تتجاوز الدورة السابعة عشرة لمنتدى "ميدايز" في طنجة كونها مجرد حدث سنوي، لتتحول إلى منصة جيوسياسية تستلهم "روح المدينة" القائمة تاريخياً على التقاطع والانفتاح، حيث يسعى المشاركون إلى توظيف الهوية المركبة لعاصمة البوغاز لإعادة ابتكار المعادلات العالمية في زمن "الانقسامات والاستقطابات". ويكتسب هذا التوجه شرعيته من التحول العميق الذي شهدته المدينة نفسها؛ فوفقا لعمدة طنجة، منير ليموري، لم يعد المنتدى موعدا دبلوماسياً معزولاً، بل بات يجسد الرؤية الملكية التي نقلت المدينة من مجرد موقع جغرافي إلى "نموذج للتحديث". ويرى العمدة أن المسار الممتد من "ميناء طنجة المتوسط" إلى مشروع "طنجة الكبرى" برهن على أن هذه الحاضرة ليست مجرد فضاء للاستثمار، بل أصبحت "مركز تفكير جماعي" في مستقبل العالم، مما يمنح النقاشات السياسية فيها بعداً واقعياً يستند إلى نجاحات تنموية ملموسة. ويظهر هذا التلاقي بين "الدينامية المحلية" و"الرهانات الدولية" بوضوح في مقاربة المغرب لموقعه الدولي انطلاقاً من منصة طنجة. وفي هذا السياق، ةيشدد الرئيس المؤسس لمعهد أماديوس، إبراهيم الفاسي الفهري، على أن المملكة تبرز اليوم ك"قوة توازن" داخل الجنوب العالمي. ويستدل الفهري بالقرار الأممي 2797 حول الصحراء المغربية، معتبراً أنه "أعاد ضبط مسار نصف قرن من الغموض"، ومؤكداً أن هذا الوضوح الدبلوماسي ينسجم مع هوية طنجة كفضاء متعدد، مما يسمح للمغرب بلعب أدوار متقدمة بحزم وانفتاح. وتتحول "روح طنجة" في قراءات القادة الأفارقة إلى نموذج عملي للتعاون؛ إذ يرى الرئيس الغامبي أداما بارو أن ما يحدث هنا هو "إعادة صياغة لمفهوم التعاون جنوب – جنوب" عبر مبادرات ملموسة تتجاوز الشعارات إلى التنمية والتعليم. وتتقاطع هذه الرؤية مع دعوة الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي إلى "تفكير جماعي" يمنح القارة موقعها الشرعي، مستلهماً من فضاء المنتدى القدرة على بلورة صوت إفريقي موحد داخل نظام عالمي متغير. ويبرز دور طنجة ك"مساحة آمنة للحوار" في أوقات الأزمات من خلال مواقف الدول التي تبحث عن منصات للتواصل؛ حيث نوه رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري بالدور المغربي في تعزيز الحوار بين دول الجنوب. وفي سياق متصل، أكد رئيس وزراء غرينادا ديكون ميتشيل على حاجة الدول الصغرى إلى مثل هذه الفضاءات القادرة على "تحويل التوترات الدولية إلى فرص للتعاون"، وهو ما توفره طنجة التي نجحت تاريخياً في إدارة التناقضات بين الشمال والجنوب. وفي المحصلة، يظهر المنتدى كانعكاس مباشر لروح طنجة التي تمزج بين الثقافة والسياسة والجغرافيا. ففي دورة تناقش انقسامات عالم مضطرب، يجد المشاركون في هذه المدينة، كما تعكس مداخلاتهم، فضاءً لا يكتفي بعرض المشاكل، بل يسمح بإعادة ابتكار الحلول بأدوات هادئة، مكرساً بذلك إرث المدينة كملتقى للثقافات ونقطة ارتكاز محورية في الحوار العالمي.