مع انتهاء العام الدراسي، يجد الأطفال أنفسهم أمام مساحة زمنية واسعة تمنحهم الحرية بعيدا عن جداول الحصص وضغط الواجبات المدرسية. وفي الوقت الذي قد يراها البعض فترة للراحة المطلقة، يؤكد خبراء التربية أن العطلة الصيفية تمثل فرصة ذهبية لتجديد الطاقة، وكسر الروتين، وتغذية الجوانب الذهنية والبدنية والاجتماعية للطفل، إذا ما تم استثمارها بشكل ذكي ومتوازن. فالإجازة ليست مجرد توقف عن الدراسة، بل هي مساحة للتجريب والاكتشاف وبناء المهارات الحياتية التي قد لا يتاح تطويرها خلال العام الدراسي. في هذا السياق، ترى المستشارة التربوية نوال الفرجي، أن الأطفال يعيشون على إيقاع متسارع طيلة السنة الدراسية، الأمر الذي يجعل من العطلة الصيفية فرصة مثالية لإبطاء هذا الإيقاع وإفساح المجال للترفيه وممارسة الهوايات المفضلة، إلى جانب إتاحة الفرصة للآباء لتطوير مهاراتهم التربوية وتجديد أساليبهم في التعامل مع الأبناء. وتشدد على أن هذه الفترة يمكن أن تجمع بين المتعة والتعلم إذا ما تم التخطيط لها بعناية. وتنصح الفرجي بضرورة مراعاة التوازن في برنامج العطلة، بحيث تشمل الأنشطة جوانب متعددة: تنمية العقل عبر القراءة والأنشطة التعليمية، تغذية الروح من خلال الفنون والموسيقى أو المسرح، تنشيط الجسد بممارسة الرياضة، وتعزيز الجانب الاجتماعي بتشجيع الطفل على بناء صداقات جديدة. كما تؤكد على أهمية تقنين وقت الشاشات الإلكترونية، حتى لا تتحول الإجازة إلى ساعات طويلة من الانعزال أمام الأجهزة بل يجب أن يكون الهدف هو الاستمتاع بطرق تعزز الحركة والتفاعل. ومن بين الخطوات العملية التي تقترحها، إشراك الأطفال في التخطيط لأنشطة العطلة بما يتناسب مع إمكانيات الأسرة، الأمر الذي ينمي لديهم حس المسؤولية ويجعلهم أكثر حماسة للالتزام بما تم الاتفاق عليه. كما يمكن استثمار الوقت في تعليمهم القيام ببعض المهام المنزلية البسيطة، الأمر الذي يعزز استقلاليتهم ويدربهم على تحمل المسؤولية. وترى المستشارة التربوية أن العطلة لا تعني تجميد النشاط الذهني، بل ينبغي الحفاظ على تحفيز العقل من خلال التعلم الممتع، مثل اكتساب مهارات جديدة في العزف أو التمثيل أو الفنون الحرفية، التي تطور الحس الإبداعي والحسي لدى الأطفال. كما توصي بالمواظبة على القراءة اليومية ولو لمدة وجيزة، باعتبارها وسيلة فعالة لتقوية مهارات اللغة وتنمية الخيال. ولا تغفل الفرجي الجانب الترفيهي الخالص، فتقترح أنشطة مثل ممارسة الرياضة المفضلة، الالتحاق بنوادي السباحة، تكوين فريق كرة قدم مع الأصدقاء أو الانخراط في أنشطة الزراعة المنزلية التي تقرب الطفل من الطبيعة وتزرع فيه الصبر وحب الاكتشاف. ويمكن أيضا تخصيص أوقات لممارسة الكتابة الإبداعية مثل كتابة المذكرات أو القصص القصيرة، إضافة إلى أنشطة السينما المنزلية التي تجمع العائلة في أجواء دافئة. وتضيف أن من المفيد تعريف الأطفال بأساسيات الطهي، لما لذلك من أثر على تعزيز استقلاليتهم في المستقبل، كما أن اللعب بالرمل أو قضاء الوقت في الهواء الطلق يمد الجسم بفيتامين "د" ويحفز النشاط البدني. وفي المقابل، ينبغي تخصيص أوقات للهدوء والاسترخاء، وهو ما يساعد على تجديد الطاقة النفسية والجسدية. وتدعو الفرجي إلى أن تكون العطلة الصيفية فرصة للتقارب الأسري، عبر تخصيص أوقات مشتركة للعب أو مشاهدة الصور العائلية أو إعداد ألبومات تذكارية. كما يمكن تنظيم رحلات تعليمية إلى المتاحف والحدائق أو زيارة المدن المجاورة مع إشراك الطفل في التخطيط لهذه الرحلات حتى يشعر باندماجه في التجربة. وفي ختام نصائحها، تؤكد المستشارة على أهمية تشجيع الطفل على تكوين صداقات جديدة مع ضرورة أن تتم هذه الخطوة تحت رقابة أسرية واعية، تضمن سلامة الطفل وتحافظ على قيمه.