على بعد كيلومترات قليلة من مدينة سبتةالمحتلة، تقع بليونش، الجوهرة المخفية في شمال المغرب، حيث تختلط الطبيعة بالتاريخ لتخلق مشهداً يأسر الألباب. عند الاقتراب من هذه القرية الساحرة، يشعر الزائر وكأنه يدخل عالماً مختلفاً، حيث الهدوء والسكينة والجمال الطبيعي الذي لا مثيل له. عند وصولك إلى بليونش، ستُبهر بتضاريسها المتنوعة، حيث ترتفع الجبال الخضراء التي تحيط بالقرية كأنها تحرسها من الزمن، وتنساب الوديان المتدفقة بالمياه العذبة بين تلك الجبال لتروي النباتات والأشجار الكثيفة التي تجعل المكان وكأنه لوحة فنية رسمتها الطبيعة بإتقان. الأشجار العالية والغابات الكثيفة تخلق ملاذاً آمناً للعديد من أنواع الطيور والحيوانات البرية، مما يجعل بليونش جنة حقيقية لعشاق الطبيعة ومحبي استكشاف الحياة البرية. الشواطئ الذهبية في بليونش تضيف لمسة سحرية لهذه الجوهرة الطبيعية. الرمال الناعمة تمتد على طول الساحل، بينما تعكس المياه الفيروزية النقية أشعة الشمس لتخلق مشهداً يخطف الأنفاس. يمكن للزوار الاستمتاع بيوم هادئ تحت أشعة الشمس، أو السباحة في المياه الصافية، أو حتى ممارسة الرياضات المائية المختلفة. الأمواج الهادئة تهمس بقصص البحار والمحيطات، وتدعوك للاسترخاء والتأمل في روعة هذا المكان. لكن بليونش ليست فقط جمالاً طبيعياً؛ إنها أيضاً مكان غني بالتاريخ والثقافة. القاضي عياض، أحد أعظم العلماء والمؤرخين في تاريخ المغرب، وصف هذه الأرض بأنها "تنبت كل أنواع الثمار"، مشيراً إلى خصوبتها وثرائها الفلاحي. هذا الوصف يعكس حقيقة المنطقة التي كانت دائماً مشهورة بمنتجاتها الفلاحية المتنوعة، من الفواكه الطازجة إلى الخضروات النضرة التي تنمو في تربتها الغنية. بينما تتجول في بليونش، يمكنك أن تشعر بعبق التاريخ يملأ الأجواء. الحكايات القديمة والأساطير المحلية تُروى بين سكان القرية، وتنتقل من جيل إلى جيل، مما يمنح الزائرين إحساساً عميقاً بالتواصل مع الماضي. البيوت التقليدية المبنية من الحجر، والمساجد العتيقة، والأسواق المحلية التي تبيع الحرف اليدوية والمصنوعات التقليدية، كلها تعكس تراثاً غنياً وثقافة عريقة. ليس من المستغرب أن ملوك الإمارات الأندلسية في القرون الوسطى كانوا يقصدون بليونش للاستجمام والاستراحة والتخلص من ضغوطات الحكم والسياسة. الطبيعة الخلابة والجو الهادئ كانا يوفران لهم ملاذاً آمناً بعيداً عن صخب البلاط وتعقيدات الحياة السياسية. كانوا يجدون في بليونش مكاناً يستطيعون فيه الاسترخاء والتأمل، مما ساعدهم على تجديد طاقاتهم واستعادة نشاطهم. هذا الأمر يزيد من قيمة بليونش التاريخية ويعزز مكانتها كواحدة من أجمل وأهم مناطق شمال المغرب، شاهدةً على مغربيتها منذ الأزل. تعتبر بليونش أيضاً شاهداً حياً على مغربية سبتةالمحتلة. التاريخ القديم والمعاصر يعكس العلاقة الوثيقة بين المنطقتين. في العصر الأندلسي، كانت بليونش جزءاً من الطريق الذي يربط بين سبتة والمراكز الحضارية الأخرى في المغرب. وقد كانت سبتة جزءاً من الأراضي المغربية قبل احتلالها من قبل البرتغاليين ثم الإسبان في القرن الخامس عشر. العلاقة التاريخية والجغرافية بين بليونش وسبتة تعزز الطابع المغربي للمنطقة، وتؤكد على ارتباط سبتة الوثيق بالمغرب. يستمتع الزوار أيضاً بممارسة الأنشطة الرياضية والمغامرات في بليونش. تسلق الجبال والمشي لمسافات طويلة في المسارات الطبيعية التي تمر عبر الغابات والوديان، توفر فرصة للاستمتاع بالمناظر البانورامية الخلابة التي تكشف عن جمال المنطقة من زوايا مختلفة. التخييم تحت سماء مليئة بالنجوم، وسط هدوء الطبيعة وصوت الرياح بين الأشجار، يضيف بعداً آخر لتجربة زيارة بليونش. تعتبر بليونش وجهة سياحية مميزة بفضل تنوعها الطبيعي وغناها الثقافي. هي المكان المثالي للهروب من صخب الحياة اليومية، والاستمتاع بلحظات من الهدوء والتأمل في حضن الطبيعة. سواء كنت تبحث عن الاسترخاء على الشواطئ الذهبية، أو مغامرة في الجبال والغابات، أو استكشاف التاريخ والثقافة، فإن بليونش تقدم لك كل ما تتمناه وأكثر. بليونش ليست مجرد قرية في شمال المغرب؛ إنها تجربة حياتية فريدة تأخذك في رحلة عبر الزمن والطبيعة، وتجعلك تدرك أن الجمال الحقيقي يمكن أن يكون في أبسط الأشياء وأكثرها طبيعية. كل زاوية في بليونش تروي قصة، وكل مشهد فيها يهمس بلغة الجمال والهدوء، مما يجعلها فعلاً "جنة الله فوق أرضه" كما وصفها الشريف الإدريسي، وشاهدةً دائمة على مغربيتها الأزلية.