"أنظف بكثير من لندن"، هكذا وصف الكاتب البريطاني ميك براون مدينة طنجة بعد زيارة أعادت له ذكريات مضى عليها أكثر من نصف قرن، حين قصد المدينة لأول مرة في ستينيات القرن الماضي. في مقاله المنشور بموقع "ياهو لايف ستايل" تحت عنوان "بعد خمسين سنة على زيارتي الأخيرة، مدينة الأحلام الإفريقية لا تزال ساحرة", يسرد براون تفاصيل عودته إلى طنجة، المدينة التي كانت في ما مضى منفى طوعيًا للهاربين من الهويات الصارمة، وملاذًا للجواسيس، والكتّاب، والمغامرين. يبدأ براون من مقهى سنترال وسط ساحة "الصولو الصغير"، حيث راقب السياح والمارة، مستحضرًا المشهد الذي استقبله قبل خمسين سنة، عندما اقترب منه دلّال فجأة وعرف اسم الفندق الذي ينزل فيه، قبل أن يعرض عليه "أفضل حشيش في طنجة، صفر صفر". اليوم، يكتب براون أن المدينة تغيّرت، وأن أجواء السوق القديمة باتت أكثر هدوءا، فيما اختفى معظم الباعة المتطفلين. يلاحظ الكاتب تراجع عدد الكلاب المتشردة، ويشير إلى أن القليلة التي صادفها تحمل علامات تعريف في الأذنين. كما يسلّط الضوء على انتشار "شرطة السياحة" التي تجوب الأزقة بلباس رمادي موحّد، ما عزز لديه الإحساس بالنظام والانضباط. ونقل عن أحد السكان المحليين أن العقوبة على مجرد حيازة سكين تصل إلى عشر سنوات، وخمس عشرة في حالات الاعتداء، في إشارة إلى صرامة التشريعات. خلال جولته، توقف براون عند مقهى "بابا" العريق، حيث استقبله صاحبه عبد الغني عوف وسط رائحة النعناع والتلفاز الذي يعرض مباراة كرة قدم، بينما جلس شاب أوروبي يشرب الشاي ويدخن الكيف بهدوء. "لا مشكلة"، قال عوف. ثم زار منزلاً كان في ملك باربرا هاتون، وريثة وولوورث الشهيرة، حيث وُجد ضريح الولي سيدي حسني داخل الفناء. وقد سمح له أحد العمال بالدخول لبضع دقائق تأمل فيها جدراناً مزينة بالزليج المغربي وسط صمت ثقيل. الكاتب استرجع كذلك أسماء شخصيات ارتبطت بطنجة مثل بول بولز، وويليام بوروز، وميت جاغر، وكريستوفر غيبس، إلى جانب التاجر المحلي مجيد، الذي كان في شبابه ينظف كؤوس باربرا هاتون مقابل خمسة دراهم. ويصف بوتيكه اليوم بأنه متحف حي لذاكرة المتوسط. بالنسبة لبراون، لم تعد طنجة "المنطقة الدولية" التي عرفها في شبابه، لكنها لا تزال تحتفظ بسحرها الخاص، بين أسوارها البيضاء ومقاهيها القديمة، حيث يمكن للذاكرة أن تجد لنفسها مكانًا، دون أن تصطدم بصرامة الحاضر.