1. الرئيسية 2. اقتصاد مَشروع خط بحري جزائري–قطري يستثني المغرب في ظل حملة إعلامية تستهدف موانئ المملكة الصحيفة - خولة اجعيفري الأحد 20 أبريل 2025 - 9:00 في خطوة تكشف عن تحول استراتيجي في أجندة الربط البحري واللوجستي للجزائر، أعلن وزير النقل الجزائري، السعيد سعيود، عن مشروع قيد الدراسة لفتح خط بحري مباشر يربط الجزائر بالعاصمة القطريةالدوحة، مرورًا بعدد من الموانئ العربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تشمل تونس، ليبيا، مصر، السعودية، وسلطنة عمان في مراحل لاحقة، مع استثناء المغرب من مسار الربط، رغم امتلاكه لأحد أضخم الموانئ الإفريقية وأكثرها تنافسية على الصعيد العالمي، وهو ميناء طنجة المتوسط، الذي يُعد نقطة ارتكاز مركزية في شبكات النقل واللوجستيك الدولية، ويحظى بتصنيفات مرموقة في مؤشرات التجارة البحرية. وتزامن الكشف عن المشروع، مع تصعيد إعلامي لافت تقوده بعض المنابر القطريةوالجزائرية، التي روجت لأخبار بشأن رسو سفن لشركة "ميرسك" الدانماركية تحمل أسلحة لإسرائيل تمر عبر الموانىء المغربية، وهي ادعاءات وُصفت من قبل مراقبين بأنها حملة دعائية هجومية تهدف إلى تشويه صورة المغرب وموقعه المتقدم في المنظومة اللوجستية العالمية، وضرب سمعة موانئه. أما المشروع الذي وصفه المسؤول الجزائري في حوار مع وكالة الأنباء القطرية ب"الاستراتيجي"، فيحظى بدعم مباشر من الرئيس عبد المجيد تبون، ويهدف إلى تعزيز التبادل التجاري وتسهيل حركة البضائع بين ضفتي المتوسط والخليج، في وقت تتصاعد فيه رهانات التكامل الاقتصادي الإقليمي كمدخل بديل في ظل التوترات السياسية الدولية وتعقيدات سلاسل الإمداد العالمية. وفي سياق متصل، نوّه سعيود بالتجربة القطرية الرائدة في مجال النقل والمواصلات، مشيدًا بالبنية التحتية المتطورة وشبكات المواصلات الحديثة التي راكمتها قطر في السنوات الأخيرة، معتبراً أنها تعكس "رؤية استراتيجية واضحة" تهدف لتحقيق نتائج إيجابية على المستويين الوطني والدولي، مشيرًا إلى أن الجزائر تطمح للاستفادة من هذه التجربة في إطار شراكة حقيقية تقوم على مبدأ "رابح-رابح". المغرب خارج الحساب المثير للانتباه في إعلان هذا المشروع هو أنه لا يتضمن أي إشارة إلى المغرب أو أي موانئ مغربية، رغم أن المملكة تمتلك أحد أقوى الموانئ في حوض المتوسط، وهو ميناء طنجة المتوسط، الذي يُصنف ضمن أبرز الموانئ من حيث القدرة التنافسية وربط الحاويات عالميًا. بيد أنه، ورغم غياب المغرب عن هذا الخط البحري الجديد، إلا أن ذلك لا يعني تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على مصالحه التجارية أو اللوجستية. ذلك أن المملكة ترتكز على شبكة شحن وتصدير بحري قوية، ترتبط بموانئ أوروبا وأمريكا وإفريقيا، وتُعد شريكًا تجاريًا مهمًا للاتحاد الأوروبي والصين، وتحتل مكانة محورية في سلاسل التوريد الدولية، بما يجعل استبعادها من مثل هذه المبادرات أقرب إلى كونه قرارًا سياسيًا أو ظرفيًا، وليس ضرورة اقتصادية أو لوجستية. وهذا يعني أن مشروع الخط البحري الجزائري–القطري، الذي استثنى المغرب صراحة من مساره، لن يؤثر بأي شكل من الأشكال في موقع المملكة داخل الخارطة اللوجستية الإقليمية أو العالمية، بل على العكس، هذا يُظهر أن المغرب بات في مرحلة متقدمة من التموقع الاستراتيجي، إلى درجة أن غيابه عن مبادرة إقليمية من هذا النوع لا يُعد عامل إضعاف، بل يكشف عن مسار مستقل ومهيكل لا يعتمد على المحاور الظرفية أو الاصطفافات التكتيكية. فالربط البحري المغربي يرتكز أساسًا على ميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر المشاريع المينائية في إفريقيا، والذي يُصنف ضمن قائمة أفضل 20 ميناءً عالميًا من حيث الربط البحري، وفق مؤشرات منظمة "الأونكتاد" التابعة للأمم المتحدة، ويتميز هذا الميناء بمنصة متعددة الخدمات، تستقطب كبريات شركات الشحن العالمية مثل Maersk، وCMA CGM، وHapag-Lloyd، وتوفر اتصالًا مباشرًا بأكثر من 180 ميناء دوليًا في أكثر من 70 دولة. وبذلك، فإن المغرب لا يراهن على الربط الإقليمي الضيق، بل يندرج ضمن منظومة التبادل العالمي، بما في ذلك الخطوط العابرة للمحيطات، خاصة بين أوروبا، إفريقيا، وأمريكا الشمالية، وهو ما يجعل المشاريع الموازية التي تُبنى على اعتبارات جيوسياسية ظرفية، مثل المشروع الجزائري–القطري، غير قادرة على التأثير على المصالح المغربية، أو سحب البساط من موقعه الاستراتيجي. ويستفيد المغرب أيضًا من بيئة أعمال مستقرة، وإصلاحات هيكلية شاملة في مجال اللوجستيك والنقل، مكنت المملكة من أن تتحول إلى منصة جاذبة للاستثمارات الصناعية والبحرية، خصوصًا في المناطق الحرة المحاذية للموانئ الكبرى، ما رسخ مكانتها كمركز إعادة توزيع للبضائع والمواد الخام نحو إفريقيا وأوروبا. وتحظى البنية التحتية المغربية بدعم مؤسساتي ومالي دولي، تُرجم إلى استثمارات ضخمة في شبكة الطرق السيارة، والربط السككي عالي السرعة، والمنصات الصناعية المرتبطة بالموانئ، ما جعل المغرب مرجعية في نموذج "اللوجستيك المندمج"، القائم على الربط الذكي بين البحر، الجو، والبر. كما أن المغرب يتوفر على اتفاقيات تجارة حرة مع أكثر من 50 دولة، من ضمنها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يفتح أمامه آفاق تصدير واسعة تتجاوز الحدود الجغرافية للمنطقة المغاربية، ويمنحه هامش مناورة اقتصادي لا يتأثر بتغيّرات العلاقات الثنائية أو المبادرات الجهوية غير الشاملة. استثمارات قطرية في الجزائر... وقطاع النقل يدخل على الخط وتزامنًا مع إعلان هذا المشروع، وقع وزير النقل الجزائري مع نظيره القطري، الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد آل ثاني، اتفاقية خدمات النقل الجوي بين البلدين، وهي اتفاقية تسمح بتشغيل عدد غير محدود وغير مقيد من رحلات الركاب والشحن من قبل الناقلات المعينة، ما يُعزز الروابط الاقتصادية والسياحية. وتعكس هذه الخطوة رغبة مشتركة في تعميق التعاون الثنائي، لا سيما في قطاع النقل، الذي يلتحق بسلسلة من المجالات التي عرفت توسعًا في التعاون الجزائريالقطري، على غرار الاتصالات، الحديد والصلب، والزراعة، وقد أكد سعيود في هذا السياق أن "قطر أصبحت شريكًا استراتيجيًا مهمًا للجزائر"، معبّرًا عن ترحيب بلاده بالمستثمرين القطريين، سواء من خلال شراكات مع الطرف الجزائري أو عبر استثمارات مباشرة، ومضيفًا: "كل الأبواب مفتوحة". ووفق ما نشرته وزارة المواصلات القطرية على موقعها الرسمي، فإن هذه الاتفاقية تأتي ضمن جهود الدوحة لتوسيع شبكة وجهاتها الجوية وتعزيز ربطها العالمي، في إطار سياسة تقوم على الانفتاح وتكثيف الشراكات الدولية في مجالات الطيران والنقل البحري. من جهة ثانية، فإنالمشروع البحري الجديد، وإن كان في مرحلة الدراسة، يكتسي أبعادًا إقليمية واضحة، فهو لا يهدف فقط إلى تسهيل نقل البضائع، بل أيضًا إلى إعادة تموقع الجزائر في خارطة الربط البحري العربي–العربي، وتقديم بديل لخطوط النقل التي تهيمن عليها القوى التقليدية في المتوسط. كما أنه يعكس تحولًا في الرؤية الجزائرية نحو تنويع شركائها الاقتصاديين بعيدًا عن أوروبا التي باتت علاقتها متوترة مع جل دولها بسبب ملف الصحراء المغربية، ومحاولة تثبيت حضورها في منطقة الخليج عبر بوابة قطر، التي تحولت بدورها إلى فاعل اقتصادي واستثماري نشط في شمال إفريقيا.