تشهد ورزازات، وخاصة قصر آيت بن حدو المصنف ضمن التراث العالمي لليونسكو، إقبالا متزايدا من السياح الصينيين في مؤشر على انفتاح المغرب على أسواق سياحية جديدة واعدة. هذا التحول السياحي يعكس نجاح الاستراتيجية الوطنية للترويج للمغرب كوجهة متنوعة وغنية ثقافيا، لكنه يسلط أيضا الضوء على تحديات جديدة تتطلب معالجة دقيقة وعلى رأسها كلفة النقل الجوي. في أزقة قصر آيت بن حدو ذات الجدران الطينية العريقة، أصبحت اللغة الصينية مألوفة بشكل متزايد، إذ يتوافد الزوار الآسيويون لاكتشاف هذا المعلم التاريخي الذي يقع على بعد حوالي 30 كلم من مدينة ورزازات. وخلال تقرير مصور نشرته وكالة "أسوشيتد برس" يوم 7 يوليوز 2025، جرى تسليط الضوء على هذا التوجه الجديد، حيث عبّر السياح عن إعجابهم بسحر المكان، وبتنوع الثقافة المغربية وتقاليد الضيافة. وأوضح السائح "شيهاو تشين" من شنغهاي، أن ما جذبه إلى المغرب هو ثراءه الثقافي الذي يجمع بين الأمازيغي والعربي والإفريقي والأوروبي. وشاركه الرأي عدد من السياح الذين تحدثوا عن متعة استكشاف المعالم التاريخية، وشراء منتجات الصناعة التقليدية، وتذوق الأطباق المحلية، مثل الطاجين وحساء اليقطين. ومن جهتها، قالت "سيو منغ تشي" من مقاطعة شاندونغ، إنها اختارت المغرب بعد مشاهدة فيلم تناول مدينة الدارالبيضاء، لتجد نفسها منبهرة بالعادات والثقافة المغربية المتنوعة ما يعكس التأثير الكبير للإعلام والفن في الترويج السياحي. وفي السياق ذاته، أشار الزوبير بوحوت، الخبير في المجال السياحي، إلى أن السياح الصينيين يظهرون اهتماما بالغا بالتراث الثقافي، مما يجعل الحفاظ عليه أولوية في أي مخطط تنموي مستقبلي. وأكد على ضرورة فهم عادات وتوقعات هذه الفئة من الزوار، من خلال التواصل بلغتهم، والتعاون مع وكالات الأسفار الكبرى بالصين. وعلى مستوى الأرقام، أوضح بوحوت أن عدد السياح الصينيين ارتفع من أقل من 10 آلاف قبل سنة 2016، إلى أكثر من 140 ألفا في 2019، بفضل قرار إلغاء التأشيرة الذي اتخذه الملك محمد السادس آنذاك. ورغم التراجع المؤقت خلال جائحة كوفيد-19، فإن المؤشرات الحالية تتوقع بلوغ ما بين 250 و300 ألف سائح صيني بحلول نهاية عام 2025، خصوصا مع استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين المغرب والصين. كما أبدى المهنيون المحليون استعدادهم لمواكبة هذا التحول، حيث أكد عبد الإله كرومي، مدير مطعم "واحة الذهب" في آيت بن حدو، أن تكييف الأطباق والخدمات مع ذوق السياح الصينيين يشكل مفتاح النجاح، مشيرا إلى أن هؤلاء الزوار يتميزون بالفضول والانفتاح على الثقافات الأخرى. ويعزى هذا الزخم السياحي إلى جهود المكتب الوطني المغربي للسياحة، الذي تبنى استراتيجية استباقية من خلال المشاركة في المعارض الدولية، وتنفيذ حملات رقمية على منصات التواصل الصينية، إلى جانب برنامج "China Ready" الهادف إلى تكوين المهنيين المغاربة في اللغة والثقافة الصينية. ويجسد هذا التوجه الجديد في قصر آيت بن حدو قدرة المغرب على التموقع كوجهة سياحية ذات طابع متنوع وأفق اقتصادي واعد، حيث تتقاطع الحضارة، والضيافة والفرص التنموية لتشكل روافع جديدة لتنمية الاقتصاد المحلي وتعزيز صورة المغرب على المستوى العالمي.