مع انحدار درجات الحرارة وظهور الضباب الكثيف عند الفجر، تختفي معالم الشريط الساحلي الفاصل بين الفنيدق ومدينة سبتةالمحتلة. في هذا الغموض الطبيعي، تتسلل أجساد شابة نحو المياه، مدفوعة بالحلم ومحمولة على وهم أن الضباب حاجز منيع أمام أنظار الأمن. - إعلان - كل عام، تسجل السلطات المغربية مئات محاولات التسلل البحري في هذا الممر الضيق. وخلال شهر يوليو وحده، تم إحباط أكثر من 480 محاولة على طول السواحل الشمالية، وفق أرقام غير رسمية صادرة عن مصادر أمنية. وتفيد البيانات ذاتها أن ما لا يقل عن 60% من هذه المحاولات سجلت في ظروف مناخية صعبة، بينها ليالٍ غطاها الضباب بشكل كثيف. ويستغل المهاجرون، وغالبيتهم من القاصرين المنحدرين من مدن مثل بني ملال، آسفي، أو حتى أحياء فقيرة في تطوان، الفوضى البصرية التي يخلقها الضباب للهروب من قبضة الواقع. يرتدون ملابس عادية، يحملون عوامات هوائية زهيدة الثمن، ويخوضون البحر دون تدريب أو وسائل سلامة حقيقية. لكن الأجهزة الأمنية المغربية باتت تملك أدوات رصد متقدمة. وحدات المراقبة الليلية تعتمد على كاميرات حرارية بقدرة كشف تتجاوز 300 متر حتى في ظروف انعدام الرؤية. كما يتم تشغيل طائرات مسيّرة في المحيط القريب من الشاطئ لتحديد تحركات غير معتادة. وتقول مصادر أمنية، إن التنسيق بلغ مستوى "عالياً من النجاعة"، خصوصاً بعد أحداث منتصف 2021، حين شهدت المنطقة تدفقا مفاجئا لآلاف المهاجرين. ومنذ ذلك الحين، خضعت المنطقة لخطة أمنية دائمة تشمل زيادة عدد الدوريات بنسبة 40% خلال فترات الضباب. وفي ليلة واحدة فقط، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تم اعتراض ما لا يقل عن 73 شخصا، من بينهم 49 قاصرا، كانوا بصدد السباحة نحو سبتة، انطلاقا من شاطئ بواد الياسمين. بعيدا عن الأرقام، تبدو الظاهرة مرشحة للاستمرار، بفعل تواطؤ وسطاء محليين ينشطون عبر مجموعات مغلقة على تطبيقات مثل واتساب وتيليغرام. تشير التحريات الجارية إلى أن بعضهم يحدد تواريخ الانطلاق استناداً لتوقعات الأرصاد الجوية، ويروّج لمعدات الهجرة مثل بذلات الغطس وعوامات اليد، بأسعار تبدأ من 200 درهم. على الجانب الإسباني، تؤكد بيانات الحرس المدني أن عدد عمليات الاعتراض البحري سجل ارتفاعاً بنسبة 18% خلال الأشهر الستة الأولى من السنة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين تؤكد الرباط أن "الغالبية الساحقة" من المهاجرين يتم اعتراضهم في الجانب المغربي دون الحاجة إلى تسليم أو إرجاع. في هذا السياق، يبرز الضباب كلاعب مركزي. فهو بالنسبة للمهاجرين فرصة للهروب، بينما تتعامل معه القوات المغربية كعامل محفّز لتكثيف الحضور الميداني. بين هذا وذاك، لا يزال البحر شاهداً على مواجهة يومية، بين حلم يعبر الماء وستار من دخان تتقنه الطبيعة وتقرأه الأجهزة الأمنية بحرفية متقدمة.