اختارت مجلة "تايم آوت" البريطانية شارع "باستور" وسط مدينة طنجة كثاني "أفضل شارع" في إفريقيا لعام 2025، ضمن تصنيفها السنوي لأروع الشوارع عبر العالم، مستندة في ذلك إلى رصيده المعماري الفريد وعمقه الرمزي في ذاكرة المدينة. واستندت المجلة في تصنيفها للشارع، المعروف محليا ب"البولفار"، إلى طابعه الهندسي الذي يعود لحقبة "الآرت ديكو" وتاريخه الثقافي الغني. وأشار التقرير إلى أن الشارع يعد نقطة الجذب الرئيسية في المدينة، حيث يضم معالم تاريخية ومقاهي عريقة، معتبرا إياه نموذجا للتطور الذي تشهده طنجة مع الحفاظ على هويتها الأصيلة. وإلى جانب "بولفار طنجة" الذي حل في الرتبة 30 عالميا، ضمت القائمة ممثلا إفريقيا ثانيا هو شارع "كلوف" (Kloof Street) في كيب تاون الجنوب إفريقية الذي جاء في المركز 22 عالميا. أما صدارة الترتيب العالمي فقد آلت لشارع "روا دو سينادو" (Rua do Senado) في ريو دي جانيرو البرازيلية، متبوعا بشارع "أورانج" في أوساكا اليابانية ضمن قائمة "أروع 30 شارعا في العالم". ويعتبر شارع "باستور" الشاهد الأبرز على النسيج العمراني الذي ميز فترة الإدارة الدولية للمدينة، حيث يجسد الانتقال السلس من نمط "المدينة العتيقة" إلى رحابة "المدينةالجديدة". وتصطف على جانبي الشارع مبان شاهقة تعكس طرازي "الآرت ديكو" و"الباوهاوس" اللذين سادا مطلع القرن العشرين، مما حوله إلى متحف مفتوح يوثق ذاكرة المدينة الكوزموبوليتية. واكتسب هذا الشارع رمزيته التاريخية لكونه احتضن لسنوات طويلة نخبة من الأدباء والفنانين والدبلوماسيين الذين اتخذوا من مقاهيه المطلة على الساحل فضاءات للقاء والإبداع. ويمتد هذا الشريان الحضري من "ساحة فرنسا" الشهيرة وصولا إلى منصة "سور المعكازين"، مانحا المارة إطلالة استراتيجية على مضيق جبل طارق، ومشكلا بذلك نقطة تلاق فريدة بين التاريخ المعماري والجغرافيا الطبيعية للمدينة. يستمد الشارع هويته البصرية المميّزة من طراز الآرت ديكو (Art Deco) الذي طبع المشهد المعماري خلال فترة الإدارة الدولية. ويُعد هذا الطراز حركة فنية عالمية ازدهرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وتميزت بجرأتها في القطيعة مع الزخارف الكلاسيكية الثقيلة، معتمدةً بدلاً منها على خطوط هندسية صارمة وأشكال متناظرة شكّلت رمزًا للحداثة والتقدّم آنذاك. ولا تزال ملامح هذا الإرث حاضرة بوضوح في مجموعة من المباني الأيقونية الممتدة على طول الشارع، مثل عمارة "الرينتادورا" (La Rentadora) الشاهقة المطلة على ساحة فرنسا، وعمارة "كلاريدج"، إلى جانب واجهات دور السينما التاريخية، وعلى رأسها سينما "روكسي" الواقعة في شارع المنصور الذهبي المتفرّع عن "البولفار". وقد نجحت هذه المنشآت في المزج بين استخدام الخرسانة المسلحة واللمسات الجمالية الراقية، مانحةً "البولفار" طابعًا زمنيا فريدًا يقاوم الاندثار.