهزت وسائلها الدفاعية كما هو الحال في المدن الأندلسية بأسوار تستلهم النماذج البيزنطية أو تلك الفارسية. فمنذ زمن بعيد وعظمة أسوار تطوان وقصبتها تخلب لب الزوار. ولكن نمو المدينة خلال القرن العشرين ساهم في اندثار جزء من النظام الدفاعي القديم. السياج المسور والأبواب السبعة التي تحيط حاليا بالمدينة العتيقة بتطوان هي نتيجة للتغييرات التي عرفتها هذه المدينة والتي شهدت توسعا متلاحقا عبر تاريخها خاصة في الفترة الممتدة بين أواخر القرن الخامس عشر والقرن الثامن عشر. إعادة بناء المدينة من طرف سيدي المنظري، القائد العسكري لحصن دي بينيار النصري ورجاله يتجلى اليوم في عناصر البناء الأندلسية المحفوظة في أثار التحصينات الأصلية، والتي لا زالت تقاوم الزمن منها أجزاء من الأسوار الخارجية وثلاث حصون على مسار سوق الحوت والغرسة الكبيرة. من الأبواب الأصلية الثلاثة لم تصمد سوى باب المقابر رغم التغييرات التي طرأت عليها، ويمكن مقارنة أسوار تطوان بتحصينات المدجنين الإسبان فيما يتعلق بنوعية المواد المستعملة وبتعدد أضلاع الحصون ذات التيجان المسئنة. أول سياج مسور محيط بالمدينة هو ذلك الذي تم تشييده في الحي المعروف حاليا بحي البلاد، وهي تسمية عامة تحيل إلى أول تجمع سكني. فيما يتعلق بمرحلة إعادة بناء هذه المدينة والذي تم في المرحلة الممتدة بين القرن الخامس عشر وبدايات السادس عشر فإنه من الصعب متابعتها بدقة وذلك لقلة المصادر المكتوبة وصعوبة الحصول على الوثائق الخاصة وكذا بسبب الأبعاد الأسطورية التي اتخذتها الروايات الشفهية. توسيع السياج المسور الأول وازدياد أهمية المدينة تزامن مع وصول المهاجرين الموريسكيين في بداية القرن السابع عشر بعد قانون الطرد الذي أصدره فيليبي الثالث سنة 1609. سكان تطوان الجدد لم ينزحوا فقط من الأندلس ولكن من كل المناطق الإسبانية وخاصة من قشتالة وأراغون. وصولهم لم يكن مصدر ترحاب من طرف سكان تطوان الذين كانوا يعيبون عليهم الحديث باللغة الإسبانية والعيش الدائم في أحضان ذكرى حياتهم المسيحية واتباع تعاليم الإسلام بسطحية. بالإضافة إلى ذلك فإن تطوان كانت منغمسة في مناخ مضطرب من الحروب الأهلية التي انتهت بوصول أسرة النقسيس للحكم عاكسة غياب سلطة مركزية قوية بالمغرب. في هذا السياق تمثل أسرة النقسيس نموذجا للحكومة المستقلة في المدينة الدولة. على الرغم من كل هذه الصعوبات فإن تطوان تجسد في هذه المرحلة التاريخية حلقة الوصل بأوروبا عبر تشجيع التجارة وازدهارها مع باقي دول الحوض المتوسط. في هذا الإطار يمكن اعتبار النازحين الجدد عنصرا من عناصر انفتاح المدينة الذين جلبوا معهم تاريخا طويلا من التواصل مع شعوب ذات ثقافات ولغات وديانات مختلفة مما عزز النشاط التجاري للمدينة. عشرة آلاف من الموريسكيين سيستقرون بتطوان التي سيصل عدد سكانها في أواسط القرن إلى 25 ألف نسمة. ارتفاع عدد السكان تجسد في توسّع المدينة ومعها محيط التحصينات شرق وغرب التجمع السكني الأصلي. فشرقا تشكل حي العيون الذي عرف إلى ذلك الحين بحي الأندلسيين وكذا حي الطرانكات الذي يعود بنا اسمه وطريقة بنائه المتعامدة إلى إمكانية استقرار الموريسكيين القشتاليين به. إدخال مفهوم المدينة الجديد هذا يؤكد التباين مع طريقة تنظيم فضاء حي البلاد، بينما تشكلت شرقا نواة سكانية تحت اسم الربض الأسفل نتيجة الموقع التوبوغرافي أسفل المنطقة الصالحة للنمو الحضري، هذا التوسع يشمل اليوم مجموعة من الأحياء المتجاورة يموني، باب سعيدة، زوكية وروض حجاج. النمو الاقتصادي والصناعي الذي عرفته المدينة خلال القرن السابع عشر ساهم في تركيب مجموعة من الأحياء التي يسكنها الصناع التقليديون خاصة، ويصف المسافرون الذين زاروا تطوان في أواخر القرن عن مدينة جيدة البناء، مفتوحة وتخلو من الأسوار غير تلك التي أحاطت بالتجمع السكاني الأول على اعتبار أنه لحدود القرن الثامن عشر لن يتم التصدي لوقاية المجال الحضري الموجود بمجموعة الأبواب والأسوار التي احتفظ بها ليومنا هذا والتي أضيفت لها بعض الحصون خلال القرن التاسع عشر. بناء نظام التحصينات خلال القرن الثامن عشر تم عبر مراحل مختلفة، ويتفق المؤرخون المحليون على كون الحاج عمر لوقاش هو من بنى أغلب المنشأت المدنية في تطوان خلال هذه الحقبة. لاحقا، وفي مرحلة موالية انطلقت مع أواسط القرن تحت حكومة محمد بن عمر لوقاش، ثم إكمال سياج الأسوار شمال المدينة العتيقة بعد إدماج حي الطلعة، الأجزاء السفلي لهذه الأسوار بنيت باستعمال الأحجار بينما استخدمت في أجزائه العليا، وبشكل عام، قطع الأجر، تتوج قصبة الذياب سياج الأسوار المحيط بتطوان حيث يهيمن على المدينة من فوق حافة تل على جبال الأضلاع غير متناسق والذي أصبح اليوم جزءا شرقيا لبناء عسكري كبير: ثكنة النظاميين الذي تم تشييده في القرن العشرين من طرف سلطات الحماية الإسبانية وهو عبارة عن شريط طويل ذي شكل مستطيل ممتد على طول الجزء المرتفع من حي العيون. وتجسد القصبة خارج السياج، في اتجاه الشمال، حصنين كانا يحرسان السفح المطل على مقبرة المسلمين. الحصن الغربي والمختفي وراء الثكنة هو ثماني الأضلاع بينما ذلك الشرقي فيتشكل من سبعة أضلاع حيث لازال كاملاً أمام مقابر المجاهدين الذين أعادوا تأسيس تطوان. هذا الحصن هو الجزء الأكثر تجسيدا للمدينة القديمة: قاعدته تمتد في منحدر، أقواسه مفصصة عمياء فوق أطناف، تنفتح بها نوافذ صغيرة كانت تشرف منها المدافع في أزمنة غابرة. كما توجد عبارات إجلال مكتوبة بمنتصف البرج. الإهمال الكامل الذي تعاني منه القصبة حاليا والتي تشاطرها فيه وللأسف ثكنة النظاميين ومقبرة المجاهدين، تجعل من الجهة الشمالية للمدينة العتيقة إحدى المناطق الأكثر تدهوراً بتطوان. البناء الكامل يتوفر على سبع أبواب لمراقبة نقط العبور للمدينة كانت تغلق ليلا وتفتح مع مطلع الفجر. وقد حافظت هذه الأبواب على أهميتها العسكرية إلى بدايات القرن العشرين. الأسوار والأبواب رسمت كذلك وإلى غاية ذلك التاريخ حدود المجال الحضري للمدينة العتيقة. وتبدي لنا بعض الوثائق المصورة من القرن التاسع عشر أجزاء لم يتم تعميرها ووجود العديد من الضيعات، والمزارع والحدائق داخل الأسوار. ويعتبر بناء الملاح الجديد بأسلوبه المتشابك أهم عملية معمارية. أما توسع المدينة خارج الأسوار فقد تم خلال مرحلة الحماية الإسبانية عبر بناء "الإنسانشي" شرق المدينة العتيقة. هذه العملية المعمارية سببت في هدم الجزء الغربي للأسوار الواقعة بين باب التوت وباب الرموز مع إعادة بناء باب التوت شمال موقعها الأصلي. وأصبح الفدان الذي كان أهم حديقة بالمدينةةالعتيقة إلى حلقة وصل بين هذه الأخيرة و"الإنسانشي" ليكون بالتالي نقطة العبور نحو مبنى المفتشية الإسبانية العليا الواقعة فيه. إن إحدى الأبعاد التعبيرية التي تميز الثقافة الإسلامية والتي تتجسد في إضفاء معالم الجمال والزخرف بداخل الأشياء مقارنة مع بساطتها الخارجية هي التي تطبع مجموعةوالتحصينات المحيطة بتطوان التي تبدي اعتدالا في لغة التعبير الهندسية. بعض الأبراج مثل ذلك الواقع بجنب المقبرة الإسلامية تزخرفها آيات قرآنية بينما تزدان باب العقلة وباب التوت بسقايات عمومية مزخرفة بآيات من القرآن الكريم وبفسيفساء زليجية. الكتاب: المدينة العتيقة في تطوان "دليل معماري" (بريس تطوان) يتبع..