تتسارع وتيرة الأشغال في مدينة طنجة بشكل لافت، حيث انطلقت مشاريع لإعادة تهيئة المحاور الطرقية، تأهيل اسواق جماعية، وتحسين تجهيزات النقل الحضري، في وقت تقترن فيه هذه التحركات بالاستعدادات الجارية لتنظيم كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. وقد فجّر هذا التزامن نقاشا سياسيا محتدما حول خلفيات هذه الدينامية: هل الأمر يتعلق بترجمة متأخرة لأولويات تنموية ضرورية؟ أم أن وتيرة الأشغال تعكس استجابة ظرفية لضغط المناسبات الدولية، خاصة بعد صدور تقرير الفيفا الذي رصد اختلالات واضحة في البنية التحتية للمدينة؟ هل الأمر يتعلق بترجمة متأخرة لأولويات تنموية ضرورية؟ أم أن وتيرة الأشغال تعكس استجابة ظرفية لضغط المناسبات الدولية، خاصة بعد صدور تقرير الفيفا (..)؟ وأُثير الجدل بشكل مباشر خلال الدورة الاستثنائية لمجلس جماعة طنجة المنعقدة أواخر مارس الماضي، حيث تم التصويت على تمويل مشاريع تأهيل واسعة، دون أن يغيب عن كواليسها حديث بعض المنتخبين، من الأغلبية والمعارضة، عن غياب التدرج والانسجام في برمجة هذه التدخلات، وربطها بإيقاع سياسي خارجي أكثر مما تمليه الحاجيات الواقعية للساكنة. في المقابل، يصر رئيس المجلس الجماعي، منير ليموري، في خرجات إعلامية متفرقة، على أن هذه المشاريع تدخل ضمن برنامج العمل المصادق عليه خلال الولاية الحالية، مبرزا أن "ملاحظات الفيفا لم تكن خارج الحساب، لكنها لم تكن مفاجئة، ونحن نشتغل في الأصل على تدارك هذه النقاط". وبحسب ليموري، فإن تنظيم المونديال "يمثل فرصة تاريخية لتسريع وتيرة التنفيذ، وليس سببا لإعادة ترتيب الأولويات". بعيدا عن التصريحات، يطرح المتتبعون سؤالًا أعمق: لماذا لم يتم الشروع في هذه المشاريع قبل الضغط الدولي؟ وهل كانت المدينة لتستفيد من نفس الزخم لولا دخول الفيفا والموعد العالمي على الخط؟ وفي غياب أجوبة مؤسساتية شافية، يظل هذا التساؤل معلقا في ذهن الشارع الطنجي، حيث تتقاطع الانتظارات اليومية مع رهانات السياسة العليا. والواقع أن عددا من هذه المشاريع، رغم كونها مُدرجة ضمن برنامج عمل الجماعة، لم تعرف أي تفعيل فعلي إلا بعد الملاحظات التقنية التي تضمنها تقرير الفيفا، وهو ما يمنح فرضية الاستجابة الظرفية بعض المصداقية في نظر منتقدي المقاربة المعتمدة. ويستدل هؤلاء بسرعة إطلاق أشغال تهيئة بعض الطرق وتوسيع محاور حيوية مباشرة بعد تقييم سلبي لمستوى الولوج والبنية الطرقية من طرف لجنة الفيفا. كما أن مشروع إعادة تأهيل السوق الجماعي "الرمل الكبيرة" (البلاصا الجديدة)، والذي ظل مجمّدا لسنوات، لم يُدرج عمليا في دورة المجلس إلا بعد بداية العد العكسي للاستحقاقات الرياضية، ما اعتبره البعض دليلا على أن تحريك بعض الملفات لا يتم إلا تحت ضغط اللحظة. يصر رئيس المجلس الجماعي، منير ليموري، في خرجات إعلامية متفرقة، على أن هذه المشاريع تدخل ضمن برنامج العمل المصادق عليه خلال الولاية الحالية لكن في الجهة المقابلة، يرى المدافعون عن المقاربة الحالية أن الضغط الدولي ليس عيبا في حد ذاته، بل يمكن اعتباره رافعة قوية لإخراج مشاريع كانت غارقة في بطء المساطر وتنازع الصلاحيات. ويشير هؤلاء إلى أن ما يُنجز اليوم هو في جوهره ضرورة حضرية لا غنى عنها، سواء أكان وراءها موعد رياضي أو استجابة لمطالب مجتمعية. ويؤكد هذا الطرح أن المدينة كانت بحاجة فعلية لتأهيل بنيتها التحتية، بالنظر إلى النمو السكاني والعمراني السريع الذي عرفته خلال العقدين الأخيرين، وهو ما يفرض إعادة النظر في النموذج الحضري، وتجاوز مظاهر الهشاشة التي لا تليق بمكانة طنجة كمحور استراتيجي شمال المملكة. ويستحضر هذا التيار عددا من الأوراش التي انطلقت بالفعل قبل ضغط الاستحقاقات الدولية، كتأهيل المدينة العتيقة، وربط عدد من الأحياء غير المهيكلة بالشبكات الأساسية، وتوسيع شبكة الإنارة العمومية، معتبرا أن ما يجري اليوم ليس سوى استكمال لهذا التوجه، ولكن بإيقاع أسرع. عمدة طنجة منير ليموري خلال حولة ميدانية ومع ذلك، تظل الإشكالية الحقيقية، في نظر فاعلين محليين، كامنة في غياب تواصل مؤسساتي واضح مع الساكنة، وعدم تقديم توضيحات دقيقة حول الجدولة الزمنية للمشاريع، ومعايير ترتيبها، وأثرها المتوقع على جودة العيش. كما أن استمرار تجاهل عدد من الأحياء الشعبية في برمجة المشاريع الحالية، يعزز الإحساس بوجود تفاوت مجالي قد يثير مستقبلاً ردود فعل اجتماعية غير مرغوب فيها. وفي الوقت الذي تراهن فيه الدولة على هذه التظاهرات الكبرى لإعادة رسم صورة المدن المغربية، تبقى طنجة أمام مفترق حاسم: إما أن تنجح في تحويل هذه الفرصة إلى مسار تنموي مستدام، يربط بين الحدث الدولي والحاجة المحلية، أو تسقط في فخ التهيئة المؤقتة التي لا تلبث أن تنهار بزوال الضغط.