من مطلب افتراضي انطلق على صفحات "فايسبوك"، إلى قضية سياسية تتبناها أصوات من مختلف التوجهات داخل البرلمان، تشهد مدينة طنجة خلال الأسابيع الأخيرة تصاعداً لافتاً في الدعوات المطالبة بإحداث جامعة مستقلة، تحمل اسم "ابن بطوطة"، تكون منفصلة عن جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وتستجيب لخصوصية المدينة وإشعاعها المتعدد الأبعاد. وكانت البرلمانية سلوى البردعي عن حزب العدالة والتنمية أول من نقل هذه المطالب إلى البرلمان، في سؤال وجهته إلى وزارة التعليم العالي خلال شهر أبريل الماضي. لتتوالى بعد ذلك المطالب من طرف برلمانيين آخرين يمثلون أحزاب الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تحرك يُعد نادراً من حيث تقاطعه بين مكونات سياسية مختلفة. من وسوم الفايسبوك إلى قبة البرلمان انطلقت شرارة المطلب من منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر ناشطون وطلبة ومهنيون عن استغرابهم من استمرار تبعية مؤسسات طنجة الجامعية لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، رغم أن المدينة باتت تضاهي كبريات الحواضر المغربية من حيث الكثافة السكانية والتموقع الاقتصادي والدبلوماسي. واعتبرت البرلمانية البردعي أن غياب جامعة مستقلة بطنجة يشكل اختلالاً بنيوياً، بالنظر إلى حجم ساكنة المدينة التي تتجاوز مليون نسمة، فضلاً عن حجم الاستثمارات والمشاريع الكبرى التي تحتضنها، والتي تتطلب منظومة جامعية قادرة على مواكبة حاجيات سوق الشغل والبحث العلمي. دفوف: المسألة لم تعد مطلباً بل ضرورة استراتيجية عادل الدفوف، البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، شدد بدوره على أن ارتباط مؤسسات طنجة الإدارية والأكاديمية بتطوان، يطرح إشكالات واضحة على مستوى الحكامة والملاءمة مع خصوصيات المدينة. وأضاف أن إحداث جامعة مستقلة لم يعد ترفاً، بل أصبح ضرورة إستراتيجية تندرج ضمن منطق العدالة المجالية وتحقيق التقائية السياسات العمومية في مجال التعليم العالي. واستند الدفوف في سؤاله إلى وزارة التعليم العالي على الحديث الدائر داخل القطاع بشأن إعادة رسم الخريطة الجامعية بالمملكة، مؤكداً أن الظرفية مناسبة لتصحيح الخلل القائم وفتح المجال أمام طنجة لتكون مركزاً جامعياً مستقلاً بذاته. حيكر: طنجة تملك كل المقومات من جهته، التحق البرلماني عبد الصمد حيكر (العدالة والتنمية) بركب المطالبين بإحداث الجامعة، مشيراً إلى أن المدينة تملك كافة المقومات العلمية والثقافية والدولية التي تؤهلها لاحتضان جامعة كبرى، تعزز إشعاعها المتوسطي والدولي. ودعا إلى أن تشمل خريطة 2030 الجامعية المعلنة من طرف الوزارة، إحداث جامعة عمومية بطنجة، بما يعكس تطلعات ساكنتها ويُعزز مكانتها الوطنية. الطاهر: إعداد الرأسمال البشري رهين بجامعة مستقلة كما وجّه عبد القادر الطاهر، البرلماني عن الاتحاد الاشتراكي، سؤالاً برلمانياً يُنادي بإحداث جامعة مستقلة في طنجة، مؤكداً أن هذا المشروع سيمكن من إعداد رأسمال بشري عالي الكفاءة، بما يستجيب لحاجيات الاقتصاد المحلي، ويساهم في تنويع التكوينات الأكاديمية والمهنية. وشدد الطاهر على أن الرهان يتجاوز البنية الجامعية، ليشمل تعزيز التنافسية الترابية للمدينة، وإسناد موقعها كمحور تنموي صاعد في شمال المملكة. إجماع سياسي ينتظر ترجمة حكومية وبينما تتقاطع هذه المطالب من أطياف سياسية مختلفة، يلاحظ المتتبعون أن وزارة التعليم العالي لم تُدلِ بعدُ بموقف رسمي واضح بخصوص المقترحات البرلمانية المتعددة، في وقت بدأت ترتفع فيه وتيرة النقاش حول الخريطة الجامعية الجديدة في أفق 2030. ويبقى الرهان في المرحلة المقبلة على مدى استعداد الحكومة لترجمة هذه المطالب إلى قرار ملموس، يُنهي ارتباط طنجة بمؤسسة جامعية مركزها مدينة أخرى، ويؤسس لتجربة جامعية تتماشى مع تحولات المدينة وسكانها المتزايدين، وتكرّم في الآن ذاته اسم الرحالة العالمي "ابن بطوطة" في مسقط رأسه.