نشرت مجلة "كيكار هشبات" العبرية مقالا تخييلياً مطولاً يصور العاصمة الفرنسية باريس وهي تواجه هجوماً واسع النطاق في أكتوبر 2029، ينفذه مسلحون قادمون من ضواحي المدينة يحاكي "طوفان الأقصى". المقال التخييلي الذي جاء تحت عنوان "اليوم الذي اهتزت فيه باريس واحترقت" يرسم صورة كابوسية لباريس وهي تعيش هجوماً واسع النطاق عام 2029 تشنه جماعات مسلحة من أصول مغاربية، ويصف كيف تتحول العاصمة الفرنسية إلى ساحة حرب: إطلاق آلاف الصواريخ، هجمات مسلحة من "الضواحي 93″، مجموعات مسلحة تقتحم المقاهي ومحطات المترو، ومئات القتلى والجرحى، وعمليات خطف لمدنيين واحتجاز رهائن، ودمار يطال معالم مثل برج إيفل وقوس وقوس النصر، في إسقاط واضح على مشاهد الحرب في غزة.
ومجلة (كيكار هشبات – بالعربية: ساحة السبت) هي موقع ومجلة إلكترونية إسرائيلية ناطقة بالعبرية تأسست عام 2009، وتُعد من أبرز المنصات الإعلامية الموجهة للجمهور الحريدي (اليهود الأرثوذكس المتدينون) في إسرائيل. ورغم طابعها الديني-المجتمعي، تنشر المجلة أيضاً مقالات ذات بعد سياسي أو رمزي، وغالباً ما تُعبر عن مواقف نقدية حادة تجاه المواقف الأوروبية من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. المقال يتخيّل هجوم "جبهة شعبية شمال إفريقية" مفترضة على قلب العاصمة بطريقة تحاكي هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة المقاومة الفلسطينية على مستوطانت غلاف غزةالمحتلة، ومن بين المطالب التي ترقعا الجهة المهاجمة اعتراف فرنسا بدولة إسلامية في ضواحيها ومنح الجنسية التلقائية لمهاجرين من دول المغرب العربي. النص الخيالي يحمّل مسؤولية هذا الهجوم الدامي على باريس لمجموعة خيالية تدعى "الجبهة الشعبية لشمال إفريقيا"، مكوّنة من مهاجرين من المغرب والجزائر وتونس أغلبهم من المهاجرين غير الشرعيين ومن أصحاب السوابق ومن تجار المخذرات، تطالب باعتراف رسمي ب"دولة إسلامية" في ضواحي باريس، واعتذار فرنسي عن قرون من الاستعمار، ومنح جنسية تلقائية لكل مهاجر من مستعمرات فرنسا السابقة. النص يسعى إلى عكس صورة معكوسة لما يجري اليوم في غزة: فرنسا تُصوَّر ك"قوة استعمارية وقامعة"، بينما "المهاجرون المسلمين" يظهرون كضحايا يطالبون بحق تقرير المصير. ويعرض النص التخييلي رداً عنيفاً من السلطات الفرنسية الموصوفة في النص (برئاسة جان لوك ميلونشون ورئيسة الوزراء ريمة حسن)، مع إعلان حالة الطوارئ، نزول الجيش إلى الشوارع، وعمليات عسكرية في ضاحية سان دوني. ويشير إلى سقوط عدد كبير من المدنيين تحت القصف الفرنسي، ما أثار، في الرواية نفسها، إدانات دولية واتهامات لباريس ب"انتهاكات جسيمة للقانون الدولي"، وارتكاب "حرب إبادة"، ودعوات في الأممالمتحدة للاعتراف ب"دولة الضواحي"، وفرض عقوبات دولية على باريس، وضغط إنساني متزايد. النص يسعى إلى عكس صورة معكوسة لما يجري اليوم في غزة: فرنسا تُصوَّر ك"قوة استعمارية وقامعة"، بينما "المهاجرون المسلمين" يظهرون كضحايا يطالبون بحق تقرير المصير. ففي الوقت الذي تضغط فيه باريس للاعتراف بدولة فلسطينية، جاء النص على شكل إسقاط سياسي يلمّح إلى أن فرنسا قد تواجه هي نفسها اتهامات مشابهة لتلك التي توجهها لإسرائيل. المقال الإسرائيلي، رغم كونه خيالياً، حمل رسائل سياسية مشحونة: فرنسا وُصفت ب"دولة احتلال تاريخية" وب"الجمهورية القامعة"، في مقارنة مباشرة مع اتهامات مماثلة توجهها باريس إلى إسرائيل بسبب عملياتها العسكرية في غزة. المهاجمون المفترضون في النص طالبوا باعتراف الدولة الفرنسية بحق تقرير المصير لمهاجري الضواحي، تماماً كما يطالب الفلسطينيون بالاعتراف بدولتهم. النص الخيالي لم يمر دون أن يثير أسئلة سياسية عميقة، خصوصاً أنه جاء بعد تحول بارز في الموقف الفرنسي من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. فالرئيس إيمانويل ماكرون، الذي طالما اتُّهم في إسرائيل بالتساهل مع ما يوصف ب"العداء المتنامي لليهود في أوروبا"، عبّر خلال الأشهر الماضية عن دعم متزايد للاعتراف بدولة فلسطين، في انسجام مع نقاشات داخل الاتحاد الأوروبي. وتزامن نشر المقال مع تقارير عن استعداد باريس للتقدم بمبادرة أممية تدعو إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية على حدود 1967، وهي خطوة اعتبرتها إسرائيل "طعنة في الظهر" من حليف تاريخي. الحكومة الإسرائيلية لم تتأخر في الرد، إذ وصفت الموقف الفرنسي بأنه "امتداد لمعاداة السامية الأوروبية"، محذرة من أن ذلك سيترك "أثراً عميقاً" على العلاقات الثنائية. النص لا يحمل أي قيمة إخبارية بقدر ما هو عمل تخيييلي – دعائي يعتمد الخيال للابتزاز، لكنه سلط الضوء على توترات قائمة في العلاقات الفرنسية – الإسرائيلية، حيث تتهم الحكومة الإسرائيلية باريس بتبني مواقف "معادية" لها، فيما ترى فرنسا أنها تدافع عن حل الدولتين والالتزام بالقانون الدولي.