في خطوة تعد من أبرز ملامح التطور الطبي في المغرب، دخلت الجراحة الروبوتية مرحلة التطبيق العملي في علاج أحد أكثر السرطانات شيوعا بين الرجال: سرطان البروستاتا تقنية متقدمة تجمع بين الدقة الجراحية والتوجيه الذكي للروبوت، ما يجعلها خيارا علاجيا آمنا وفعالا. للوقوف على تفاصيل هذه الطفرة الطبية، حاورنا الدكتور يونس أحلال، خبير الجراحة الروبوتية وأحد أوائل الأطباء الذين تبنوا هذا المسار العلاجي في المغرب. بداية، ما هي التقنية الجديدة التي بدأ اعتمادها في المغرب لعلاج سرطان البروستاتا؟ وماذا يميزها عن الوسائل التقليدية؟ نتحدث اليوم عن الجراحة الروبوتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهي من أكثر التقنيات تطورا في علاج سرطان البروستاتا، خاصة في مراحله المبكرة والمتوسطة. الميزة الأساسية لهذه الجراحة هي الدقة الاستثنائية التي تتيح للجراح استئصال الورم بدقة ميليمترية، مع المحافظة على الأعصاب المسؤولة عن التحكم في البول والانتصاب. هذا ما لم يكن ممكنا دائما في الجراحات التقليدية المفتوحة. كما أن التدخل الروبوتي يتم عبر شقوق صغيرة، مما يقلل من النزيف، ويخفض من نسبة الألم، ويقصر بشكل ملحوظ فترة التعافي. كل هذه العناصر تجعل من هذه التقنية ثورة حقيقية في الطب الجراحي الحديث. وماذا عن المقارنة مع العلاج الإشعاعي؟ العلاج الإشعاعي يظل خيارا مطروحا في بعض الحالات، ولكن الجراحة الروبوتية تتيح استئصالا مباشرا وكاملا للورم من الجذر، دون الحاجة إلى جلسات متكررة أو تعرض مستمر للإشعاع، وهو أمر مرهق نفسيا وبدنيا للمريض. ومن المهم التأكيد على أن الجراحة الروبوتية تجنب المريض كذلك الآثار الجانبية المزمنة المحتملة للإشعاع، مثل التليف أو الالتهابات في المثانة والمستقيم. هل هذه التقنية معترف بها دوليا؟ وهل أثبتت نجاعتها؟ نعم، الجراحة الروبوتية معتمدة ومستخدمة منذ أكثر من عقدين في مؤسسات طبية رائدة في أوروبا وأمريكا وآسيا. وقد أظهرت عشرات الدراسات السريرية تفوقها الواضح من حيث نسب الشفاء، وتقليل معدلات المضاعفات، وتحسين جودة الحياة بعد العلاج. الذكاء الاصطناعي أصبح الآن جزءا من القرارات الجراحية، فهو يساعد الجراح على تحديد حدود الورم بدقة، وتفادي أي نسيج حيوي سليم قد يتسبب استئصاله في مضاعفات. هل المغرب مستعد فعلا لاستقبال هذه التقنية؟ وماذا عن تكوين الكفاءات؟ الحمد لله، المغرب لم يكتفِ باقتناء هذه التكنولوجيا، بل عمل على تكوين طواقم طبية مغربية بمستوى عال جدا. شمل هذا التكوين جراحين، ممرضين، وأخصائيين في صيانة الأنظمة الروبوتية. جزء كبير من التدريب تم داخل المغرب عبر محاكاة واقعية، وجزء آخر تم في مراكز متخصصة بالخارج بشراكة مع فرق طبية دولية، ما أتاح نقل المعرفة والتجربة بشكل فعال. نحن اليوم أمام نواة صلبة من الأطر المؤهلة لقيادة هذه المرحلة التكنولوجية الجديدة بثقة واقتدار. هل تستخدم الجراحة الروبوتية في جميع مراحل سرطان البروستاتا؟
لا، التقنية موجهة أساسا للحالات التي يكون فيها الورم محصورا داخل البروستاتا، أي في المراحل الأولى والمتوسطة. أما في المراحل المتقدمة، حين ينتشر الورم خارج الغدة، فنتحدث عن خطط علاجية متعددة التخصصات، تشمل الجراحة، العلاج الإشعاعي، الهرموني وأحيانا الكيميائي. ومع ذلك، هناك حالات خاصة يمكن فيها توظيف الجراحة الروبوتية حتى في المرحلة المتقدمة، لكن بعد تقييم دقيق من طرف لجنة طبية متعددة التخصصات. هل هناك مخاطر أو آثار جانبية مرتبطة بهذه التقنية؟ كما في أي عملية جراحية، هناك نسبة من المخاطر، لكنها في الجراحة الروبوتية أقل بكثير مقارنة بالجراحة التقليدية. سلس البول وضعف الانتصاب مثلا، تقل نسبتهما بفضل المحافظة على الأعصاب أثناء العملية. النزيف أيضا أقل، ومخاطر العدوى الجراحية محدودة بفضل التقنيات الدقيقة ونظام التعقيم عالي المستوى. لكنني أؤكد دوما أن نجاح العملية لا يرتبط بالتقنية وحدها، بل بخبرة الجراح، وجودة التحضير ودقة اختيار المريض. كيف ترون مستقبل الجراحة الروبوتية في المغرب؟ أنا مؤمن أن هذه فقط بداية الطريق. التقنية الآن متوفرة في مراكز محددة، لكن الطموح أن تعمم تدريجيا على المستشفيات الجامعية الكبرى، وحتى بعض المؤسسات الخاصة. الاستثمار في التكوين والتكنولوجيا أمر ضروري، لكنه لا يقل أهمية عن بناء ثقافة طبية جديدة تشجع على استخدام الأدوات الذكية لتحسين النتائج العلاجية، وكرامة المريض المغربي تستحق أن تواكب أحدث ما في العالم.