موقف الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وإسبانيا ومعها كل الدول العربية باستثناء ثلاث إلى أربع دول، منها من لا موقف له أصلا، وأغلب الدول الإفريقية والغالبية العظمى من دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا، هو التأييد الصريح والواضح، وعلى أعلى مستوى في الدولة ومؤسساتها، لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهناك دول عديدة تجاوزت الاعتراف بمغربية الصحراء إلى توسيع أنشطتها القنصلية والاستثمارية وشراكاتها في الصحراء المغربية، في ما يشبه مسيرة دولية متواصلة ومفتوحة نحو الصحراء، قرأنا وسمعنا ورأينا كل ذلك مكررا ومؤكدا ومعادا تأكيده في كل مناسبة، في بلاغات وتصريحات رسمية مسؤولة إلى حد التخمة، ولو أعطيت الكلمة للمغرب لتفسير هذا الزخم في مسيرات الاعتراف والتأييد لموقفه الوحدوي من منابر الأممالمتحدة والمحافل الدولية ووسائل الإعلام العالمية المواكبة، فلن يزيد على ما قيل، أو يبلغ مبلغ ما تعيد الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا تكراره من تكريسها المتواصل لاعترافها الصريح والواضح والحاسم بمغربية الصحراء، في كل مواقفها، إلى درجة تسجيله في السجل الفيديرالي الأمريكي وإلى الأبد، وتبليغه كتابة وتوثيقا للمنتظم الأممي، وإسماعه عبر مؤسساتها المنتخبة وديبلوماسييها ووزراء خارجيتها ومستشاري رئيسها ومبعوثيها إلى الجزائر، الطرف المعادي للوحدة الترابية للمغرب. ومع ذلك تصر العصابة الحاكمة في الجزائر على الترويج الإعلامي الداخلي بين شعبها، أن الموقف الأمريكي لم يمنح المغرب شيكا على بياض ولا تزكية لسيادته على الصحراء، وأن المطلب الأمريكي لتنزيل الحل السياسي التفاوضي لإنهاء النزاع حول الصحراء، لا يعني الاعتراف للمغرب كلية بسيادته على الصحراء، وإنما هو مقدمة لبحث كل الخيارات الممكنة لإنهاء هذا النزاع وتقرير مصير الإقليم الصحراوي. وتحتفل الجزائر بين الفينة والأخرى، وبشكل هستيري، ببعض العبارات الديبلوماسية والتلطيفية للأجواء الحافظة لماء وجه العصابة الحاكمة في الجزائر، الواردة في تصريحات عفوية لمسؤولين أمريكيين، لتجعلها حجة على أنه لا حل بدون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الانفصالي الجزائري المحفوظ. متغافلة عن أن المواقف الرسمية الأمريكية هي المعبر عنها بالواضح والصريح في المراسلات والوثائق الرسمية المعتمدة والمسجلة، وحيث الكلمة والعبارة عن الموقف موزونتان بدقة وبرأس الإبرة، وليس في حوارات إعلامية عابرة تستعمل فيها كلمة مكان أخرى أو تنسى كلمة مما تتصيده العصابة الحاكمة في الجزائر وأبواقها الإعلامية، وتشتغل عليه لشهور وسنوات بضروب من التأويل والتحريف والتوجيه الاحتفالي بتراجع الإدارة الأمريكية أو صرفها النظر عن اعترافها، أو تصريحها للجزائر بغير ما تصرح به للمغرب، وغير ذلك من الانشغالات الجزائرية التضليلية بدل الانخراط في العملية السياسية التفاوضية الواضحة المرجعيات، وفي إطار دعم المقترح الوحيد المطروح للنقاش والتوافق حوله، وهو الحكم الذاتي المرهون والمربوط لزوما وقطعا بالسيادة المغربية كاملة وغير منقوصة أو متفاوض عليها، والقاصدة إلى مخرجات ليس من بينها على الإطلاق التمكين لكيان وهمي دخيل للتقرير في مصير الصحراء وحيازتها وفصلها عن ترابها الوطني المغربي. ما تقوم به العصابة الحاكمة في الجزائر وصنيعتها الانفصالية من محاولات يائسة للالتفاف الخبيث والتضليلي على المواقف الدولية الصريحة والواضحة من مغربية الصحراء، يتكرر ويتجدد مع هذه الدولة أو تلك، فلا فرنسا عندها اعترفت بمغربية الصحراء وسيادة المغرب عليها، ولا إسبانيا اعترفت رغم خروج ديبلوماسية البلدين إلى حد التكرار الممل وبالصوت والصورة والوثيقة والتوقيع الدامغ، ناهيك عن تسيير قوافل فعلية من الوزراء والساسة ورجال المال والأعمال والمستثمرين والقناصلة إلى الصحراء لإثبات الإنهاء الفعلي والعملي للتردد، والقطع مع الغموض ومغادرة منطقة الراحة والرماد، بشأن دعم مغربية الصحراء. ورغم أن العبارة الفرنسية الرسمية الحاسمة والقطعية المدروسة بعناية، والتي أنهت عقودا من التردد والغموض الفرنسيين، والمعترفة بكل الوضوح والحسم اللازمين بأن: "حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكن أن يكونا إلا في إطار السيادة المغربية" قد تكررت بشكل طوفاني في تصريحات رئيس الدولة الفرنسية، ووزراء فرنسا، ومجالسها المنتخبة ومؤسساتها الرسمية والإعلامية، فإن العصابة الحاكمة في الجزائر من شدة تصديقها لأمانيها في تراجع فرنسا عن هذا الاعتراف، واعتقادها نجاحها في ابتزازاتها لفرنسا واستفزازاتها لسياستها الخارجية، تخرج بين الفينة والأخرى بصيد ثمين من كلمات فرنسية عابرة ومرتجلة وعفوية، وربما مجاملة للطرف الجزائري في بعض الأحيان بغرض تليين مواقف العصابة أو الحفاظ لها على ما تبقى عندها من كرامة وشرف أمام شعبها وأمام العالم، في معركة خسرتها خسرانا مبينا ومدويا. كذلك صنيع العصابة مع إسبانيا ومع كل الدول المعترفة بالحق المغربي الأبلج، بل ومع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، التي تصاغ بلغة ديبلوماسية متوازنة تهدف إلى ضمان انخراط جميع الفرقاء في مسلسل التهدئة وتوفير إطار سليم ومتوافق عليه لمباشرة مفاوضات الحل السياسي ونزع فتيل التوترات، تقرأها العصابة على أنها مناورة من المنتظم الأممي للبحث عن مدخل آخر ممكن لاستفتاء تقرير المصير الذي لا بديل عنه في عرف العصابة المنحبسة عند نهايات القرن الماضي. وفي هذا السياق التضليلي المتواصل روجت العصابة وأزلامها من الميليشيات الانفصالية على الجزائريين وعلى ساكنة المخيمات، تهييئا لهم لقبول القادم من التنازلات والانبطاحات والانكسارات وتأويلها على أنها انتصارات، ولامتصاص صدمة توجه المجتمع الدولي بدوله الوازنة وهيئاته الأممية نحو تنزيل الحكم الذاتي كإطار وحيد وحصري لحل النزاع حول الصحراء ضمن السيادة المغربية، على أن ثمة ظاهرا في هذا التوجه يقضي بقبول مقترح الحكم الذاتي مبدئيا بسيادة مرحلية للمغرب، كإطار للتهدئة والتعاون والتشاور والحوار، وباطنا يستشرف هذا الحكم الذاتي بحث الحل النهائي الذي سيفضي في ختام المسار إلى تحديد الوضع النهائي للإقليم بعد خمس سنوات انتقالية، كما أشارت عناصر مدفوعة من ميليشيا البوليزاريو الانفصالية لتقريب حلم الانفصال والانتصار من المغرر بهم في مخيمات الاحتجاز، ولتغطية هزيمة نظام العصابة في الجزائر أمام شعبها. بهذه الطريقة المفذلكة والبهلوانية التي لم يتصورها حاكم ولا عاقل ولا رجل سياسة ولا مبادر ولا داعم لمقترح الحكم الذاتي ولا ساع إلى تنزيله، تريد العصابة وأزلامها ودُماها المتحركة في رمال تندوف، أن تفرغ الزخم الدولي في اتجاه حل سياسي نهائي وحاسم ودائم وشامل يشكل الحكم الذاتي مرجعيته وأساسه ومنتهاه، وتشكل السيادة المغربية إطاره الدائم والخالد، من مضامينه الإيجابية في اتجاه إنهاء النزاع، لا استدامته بالتفافات جديدة عليه، كما تم الالتفاف على خيارات الحل السابقة التي تحولت بفعل المناورات والمساومات والعراقيل إلى أوراق محروقة وميتة ومنتهية الصلاحية. العالم يبحث بكل مسؤولية عن حل عادل وشامل ونهائي ودائم وذي مصداقية وواقعية وجدية، لم يجده إلا في مقترح الحكم الذاتي المغربي المتمتع بكل هذه الصفات والمواصفات والموافقات، والعصابة تنخرط فيه مرغمة مهزومة مذمومة مدحورة، لكن بتجديد خبثها ورغابتها الدفينة في الانقلاب على السلام وعلى الإرادة الدولية، ولو بعد حين. فعلى المستغفلين من أبناء الشعب الجزائري، وكذا المغرر بهم في مخيمات الذل والعار، أن يعلموا أن ما لم ينله نظامهم الكاذب الغادر والخائن وأزلامه وخدامه من الميلشيات الانفصالية، بالحرب والإرهاب والعدوان الغاشم على المغرب طيلة نصف قرن من التحريض والتجييش وبلاغات دك معاقل العدو المغربي، لن ينالوه في ما اعتقدوه من خمس سنوات مرحلية انتقالية كما يزعمون نحو تقرير المصير…فالمصير قد تقرر وانتهى، ولا يفاوض المغرب كما يعلم العالم بأسره على سيادته ولا على مصير الصحراء المتقرر واقعا وحقيقة ضمن السيادة المغربية، وإنما يفاوض على حل سلمي للنزاع المختلق والمفتعل يحفظ ماء وجه المتورطين، ويفتح الباب أمام التائبين المنتهين عن غيهم، ويجفف آخر قطرات المياه الآسنة التي لوثت المنطقة، حتى تنعم دولها وأجيالها الجديدة بالاستقرار اللازم لتعاونها على الخير وتنمية ثرواتها وحفظ مصالحها في مناخ جيوسياسي منفرج وواعد بمستقبل آمن من آفات الإرهاب وعواقب الانفصال، ولعبة استثمارهما في أجندات الهيمنة الإقليمية لجنرالات الحرب وتجار الأزمات والنزاعات الدائمة التي تدر الملايير على حفنة من المتربحين والسماسرة في الجزائر وفي تندوف. فهل يقبل الذين اعتادوا لعقود أن يقتاتوا على هذه الأزمات والنزاعات وأن يشربوا من الدماء المغدورة والبرك الراكدة والآسنة، أن يغتنموا فرصة التوافق الدولي على إطار الحل السياسي التفاوضي للنزاع المفتعل، لالتماس مخرج مشرف لهم من ورطتهم في رمال الصحراء؟ سيفعلون لو كانوا قوما يتطهرون.