تبرز طنجة بواجهتيها البحريتين على المحيط الاطلسي والبحر الابيض المتوسط كفضاء حيوي لممارسة مهنة البحار، وكمركز يشكل مرآة حقيقية للواقع اليومي لرجال البحر في المغرب، في ظل تحديات مهنية وبيئية واجتماعية تتقاطع مع التقلبات الدولية في سوق النقل البحري. في هذه المدينة التي اختارت البحر قدرها، لا يمر يوم دون ان تتحرك قوارب الصيد وسفن الركاب وناقلات البضائع، ولا تخلو الارصفة من رجال ونساء يشكلون العمود الفقري لحياة الميناء. فمن طنجةالمدينة الى طنجة المتوسط، يتحرك النبض البحري في صمت، وتعمل فرق متعددة على ضمان السلامة والمردودية والاستمرارية في ظروف غالبا ما تكون شاقة. في هذا السياق، اعتبر عبد العزيز الوردي، نائب رائد ميناء طنجةالمدينة، في تصريح بمناسبة اليوم العالمي لرجال البحر، ان تخليد هذه الفعالية، يشكل لحظة تحسيس واعتراف بجهود هذه الفئة، التي قال انها "تؤمن استمرارية التجارة الدولية في صمت، وتواجه البحر يوميا بانضباط وتفان لا يلتفت اليه كثيرون". واضاف ان "كل شحنة تمر عبر البحر، وكل حاوية تصل الى وجهتها، خلفها بحارة يشتغلون في ظل تقلبات الطقس، وضغوط العمل، واكراهات الزمن". ويؤكد الوردي ان فرق الميناء في طنجةالمدينة، من تقنيين ومرشدين ومشغلي الرافعات، يشتغلون بشكل يومي لضمان سلامة السفن، وسلاسة العمليات، وفعالية الربط التجاري، مشيرا الى ان ميناء طنجةالمدينة لا يقتصر على استقبال الركاب، بل يشكل حلقة من حلقات سلسلة لوجستية اعقد مما يبدو في الظاهر. من جهته، يرى نوفل خالص، ربان سفينة سريعة، ان مهنة البحار تتجاوز مجرد قيادة السفينة. "هي مسؤولية مستمرة تبدأ منذ لحظة التهييء الى غاية الوصول، تشمل ضمان امن الركاب، واستباق المخاطر، واتخاذ القرار في الوقت المناسب"، كما يقول. ويضيف ان "كل عبور هو التزام اخلاقي ومهني، لا يحتمل التردد ولا يسمح بالخطأ"، معتبرا ان البحر "يفرض لغة خاصة لا يتقنها سوى من عاش تحدياته". وفي الجانب المرتبط بالصيد البحري، يوضح عبد المالك الهواري، مندوب الصيد البحري بطنجة، ان تحسين ظروف البحارة يشكل احد الاعمدة الاساسية للاستراتيجية الوطنية "اليوتيس"، مشيرا الى ان الدولة قامت بإنشاء قرى صيد ونقط تفريغ مجهزة، لتوفير شروط افضل لعمل البحارة التقليديين. كما اكد ان التغطية الاجتماعية والصحية اصبحت معممة على جميع البحارة، اضافة الى الزام التكوين في مجال السلامة البحرية قبل ولوج المهنة. ويشتغل في قطاع الصيد البحري بالمغرب ما يناهز 130 الف شخص، يشكل جزء مهم منهم فئة الصيادين التقليديين، الذين يرتبط مصيرهم مباشرة بحالة البحر، وبما توفره المواسم البحرية من فرص. ويواجه هؤلاء تحديات كثيرة، من ارتفاع تكاليف التجهيزات، الى تراجع بعض المصايد، اضافة الى شروط العمل الصعبة في بعض الفترات. في طنجة، لا يتعلق الامر فقط بميناء وسفن، بل بمنظومة بشرية تعمل على مدار الساعة. من البحار الذي يمضي لياليه في عرض البحر، الى عامل الشحن الذي يواكب كل تفريغ، ومن المرشد البحري الذي يقود السفن الى المرسى، الى الطاقم الطبي الذي يتدخل في حالات الطوارئ… الجميع يشكل جزءا من صورة غير مرئية في الغالب، لكنها ضرورية لبقاء الحركة في الموانئ. الاحتفاء برجال البحر لا يأتي من باب المجاملة، بل هو اعتراف بدور اساسي في ضمان استقرار التجارة الدولية، وتأمين حياة ملايين المستهلكين عبر العالم. وهو ايضا دعوة، كما يقول عدد من المهنيين، لاعادة النظر في شروط العمل، والارتقاء بمكانة البحار داخل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية. وقد اعتمدت المنظمة البحرية الدولية سنة 2010 يوم 25 يونيو موعدا سنويا للاحتفاء برجال البحر، قبل ان تعترف به الاممالمتحدة رسميا، باعتباره مناسبة للتذكير بالدور المحوري الذي تلعبه هذه الفئة في الاقتصاد العالمي. وبهذه المناسبة، دعا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش الى توفير بيئة اكثر امنا وعدلا لرجال ونساء البحر، معتبرا انهم "عنصر لا غنى عنه لضمان تدفق السلع والخدمات في عالم مترابط". في طنجة، حيث تختلط رائحة الملح بصدى الابواق البحرية، يتذكر الناس ان خلف كل سفينة ترسو، ووراء كل رحلة تنطلق، هناك بحار لا يُرى… لكنه حاضر في كل حركة اقتصادية، وفي كل خيط يربط المغرب بالعالم.