في خطوة وصفت بالمفصلية ضمن مسار تحديث المنظومة الجنائية المغربية، تستعد وزارة العدل لتفعيل نظام العقوبات البديلة ابتداء من 22 غشت المقبل، في سابقة تشريعية تهدف إلى تحقيق عدالة أكثر نجاعة وإنسانية، ومواجهة تحديات الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية. ومن المنتظر أن يستفيد من هذا الإجراء نحو 35 ألف شخص، من ضمنهم معتقلون احتياطيون، نزلاء يقضون عقوبات حبسية، وحوالي 5 آلاف شخص من المحكومين الذين يوجدون حاليا في حالة سراح، بحسب ما أفاد به أيوب أبو جعفر، رئيس قسم السياسة الجنائية بوزارة العدل. وجاءت هذه التصريحات خلال مداخلة أبو جعفر في اللقاء الشهري، الذي ينظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومعهد الرباط – إدريس بنزكري لحقوق الإنسان، حيث شدد على أن هذا التوجه الجديد يكرس نقلة نوعية في الفلسفة العقابية للمملكة، من خلال تعويض العقوبة السالبة للحرية بإجراءات أكثر مرونة، دون المساس بجوهر الردع والعدالة. وأوضح المتحدث أن من أبرز خصوصيات العقوبات البديلة هو إمكانية تطبيقها حتى على المحكومين بأحكام نهائية اكتسبت قوة الشيء المقضي به، أي أن قاضي تطبيق العقوبات بات بإمكانه، وفقا للقانون الجديد رقم 43.22، أن يراجع العقوبات الأصلية ويحولها إلى عقوبات بديلة تتناسب مع طبيعة الجرم والظروف المحيطة به. وهذا ما يعتبره المختصون تحولا جوهريا في تصور العدالة الجنائية، إذ يضع إعادة الإدماج في صلب العقوبة بدل التركيز فقط على العقوبة الزجرية. ولم تقتصر المستجدات على ذلك، إذ كشف أبو جعفر عن تخصيص تدابير تحفيزية إضافية لفائدة المستفيدين من هذه العقوبات، وفي مقدمتها تقليص المدة اللازمة للاستفادة من رد الاعتبار القانوني، وذلك لتجاوز عائق "السوابق القضائية"، الذي غالبا ما يعيق اندماج السجناء السابقين في المجتمع ويحرمهم من ولوج سوق الشغل أو الاستفادة من خدمات عمومية أساسية بعد قضاء العقوبة. كما أتاح القانون الجديد للمحاكم إمكانية الحكم بعقوبة بديلة واحدة أو أكثر في آن واحد، بحسب ما تقتضيه كل حالة. فعلى سبيل المثال، يمكن لشخص محكوم بثلاث سنوات حبسا نافذا أن يعوض عقوبته بسنة من أشغال المنفعة العامة، تليها سنتان من المراقبة الإلكترونية، في ما يشبه تجزيئا ذكيا للعقوبة يوازن بين الردع والإدماج الاجتماعي. ويعكس هذا التوجه الجديد مدى حرص المغرب على ملاءمة تشريعه مع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، لا سيما تلك المرتبطة بتقليص اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، خاصة في الجرائم غير العنيفة، وتوسيع هامش السلطة التقديرية للقضاة في اختيار البدائل التي تحقق الغاية العقابية دون المساس بكرامة الفرد أو حقوقه الأساسية. ويبقى التحدي الأكبر، بحسب عدد من المتابعين، هو ضمان فعالية تنفيذ هذه العقوبات البديلة على أرض الواقع، من خلال تجهيز البنية التحتية، وتوفير الوسائل اللوجستيكية والبشرية، ومواكبة التغيير بثقافة مجتمعية ومؤسساتية تؤمن بأن العقوبة يمكن أن تكون أداة للإصلاح لا فقط وسيلة للردع.