وسط المرتفعات المكسوة بالغابات المطلة على المدينة العتيقة لطنجة، يجد المنتخب السنغالي ملاذه في "فيرمونت قصر التازي"، المعلمة التي تجسد روح المدينة الكوزموبوليتية المتجددة باستمرار، حيث يقيم "أسود التيرانغا" في فضاء يجمع بين فخامة التاريخ ومتطلبات التركيز العالي، استعدادا للدفاع عن لقبهم في نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025. ويقع هذا "الملاذ الواسع" في قلب منطقة الجبل الكبير، متمتعا بموقع استراتيجي يمنح العزلة والسكينة، إذ يتربع القصر وسط غابة من أشجار الكالبتوس المعمرة، وتحيط به بساتين متنوعة تضم أشجار النخيل والزيتون والليمون والتين، تتخللها حدائق مصممة على الطراز المغربي الأندلسي، مما يوفر لبعثة السنغال بيئة طبيعية استثنائية تعزلهم عن صخب المدينة وتمنحهم الهدوء اللازم قبل خوض المعارك الكروية. ويعود تاريخ هذا الصرح الفخم إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث كان إقامة خاصة لمستشار السلطان (المندوب)، قبل أن يستعيد اليوم رونقه بفضل عملية ترميم دقيقة أعادت له بهاءه الأصلي، معتمدة على لمسات حرفيين محليين برعوا في إبراز جمالية العناصر الزخرفية الأصيلة، ليتحول إلى واحد من أرقى الفنادق المصنفة من فئة الخمس نجوم في المغرب. ومن شرفات الغرف والأجنحة الفاخرة، يطل رفاق ساديو ماني على مشاهد بانورامية ساحرة تمتد فوق المدينة والغابة، في حين توفر مرافق الفندق الحديثة، التي تزاوج بين الرفاهية والأصالة، كل شروط الراحة للبعثة، خاصة "واحة الرفاهية" التي تشكل فضاء مثاليا للاسترجاع البدني والذهني للاعبين، وتمكنهم من استعادة توازنهم الداخلي وسط أجواء من السكينة. وتعكس إقامة المنتخب السنغالي في هذا القصر، الذي يصفه العارفون بأنه جسر بين إفريقيا والمتوسط، جوهر مدينة طنجة التي لطالما سحرت الرحالة والفنانين، فهي المدينة التي تفصلها عن أوروبا مسافة قصيرة عبر مضيق جبل طارق، وتمزج في معمارها وأجوائها بين تأثيرات متعددة، مقدمة لضيوفها تجربة تتجاوز مجرد الإقامة الفندقية إلى رحلة عبر الزمن والجمال. ويمثل اختيار منشآت إيواء من هذا الطراز الرفيع لاستقبال المنتخبات المشاركة، مؤشرا ملموسا على التحول النوعي الذي شهدته البنية التحتية السياحية في طنجة، حيث لم تعد عملية تأهيل الموروث التاريخي مجرد صيانة للذاكرة المعمارية، بل أصبحت ركيزة أساسية ضمن استراتيجية اقتصادية أوسع تهدف إلى تسويق "عروس الشمال" كوجهة سياحية نخبوية قادرة على استيعاب كبريات الأحداث العالمية وتوفير شروط الراحة القصوى لضيوفها. ويرى متابعون للشأن الرياضي والسياحي أن تخصيص هذا الفضاء التاريخي لبعثة المنتخب السنغالي، بصفته حامل اللقب، يحمل دلالات تتجاوز البروتوكول التنظيمي لتعكس عمق الروابط الدبلوماسية والروحية التي تجمع الرباط ودكار، إذ تتحول البطولة القارية في هذا السياق إلى منصة لتكريس القوة الناعمة للمملكة، مبرزة قدرة المغرب على دمج ثقله الحضاري في صلب دبلوماسيته الرياضية تجاه عمقه الإفريقي. وتندرج عملية إحياء قصر التازي وإدماجه في الدورة الاقتصادية ضمن الدينامية الشاملة لمشاريع التأهيل الحضري التي تشهدها المدينة، والتي تراهن على المزاوجة الذكية بين التحديث العمراني وتثمين الرصيد التاريخي، مما يمنح طنجة هوية سياحية متفردة تميزها عن باقي الحواضر المتوسطية، وتجعل من محطة "كان 2025" فرصة مثالية لاستعراض هذا النموذج التنموي الناجح أمام أنظار العالم.