يجسد إقليم الفحص أنجرة، واحدا من المجالات الترابية التي تواصل خوض تجربة تنموية استثنائية في ظل التقاطعات بين المشاريع الوطنية الكبرى ومتطلبات العدالة المجالية، وذلك في انسجام تام مع الرؤية الملكية التي تضع تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية في صلب النموذج التنموي الجديد. يمتد إقليم الفحص أنجرة على مساحة رسمية قدرها 737 كيلومترا مربعا، ويضم ست جماعات ترابية، هي أنجرة، تغرامت، الجوامعة، ملوسة، القصر الصغير، وقصر المجاز، ويبلغ عدد سكان الإقليم عما يناهز 100 ألف نسمة، مع تسجيل تطور ديمغرافي مطرد نتيجة الدينامية الاقتصادية المتنامية بالمحيط الصناعي. - إعلان - ويحتضن الإقليم، ضمن مجاله الساحلي المطل على البحر الأبيض المتوسط، المركب المينائي طنجة المتوسط، الذي يعد أحد أكبر مراكز الربط البحري والتجاري في إفريقيا، إلى جانب منصات صناعية ولوجستيكية من الجيل الجديد، وهو الامتداد الاستراتيجي الذي جعل من الفحص أنجرة فضاء مركزيا في معادلة التموقع الاقتصادي الوطني، دون أن يطغى البعد الصناعي على متطلبات التنمية القروية. وإذا كان مشروع طنجة المتوسط قد رسخ تموقع المملكة على خارطة الاقتصاد العالمي، فإن إقليم الفحص أنجرة يجسد في المقابل ورشا ميدانيا لتثبيت التنمية القروية وتحقيق التوازن الاجتماعي ضمن مجال استراتيجي يتقاطع فيه المحلي بالوطني. وهو التحدي الذي يحاول الإقليم رفعه، من خلال مقاربة تقوم على تعزيز العدالة المجالية دون المساس بجاذبيته الاستثمارية. تنظيم المجال.. بوابة الاستقرار القروي وبرزت على أرض الواقع دينامية واضحة في مجالات التعمير وتنظيم المجال، بفضل اعتماد تصاميم لتحديد مدارات عدد من الدواوير، بما مكن من تسهيل عملية الترخيص بالبناء أمام الساكنة، وتأمين الاستقرار الأسري، وتحسين شروط العيش في القرى. هذه التصاميم شملت ست جماعات ترابية، وغطت مساحة تناهز 1740 هكتارا، لفائدة أكثر من 13 ألف نسمة. وقد تُوجت هذه المجهودات بإطلاق دينامية مندمجة على مستوى اللجان التقنية ، التي ساهمت في تذليل الصعوبات المتعلقة بمساطر التعمير، وبلورة حلول توافقية لمشاكل البناء العشوائي، مما أسهم في تعزيز الثقة بين السكان والإدارة، وتوفير أجواء أكثر استقرارا في المجال القروي. خدمات اجتماعية تنتصر للهامش ومكنت المشاريع المنجزة من فك العزلة عن العشرات من الدواوير الجبلية، وربطها بمحاور حيوية نحو طنجة والقصر الصغير، بفضل إنجاز شبكات طرقية جديدة بأطوال تجاوزت مئة كيلومتر. كما ساهمت وحدة طبية متنقلة مجهزة بتقنيات حديثة، تم تعزيزها في جماعة قصر المجاز، في توسيع نطاق التغطية الصحية لفائدة النساء الحوامل والأطفال. وفي قطاع التعليم، تم تسجيل تحسن ملحوظ في مستوى التجهيز التربوي، عبر تأهيل داخليات، وبناء وحدات للتعليم الأولي، وتجهيز مدارس جماعاتية، في إطار توجه يهدف إلى محاربة الهدر المدرسي، وتيسير شروط التمدرس في الوسط القروي. كما ساعدت شراكات مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وعدد من الفاعلين المؤسساتيين في توفير خدمات اجتماعية نوعية، شملت أيضا تحسين عرض النقل المدرسي، ودعم أنشطة دور الطفولة، ومراكز الرعاية الاجتماعية، مما ساهم في تحسين مؤشرات التنمية البشرية داخل الإقليم. اقتصاد مجالي يتحرر من الهشاشة استفادت عشرات التعاونيات، خصوصا النسائية منها، من دعم مالي وتقني في مجالات تثمين المنتجات المجالية، وتربية النحل، والنباتات الطبية، والحرف اليدوية. كما تم تسجيل تطور في مسار تثمين الأراضي الفلاحية، عبر برمجة مشاريع للتجميع والاستغلال المشترك، في محيط سد واد الرمل. وقد شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية رافعة أساسية لهذه المشاريع، حيث مكنت من إطلاق مئات البرامج التي استهدفت البنيات التحتية، والأنشطة المدرة للدخل، ودعم تمدرس الأطفال، والتكفل بالفئات الهشة، إضافة إلى إرساء آليات للإدماج الاقتصادي للشباب، وتحسين الحكامة المحلية. وتواصل هذه المبادرة دورها كإطار مرجعي لتنزيل الرؤية الملكية في مجالات التنمية البشرية، من خلال تعبئة الشركاء المحليين، وضمان التقائية التدخلات، واستثمار الموارد المخصصة في مشاريع ذات أثر مباشر على تحسين ظروف العيش. أما في مجال الحكامة، فقد عكس التعامل الصارم مع بعض مظاهر الإخلال بالواجب الإداري، مؤشرا على نهج جديد قائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة. كما تتميز التجربة المحلية بالفحص أنجرة بتتبع ميداني دقيق للمشاريع، في تفاعل دائم مع الساكنة، ومن خلال زيارات ميدانية منتظمة، واجتماعات تقنية موثقة بالنتائج. من جهة أخرى، يتم العمل حاليا على تعزيز الربط بشبكات الماء والكهرباء في المناطق غير المغطاة، وإنشاء وحدات جديدة لتثمين المنتجات الفلاحية، وتطوير مشاريع التحول الطاقي، وفي مقدمتها المحطة الشمسية العائمة على سد واد الرمل، بطاقة تناهز 13 ميغاواط. وتندرج هذه المشاريع ضمن رؤية استراتيجية تقوم على الاستغلال الأمثل للمؤهلات الطبيعية والبشرية، في انسجام مع السياسات القطاعية الوطنية، واستنادا إلى توجيهات ملكية واضحة تجعل من التنمية القروية رافعة للعدالة المجالية. بهذا المسار المتوازن، يؤكد إقليم الفحص أنجرة أن التنمية ليست شعارا ولا مجرد رقم في جداول الاستثمار، بل التزام عملي يتجسد في الميدان، بروح من الاستمرارية، وبنفس إصلاحي منسجم مع التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله.