فيما تواصل الدبلوماسية المغربية تحقيق اختراقات استراتيجية في ملف الصحراء، كان آخرها إعلان المملكة المتحدة دعمها الواضح لمقترح الحكم الذاتي، يطرح تساؤل محوري حول مستقبل موقف موريتانيا: هل تتجه نواكشوط نحو التخلي عن حيادها التقليدي في هذا النزاع الإقليمي؟ وهل تعني مؤشرات التقارب المتزايد مع الرباط، وتراجع تنسيقها مع جبهة البوليساريو، بداية لاعتراف ضمني بمغربية الصحراء؟ هذا التحول المحتمل يأتي في سياق إقليمي يشهد تراجعا ملحوظا في النفوذ الجزائري، مقابل صعود لافت للديبلوماسية المغربية التي نجحت في ترسيخ موقعها كفاعل وازن في المنطقة، مدعوماً بشبكة تحالفات اقتصادية وأمنية متنامية. وفي هذا السياق قال محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية، في تصريح لرسالة 24 إن موريتانيا بدأت خلال الأشهر الأخيرة إعادة تموضعها في محيطها الإقليمي، في سياق متغيرات جيوسياسية متسارعة، مشيرا إلى أنها امتنعت عن استقبال وفود من جبهة البوليساريو عقب الزيارة الرسمية التي قام بها الملك محمد السادس إلى نواكشوط. وأوضح الطيار أن نواكشوط ظلت لسنوات تحت ضغط النظام الجزائري، غير أنها حافظت على قدر من التوازن في علاقاتها الخارجية، خصوصا مع المغرب، الذي يشهد تصاعدا متناميًا لنفوذه السياسي والأمني في غرب إفريقيا، في مقابل تراجع الدور الإقليمي للجزائر. وأضاف المتحدث أن موريتانيا، رغم اعترافها السابق بالبوليساريو، لم تُقم بعثة دبلوماسية لدى الجبهة، ولم تستضف أي تمثيل دائم لها، وأن اللقاءات السابقة كانت تفرض في الغالب تحت تأثير مباشر من الجزائر، خاصة خلال فترات محددة من الحكم السابق. وأشار الطيار إلى أن الشراكة بين المغرب وموريتانيا شهدت تطورا ملحوظا، شمل التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي، فضلا عن مشاريع تنموية في منطقة الساحل ودول غرب إفريقيا، إلى جانب استثمارات مغربية متزايدة في السوق الموريتانية. وأكد أن نواكشوط أضحت اليوم أكثر انفتاحا على الرؤية المغربية للتعاون الإقليمي، وهو ما يتجلى، حسب تعبيره، في رفضها المشاركة في أي مبادرات جزائرية ترمي إلى إحياء اتحاد مغاربي بمعزل عن المغرب. وختم الطيار تصريحه بالتأكيد على أن استقبال الملك محمد السادس للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعكس عمق العلاقات الثنائية، ويمثل نقطة تحول في اتجاه بناء شراكة استراتيجية شاملة بين الرباطونواكشوط.