على بعد خطوات من شاطئ الغندوري شرق مدينة طنجة، تمتد حديقة "فيلا هاريس" كواحدة من أبرز المتنفسات الحضرية في المدينة. ممرات مشذبة، أشجار وارفة، ومناطق لعب للأطفال تجعل منها فضاء مثاليا للاستراحة. غير أن واقع الاستعمال خلال موسم الاصطياف يقدم صورة مناقضة تماما. وتكفي جولة قصيرة داخل الفضاء للوقوف على مشاهد مقززة لا تخطئها العين. بقايا وجبات غذاء، قشور فواكه، عبوات مياه ومشروبات غازية، أكياس بلاستيكية وأغطية كرتونية، موزعة بعشوائية فوق العشب وتحت الأشجار، رغم توفر الحديقة على حاويات نفايات ولوحات ارشادية واضحة تدعو لاحترام النظافة. الغالبية العظمى من هذه المخلفات، وفق ما تم توثيقه، تخلفها مجموعات من المصطافين القادمين من شاطئ الغندوري، الذين يختارون الحديقة كامتداد مؤقت لرحلة الشاطئ، لتناول الغذاء في الهواء الطلق، ثم مغادرة المكان دون أي مبادرة لتنظيفه. ويقول رشيد، وهو عامل نظافة تابع لشركة التدبير المفوض، إن "المعاناة الحقيقية تبدأ بعد الزوال. الناس يجيئون بكل شيء، يأكلون ويتركون الزبل في مكانه. الحاويات موجودة، لكن استعمالها شبه معدوم". ويتابع محمد، أحد مرتادي الحديقة، أن "الفضاء جميل ومجهز، لكن المشكلة في التصرفات. الناس لم يعودوا يستحون، كل واحد يترك مخلفاته ويمضي، وكأن الملك العمومي لا يساوي شيئا". ولا تقف هذه الممارسات عند حدود "فيلا هاريس"، بل تمتد إلى حدائق ومساحات خضراء محاذية للشواطئ، وحتى إلى الشواطئ نفسها، التي تعاني بدورها من فوضى وتراكم مستمر للنفايات، في مشهد يتكرر يوميا مع ارتفاع الحرارة وتزايد الإقبال. ويطرح هذا الوضع بإلحاح ضرورة تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بالمحافظة على البيئة، وفرض غرامات مالية على كل من يثبت تلويثه للفضاءات العمومية. فالتجهيزات متوفرة، لكن ضعف الردع وغياب المراقبة يشجعان على الاستهتار. ويطالب عدد من المتتبعين المحليين بإطلاق حملات صارمة للتحسيس والمراقبة، تشمل إنذارات فورية وتطبيق غرامات تصاعدية على المخالفين، مع إشراك المجتمع المدني في المواكبة الميدانية، حماية للحدائق والشواطئ من التدهور. ففي مدينة تراهن على مكانتها السياحية وجاذبية سواحلها، لم يعد مقبولا أن تبقى الفضاءات العمومية رهينة لسلوك عشوائي يسيء إلى صورتها، ويقوض كل استثمار في البنية والخدمات. وبينما تواصل فرق النظافة مجهوداتها اليومية لاحتواء الوضع، يظل غياب الوعي البيئي، وضعف الزجر، أكبر عائق أمام تمكين المدينة من استحقاقاتها كحاضرة بحرية كبرى.