يتواجد في المغرب حاليا أزيد من 95 ألفا من المهاجرين غير الشرعيين حسب إحصاء المنظمة الدولية للهجرة الخاص بسنة 2017، والعدد الأهم من هؤلاء المهاجرين القادمين من دول جنوب صحراء افريقيا، يقصد شمال المغرب بحثا عن تحقيق حُلم الوصول إلى أوروبا، وهو الحلم الذي يُسقط أصحابه في أغلب الأحيان ضحايا بين مطرقة شبكات التهريب وسندان شبكات الدعارة. مطرقة شبكات التهريب تدفق المئات من المهاجرين على شمال المغرب بشكل يومي، خاصة على مدينة طنجة التي تُعد أقرب نقطة إلى أوروبا، ساهم في ظهور العديد من شبكات التهريب التي تتخصص في تهريب المهاجرين من سواحل هذه المدينة، إلى سواحل اقليم قادس بجنوباسبانيا، مقابل مبالغ مالية مهمة. يقول مهاجر كاميروني يُدعى سيدريك فلورينت يقيم حاليا في طنجة منذ 3 سنوات، في تصريح لجريدة طنجة 24 في هذا السياق، أن “ثمن تهريب مهاجر واحد بحرا من طنجة إلى جنوب إسبانيا من طرف شبكات التهريب يتراوح ما بين 3 و 5 آلاف أورو” ثم يضيف حاسما ” لكن حتى لو توفر لدي المبلغ الكافي لن ألجأ إلى شبكات التهريب، لأنهم مجرمون في الغالب”. ويشرح سيدريك سبب نظرته السوداء على شبكات التهريب قائلا” العديد من زملائي تعرضوا لسرقة أموالهم من طرف تلك الشبكات الإجرامية، ومنهم من تعرض للإعتداء الجسدي، فيما آخرون تم إلقائهم قبالة سواحل اسبانيا في البحر عُرضة للغرق”. يمتهن سيدريك حاليا العديد من المهن البسيطة في مدينة طنجة من أجل سد رمقه وجمع الأموال اللازمة للهجرة من طنجة إلى اسبانيا حيث كشف قائلا ” أسعى رفقة بعض الأصدقاء المهاجرين إلى جمع ما يكفي من الأموال لاقتناء قارب والهجرة معا، دون اللجوء إلى فخّ شبكات التهريب الذي يسقط فيه القادمون الجُدد من المهاجرين”. على العموم، سواء كانت الهجرة عن طريق شبكات التهريب أو بمبادرات فردية على طريقة سيدريك، فإن عدد ضحايا الهجرة السرية بمضيق جبل طارق وفق احصائيات المنظمة الدولية للهجرة شهد منذ بداية سنة 2018 إلى غاية 9 ماي الجاري، ارتفاعا كبيرا، بوفاة 217 شخصا مقابل 57 فقط خلال الفترة نفسها من سنة 2017. سندان شبكات الدعارة في بداية السنة الماضية، أدى تعاون أمني مغربي إسباني، إلى إسقاط واحدة من أقوى شبكات الدعارة التي كان يديرها النيجيري إيبو رابيل (Ebo Rabel) من مدينة طنجة، وهي الشبكة التي كانت تستهدف المهاجرات لاستغلالهن في أسواق الدعارة في المغرب وإسبانيا. وأظهرت هذه العملية التي أطاحت بشبكة رابيل عن معطيات خطيرة للشرطة الإسبانية، كشفت عنها المُهاجرات اللواتي كن قد سقطن في قبضة تلك الشبكة، حيث كشفن أن المهاجرات اللواتي لا يستطعن دفع تكاليف الهجرة من المغرب إلى اسبانيا يضطررن إلى التعويض بتعاطي الدعارة لصالح الشبكة. وفي تحقيق صحافي نشرت تفاصيله صحيفة Senegal Direct في 6 يناير 2018، كشفت فيه عن انتشار ظاهرة “دعارة السحاق” بمدينة طنجة بين المُهاجرات الإفريقيات والسائحات القادمات من أوروبا، وهي ظاهرة بدأت تنتشر سرا في المدينة بعد انجذاب الوسطاء إليها وفق تعبير الصحيفة. وكشفت مهاجرة افريقية تُدعى كليريس في التحقيق المذكور، أن المُهاجرات مطلوبات بشكل كبير في هذا النوع من الدعارة بطنجة، ويصل ثمن العملية الجنسية الواحدة إلى 100 أورو. وتضطر المهاجرات إلى تعاطي هذه الدعارة من أجل دفع تكاليف العيش في انتظار فرصة للهجرة إلى أوروبا. في هذا السياق أكد مهاجر غيني يُدعى موسى كوندي لجريدة طنجة 24 أن شبكات الدعارة التي تستغل المهاجرات، تنشط بشكل كبير في طنجة، لكنه أضاف متحسرا ” للأسف أغلب هذه الشبكات يُديرها مهاجرون أيضا، ومن بينهم من يستغل مُهاجرات من بلده في سوق الدعارة”. وفي تصريحات مستقاة من عدد من المهاجرين بطنجة، أكدوا لطنجة 24 على أن حي بوخالف والأحياء الواقعة بضواحي طنجة، تبقى من أبرز البؤر التي تنشط فيها الشبكات التي تستغل المُهاجرات في الدعارة، وهذا النشاط الاجرامي هو الذي يتسبب أحيانا في نشوب صراعات ومُواجهات عنيفة بين المهاجرين والمواطنين المغاربة بطنجة. أبواب موصدة في كل مكان يقول محمد بنعيسى رئيس مرصد الشمال لحقوق الانسان في حديث لطنجة 24، أن جميع الأبواب موصدة في وجه المُهاجرين في شمال المغرب، فحتى لو فروا من شبكات التهريب وشبكات الدعارة، فإن المعاناة لا تتوقف. ويُوضح بنعيسى في هذا السياق أن أزيد من ألف مهاجر ومهاجرة يتواجدون حاليا في غابات منطقة بليونيش الواقعة بين طنجة ومدينة سبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية، يعيشون هناك عُرضة للجوع والأمراض في انتظار فرصة لركوب قارب نحو اسبانيا أو تسلل السياج الحدودي لمدينة سبتة وعند قدوم تلك الفرصة، يضيف بنعيسى، فإن المهاجرين يجدون أنفسهم عرضة لحملات التصدي العنيفة من طرف الأمن المغربي من جهة، ومن طرف الأمن الاسباني من جهة أخرى، وبين أولئك وهؤلاء، يبقى حلم الهجرة إلى أوروبا لدى المهاجرين محفوفا بالعديد من المخاطر والمهالك. مواقف مرصد الشمال لحقوق الانسان محمد بنعيسى، تُدعم مواقف رئيس الأساقفة بطنجة، الاسباني سانتياغو أغريلو، المعروف بدفاعه عن حقوق المهاجرين في المغرب واسبانيا، الذي خرج مؤخرا بتصريح عبر وسائل الاعلام الاسبانية يتهم فيه الدول الأوروبية باستعمال الأسلوب “النازي” في التعاطي مع قضايا الهجرة. ويرى سانتياغو أغريلو مارتينيز، أن على الدول الأوروبية أن تتعامل مع المهاجرين على أنهم ضحايا فروا من المعاناة والاضطهاد في بلدانهم الأصلية، وبالتالي منحهم المأوى واللجوء وجميع الحقوق الإنسانية، وليس إعتبارهم مهاجرين غير شرعيين وطردهم “خارج الحدود”.