عند مدخل مدينة اصيلة الشمالي، حيث ينتهي الطريق الساحلي القادم من طنجة، لا شيء يبدو خارج المألوف. غير أن وجود حاجز أمني ثابت، تؤثثه عناصر شرطة بلباس نظامي، يضفي على المشهد نوعا من الاستعداد المنظم. وفي الجهة المقابلة، على مستوى الطريق الوطنية رقم 1، يظهر حاجز آخر بنفس الوتيرة، ما يمنح الداخلين إحساسا بوجود مراقبة يقظة لا تعطل السير ولا تفرض نفسها على الحركة. - إعلان - لكن هذه التمركزات لا تشكل سوى الواجهة الظاهرة لخطة موسمية موسعة، تدبرها مفوضية الشرطة بأصيلة التابعة لولاية امن طنجة، وتفعل سنويا مع بداية يوليوز. وقد تم توزيع الدوريات بطريقة تراعي نقاط التوافد والتكتل السكاني، مع اعتماد تغطية راجلة وراكبة تشمل السوق البلدي، محطة النقل، الكورنيش، والمداخل المؤدية إلى الشواطئ، دون اهمال الاحياء السكنية التي تشهد ضغطا صيفيا مؤقتا. وفي هذا السياق، يبرز الحضور الامني كعنصر يومي منتظم، لا كتعبير عن حالة استثنائية. اذ تشتغل الفرق وفق جداول مرنة، تُراجع يوميا بناء على معطيات ميدانية، وتتحرك استباقيا لضبط بعض التجاوزات الموسمية مثل الضجيج الليلي، التحرش العرضي، او استغلال الفضاء العام دون ترخيص. ويجري ذلك دون لفت الانتباه، وبقدر كاف من الهدوء لتفادي الاصطدام مع الزوار او الساكنة. كما لا يقتصر الامر على التدخلات المباشرة، بل يشمل التهيئة الوقائية للنقاط الحساسة. ففي المدينة العتيقة، مثلا، تتحرك الدوريات الراجلة على امتداد اليوم، خصوصا في الفترات الانتقالية بين النهار والليل. وفي الكورنيش الذي يشتهر عند الزيلاشيين اكثر باسم "الباصيو" (اي الممشى)، يتم تعزيز المراقبة مساء خلال عطلة نهاية الاسبوع، مما يوفر اجواء مثالية لممارسة التجوال الآمن ولانشطة التجارية والترفيهية من جهة اخرى، تنخرط السلطات المحلية في تنسيق يومي مع المصالح الامنية لضبط استغلال الملك العام، ومراقبة انشطة الباعة المتجولين، والحد من التوسع غير القانوني في الفضاءات الشاطئية. الى جانب ذلك، تعزز هذه المقاربة الميدانية مؤشرات دولية معتبرة. فبحسب منصة Numbeo، التي تعد من أوسع قواعد البيانات المعتمدة في قياس جودة الحياة، تصنف اصيلة ضمن المدن المغربية ذات معدل جريمة منخفض، خصوصا في فئات السرقة والاعتداءات في الاماكن العامة. مما يمنح التقييمات المستقلة للزوار نقاطا ايجابية للاحساس بالامان خلال النهار والليل، مع تفوق ملحوظ على مدن ساحلية مماثلة في مؤشرات الاستقرار العام. وفي الاتجاه ذاته، تظهر مراجعات منشورة على منصات TripAdvisor وGoogle ارتياحا لافتا بخصوص الطابع الهادئ للمدينة، وغياب مظاهر الانفلات حتى في لحظات الذروة. كما تشير تعليقات متكررة الى ان التواجد الامني لا يبدو متكلّفا او ضاغطا، بل موزعا بشكل لا يعيق الحركة ولا يثير التوجس. وهكذا، تقدم اصيلة مثالا على مدينة تدبر موسمها الصيفي دون ان تدخل في منطق الحشود الامنية او الطوارئ المؤقتة. فالاجهزة المكلفة بالحفاظ على النظام العام تشتغل بمنطق الكفاية لا الوفرة، وبمقاربة تراكمية تستند الى تجربة ميدانية متدرجة، وليس الى ردود فعل ظرفية. وفي مدينة يتضاعف حجمها البشري خلال اسابيع معدودة، لا تبدو الطمانينة نتيجة قرار فوقي او تصنيف خارجي، بل مخرجا طبيعيا لتنسيق يومي محكم، يستبقي الهدوء دون ان يصطنعه، ويحفظ التوازن دون ان يُشهره.