تجاوزت أجندة الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب، المنعقد في مدريد، المفهوم التقليدي للربط الجغرافي، لتؤسس ل"ربط استراتيجي" يقوم على دمج شبكات الطاقة، وتعزيز المنصات اللوجستية، واعتبار مشروع أنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي شريانا رئيسيا للوصل بين القارتين. وفي الوقت الذي يتطلع فيه الجانبان إلى تسريع وتيرة التعاون، شكل موضوع "الربط" بمفهومه الشامل محورا لافتا في البيان المشترك والمباحثات الاقتصادية الموازية، حيث رأت مدريد في المبادرات الملكية المغربية، وتحديدا أنبوب الغاز، بنية تحتية عابرة للحدود تضمن أمن الطاقة وتربط إفريقيا بأوروبا. شريان طاقي يربط إفريقيا بأوروبا شكلت الطاقة العمود الفقري لتصور الربط بين البلدين خلال هذه القمة. وأشادت الحكومة الإسبانية صراحة بمشروع أنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي، الذي يقوده الملك محمد السادس. واعتبرت مدريد أن هذا المشروع الضخم لا يكتفي بنقل الطاقة فحسب، بل يمثل أداة للاندماج الإقليمي وربط دول غرب إفريقيا بالضفة الأوروبية عبر المغرب. وعزز هذا التوجه تصريحات أحمد نقوش، نائب رئيس فيدرالية الطاقة، الذي أشار خلال المنتدى الاقتصادي إلى "العمق التاريخي" للربط الكهربائي والغازي بين المملكتين، مؤكدا أن المشاريع الهيكلية الحالية تهدف إلى تقوية هذا الارتباط الشبكي، مما يجعل المغرب منصة طاقية لا غنى عنها لأوروبا. منصات لوجستية وتكامل صناعي عابر للحدود إلى جانب الطاقة، ركزت المباحثات على الدور المحوري للبنيات التحتية المينائية والصناعية في تقليص المسافة الاقتصادية بين القارتين. وأوضح مهدي التازي، نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن ميناء "طنجة المتوسط"، وميناء "الناظور غرب المتوسط"، والمشروع المستقبلي "الداخلة الأطلسي"، تعمل كرافعات لوجستية تتيح للشركات الإسبانية والأوروبية نفاذا مباشرا وسلسا إلى الأسواق الإفريقية. وامتد هذا المفهوم ليشمل التكامل الصناعي، حيث أكد علي صديقي، المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات، أن صناعة السيارات في المغرب تتطور بتناغم مع التحول الأوروبي، مما يخلق منظومة موحدة. كما خلصت الرؤية المشتركة إلى توسيع نطاق الربط ليشمل الأبعاد الجيوسياسية، حيث يلعب المغرب دور البوابة لإسبانيا نحو إفريقيا والساحل، بينما تشكل إسبانيا جسرا للمغرب نحو أسواق أمريكا اللاتينية عبر الفضاء الإيبيرو-أمريكي.