يُدشن محمد خلفاوي، العامل الجديد على إقليم الفحص-أنجرة، مرحلة جديدة من التدبير الترابي بالاقليم، مرتكزا على "بروفايل" فريد يجمع بين الحس الإنساني لابن المناطق الجبلية العميقة، والصرامة التدبيرية لرجل الدولة المؤهل أكاديميا، في توليفة يرى مراقبون أنها "المفتاح الدقيق" لفك شفرة إقليم يعيش تناقضا صارخا بين الهشاشة القروية والعالمية الاقتصادية. ولا يبدو اختيار خلفاوي لهذا المنصب اعتباطيا، إذ يحمل المسؤول القادم من أعالي "تونفيت" بإقليم ميدلت، في جعبته رصيدا حيا من معايشة قسوة التضاريس وصعوبة الولوج إلى الخدمات، ما يمنحه "ذكاء مجاليا" وقدرة فطرية على استيعاب مطالب ساكنة دواوير الفحص-أنجرة دون حواجز بروتوكولية. وقد تجلت هذه الخلفية بوضوح في تحركاته الأولى، التي اتسمت بنزول ميداني مكثف وإنصات مباشر، قاطعا بذلك المسافة النفسية بين الإدارة والمواطن، ومحولا انحداره القروي إلى أداة تواصل فعالة لبناء الثقة. بالموازاة مع هذا البعد الإنساني، يفرض الموقع الاستراتيجي للإقليم، الحاضن لميناء "طنجة المتوسط"، حضور "رجل الملفات الكبرى". هنا، تبرز الخلفية الأكاديمية والخبرة المؤسساتية للعامل الجديد كدعامة أساسية لتدبير العلاقة المعقدة مع الفاعلين الاقتصاديين الدوليين. ويتجاوز الدور المنتظر للعامل الجديد مجرد التسيير الإداري، إلى ممارسة نوع من "الدبلوماسية الاقتصادية" المحلية التي تهدف إلى توجيه دينامية الاستثمار الصناعي والمينائي لتصبح رافعة للتنمية الاجتماعية، وليس مجرد جزر معزولة للثراء. ويرى متتبعون للشأن العام أن القيمة المضافة لتعيين خلفاوي تكمن في قدرته المرتقبة على "أنسنة" الأرقام الاقتصادية؛ أي تحويل مؤشرات النمو في الميناء والمناطق الصناعية إلى فرص عمل، ومسالك طرقية، ومرافق صحية وتعليمية تفك العزلة عن المداشر. وتتطلب هذه المعادلة الصعبة مرونة ذهنية تزاوج بين لغة المستثمرين العالميين ولغة الفلاحين البسطاء، وهو ما يبدو متاحًا لمسؤول خبر "الهامش" وتسلح ب"المعرفة". وتشير المؤشرات الأولية لبرنامج العمل الذي يجري الإعداد له بتشاور موسع، إلى توجه نحو خلق نموذج تنموي هجين وواقعي، يضمن للمستثمر بيئة أعمال سلسة، ويضمن للمواطن حقه في العيش الكريم. وبذلك، يضع محمد خلفاوي إقليم الفحص-أنجرة على سكة رهان مزدوج: تكريس النجاعة الاقتصادية كخيار استراتيجي للدولة، وترسيخ العدالة الاجتماعية كالتزام أخلاقي ومهني لمسؤول يعرف جيدا معنى أن تكون من "المغرب العميق".