زلزال الحوز.. إقليم شيشاوة نموذج للصمود والتعبئة الجماعية    فيدرالية اليسار بالفقيه بن صالح تتضامن مع أحد أعضاءها وتدين الاستدعاءات المتكررة    منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن معتقلي الحراك وتعرض الوساطة        هيئات مهنية ونقابية تصعد ضد مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    أخبار الساحة    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى الرئيس البرتغالي على إثر الحادث المأساوي لخروج القطار المائل السياحي عن مساره    جديد الشاعرة المغربية سعاد الرايس: «لوحات الإبحار» اهتمامات إنسانية وعشق للكتابة بقلق وجودي    أعمال أدبية وفنية مغربية تستفيد من منح الصندوق العربي للثقافة والفنون    أنا وأنا وما بينهما .. رسائل بين عبدالله المتقي ومحمد بوحوش    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الفانوس " يضيء ليالي مهرجان المسرح التجريبي والضنحاني يوقع النسخة العربية والإنجليزية للمسرحية    الركراكي: جئنا لزامبيا متأهلين وسعداء.. لكن أمامي 3 أشهر لاختيار قائمة "الكان"    روسيا تعلن جاهزية أول لقاح ضد السرطان    مسؤول أممي يحرج الأنظمة العربية: دعمها للاجئين الفلسطينيين يتراجع 90% ودعوة عاجلة للتحرك    فيلم مريم التوزاني يمثل المغرب بأوسكار 2026    مايكروسوفت تحذّر من بطء محتمل لخدمة الأنترنيت جراء انقطاع كابلات بحرية في البحر الأحمر    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى الرئيس البرازيلي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب ثالث أكبر منتج للأفوكادو في إفريقيا بإيرادات صادرات بلغت 179 مليون دولار    تونس.. تأجيل انطلاق أسطول "الصمود العالمي" الذي ينقل مساعدات إلى قطاع غزة    زخات رعدية متوقعة في عدة أقاليم    آسفي.. إيقاف شخصين ظهرا في فيديو يوثق تبادلهما للعنف بالشارع العام    إطلاق خط بحري جديد بين المغرب وأوروبا الغربية بإشراف دي بي وورلد    غزو القضاء يتواصل بإطلاق 24 قمرا اصطناعيا جديدا    المكتب المسير لمولودية وجدة يعبر عن رغبته في إعادة سندباد الشرق لأمجاده    سلا.. تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أكثر من 1200 قرص مهلوس وكوكايين    "غروب".. مسرحية تفتش في وجع الإنسان وتضيء انكساراته بلوحات شعرية    رصد فلكي غير مسبوق لمذنب يقترب من المجموعة الشمسية    الأمم المتحدة: هلال يختتم بنجاح المفاوضات بشأن الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية الثانية المرتقبة في الدوحة    زيادة ملحوظة في حركة المسافرين عبر مطار الحسيمة الشريف الإدريسي        المغرب يستقبل شحنات جديدة من الأعلاف الروسية    السطو المسلح يقود ستة أشخاص للإعتقال بالدار البيضاء    تواصل أشغال الربط السككي بميناء الناظور غرب المتوسط ب111 مليون درهم    الفتح الرباطي يدخل الموسم الجديد بطموح المنافسة على الألقاب    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    إقليم فكيك يتصدر مقاييس الأمطار    المراهق الإيطالي الراحل كارلو أكويتس يصبح أول قديس لجيل الألفية    تل أبيب: وقف الحرب مرهون بشروط    الجمارك تحجز باخرتين بالأبقار البرازيلية وتطالب بملياري سنتيم ضريبة    هزائم تدفع رئيس وزراء اليابان للتنحي    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    المنتخب الوطني المغربي يصل إلى ندولا استعدادا لمواجهة زامبيا    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    أسعار المحروقات تتراجع دوليا وتباع بضعف قيمتها محليا    المغرب.. جدل متصاعد حول التمويل العمومي للأحزاب مع اقتراب انتخابات 2026    العصبة الاحترافية تفرج عن برنامج الجولتين الأولى والثانية من البطولة الوطنية    البراهمة: "استمرار اعتقال نشطاء الريف ينص جرحا مفتوحا في مسار العدالة والحقوق بالمغرب"    منير الحدادي يفاجئ الجميع بتوقيعه لفريق إيراني    فيليز سارسفيلد يحرز لقب كأس السوبر الأرجنتيني بفوزه على سنترال كوردوبا    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لخطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد
نشر في تليكسبريس يوم 30 - 07 - 2015

في ما يلي النص الكامل للخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الخميس، إلى الأمة بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين :

" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

شعبي العزيز،

نخلد اليوم، بمشاعر الاعتزاز، الذكرى السادسة عشرة لعيد العرش المجيد.

إن الاحتفال بهذا العيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات قوية، تجسد عمق عهود الولاء والوفاء، المتبادلة بيننا، وروابط البيعة التي تجمعك بخديمك الأول، والتي لا تزيدها الأيام إلا قوة ورسوخا.

كما جعلنا منها مناسبة سنوية لإجراء وقفة مع الذات حول ما حققه المغرب من منجزات، وما يواجهه من تحديات.

وأود بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر لكل القوى الحية للأمة، وجميع الفاعلين على وقوفهم إلى جانبي في المجهود الجماعي، من أجل خدمة المواطن.

كما نقدر مساهمتهم في تعزيز مكانة المغرب، والثقة التي يحظى بها، خاصة في ظل الظروف التي تعيشها بعض دول المنطقة.

غير أنني لا أريد أن أتكلم هنا عن المنجزات، ولا أهتم بالحصيلة والأرقام فقط.

لأن كل ما تم إنجازه، على أهميته، يبقى غير كاف لبلادنا، ما دامت هناك فئة تعاني من ظروف الحياة القاسية، وتشعر بأنها مهمشة، رغم كل الجهود المبذولة.

ورغم أن هذه الفئة في تناقص مستمر، فإنني حريص على أن يستفيد جميع المواطنين من خيرات الوطن.

وكما عاهدتكم، سأواصل العمل إلى آخر رمق، من أجل بلوغ هذه الغاية. فطموحنا من أجل إسعاد شعبنا ليس له حدود. فكل ما تعيشونه يهمني : ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني. وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي.

ومن هذا المنطلق لابد من إجراء وقفة للتوصل إلى حلول جديدة، كفيلة بجعل هذه الفئة تلحق بالركب، وتندمج في الحياة الوطنية.

لذا، جعلنا من صيانة كرامة المواطن الهدف من كل الإصلاحات السياسية والاجتماعية، والمبادرات التنموية.

فإقامة المؤسسات، على أهميتها، ليست غاية في حد ذاتها. كما أن النمو الاقتصادي لن يكون له أي معنى، إذا لم يؤثر في تحسين ظروف عيش المواطنين.

ورغم التطور الذي حققته بلادنا، فإن ما يحز في نفسي، تلك الأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين في المناطق البعيدة والمعزولةº وخاصة بقمم الأطلس والريف، والمناطق الصحراوية والجافة والواحات، وببعض القرى في السهول والسواحل.


إننا ندرك حجم الخصاص المتراكم، منذ عقود، بهذه المناطق، رغم كل المبادرات والمجهودات.

لذا، عاهدنا الله، منذ تحملنا أمانة قيادتك، شعبي العزيزº أن لا ندخر أي جهد من أجل تحسين أوضاع سكان هذه المناطق، والتخفيف من معاناتهم.

ولهذه الغاية، وتعزيزا للمبادرات التي سبق إطلاقها، قررنا تكليف وزير الداخلية، بصفته الوصي على الجماعات الترابية، للقيام بدراسة ميدانية شاملة، لتحديد حاجيات كل دوار، وكل منطقة، من البنيات التحتية، والخدمات الاجتماعية الأساسية، سواء في مجال التعليم والصحة، أو الماء والكهرباء والطرق القروية وغيرها.

وقد شملت هذه الدراسة كل جهات المملكة، حيث تم تحديد أزيد من 29 ألف دوار، في 1272 جماعة تعاني من الخصاصº ثم وضع المناطق والمجالات حسب الأسبقية.

كما تمت دراسة حوالي 800 20 مشروع، تستهدف أزيد من 12 مليون مواطن يقطنون بأكثر من 24 ألف دوار، وبميزانية إجمالية تبلغ حوالي 50 مليار درهم.

ولضمان النجاح لهذا الورش الاجتماعي الطموح، فإننا ندعو الحكومة لوضع مخطط عمل مندمج، يقوم على الشراكة بين مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية، لتوفير وسائل تمويل المشاريع، وتحديد برمجة مضبوطة لإنجازها.

ويمكن إدماج هذه المشاريع ضمن التوجه الجديد للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وفي إطار البرامج المقبلة للمجالس الجهوية والمحلية، لما أصبحت تتوفر عليه من موارد هامة واختصاصات واسعة.

فالجهوية التي نريدها يجب أن تقوم على الاجتهاد في إيجاد الحلول الملائمة لكل منطقة، حسب خصوصياتها ومواردها، وفرص الشغل التي يمكن أن توفرها، والصعوبات التنموية التي تواجهها.

والجهة يجب أن تشكل قطبا للتنمية المندمجة، في إطار التوازن والتكامل بين مناطقها، وبين مدنها وقراها، بما يساهم في الحد من الهجرة إلى المدن.

شعبي العزيز

إن العناية بأوضاع مواطنينا لا تقتصر فقط على سكان العالم القروي، والمناطق الصعبة والبعيدة وإنما تشمل، أيضا، النهوض بالمناطق الهامشية، والأحياء العشوائية بضواحي المدن.

لذا، ركزنا مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على التصدي لمظاهر العجز الاجتماعي بها.

كما وجهنا الحكومة لإعطاء المزيد من الأهمية للسياسات الاجتماعية.

غير أن اهتمامنا بأوضاع المواطنين في الداخل لا يعادله إلا حرصنا على رعاية شؤون أبنائنا المقيمين بالخارج، وتوطيد تمسكهم بهويتهم، وتمكينهم من المساهمة في تنمية وطنهم.

لقد وقفت، خلال الزيارات التي أقوم بها إلى الخارج، وعندما ألتقي ببعض أفراد جاليتنا بأرض الوطن، على انشغالاتهم الحقيقية وتطلعاتهم المشروعة.

وقد كنا نعتقد أنهم يواجهون بعض الصعوبات داخل المغرب فقط. بل إن عددا منهم يشتكون، أيضا، من مجموعة من المشاكل في تعاملهم مع البعثات القنصلية المغربية بالخارج.

فبعض القناصلة، وليس الأغلبية، ولله الحمد، عوض القيام بعملهم على الوجه المطلوب، ينشغلون بقضاياهم الخاصة أو بالسياسة.

وقد عبر لي عدد من أبناء الجالية عن استيائهم من سوء المعاملة ببعض القنصليات، ومن ضعف مستوى الخدمات التي تقدمها لهم، سواء من حيث الجودة أو احترام الآجال أو بعض العراقيل الإدارية.

وهنا نثير انتباه وزير الخارجية إلى ضرورة العمل، بكل حزم، لوضع حد للاختلالات والمشاكل التي تعرفها بعض القنصليات.

فمن جهة، يجب إنهاء مهام كل من يثبت في حقه التقصير أو الاستخفاف بمصالح أفراد الجالية أو سوء معاملتهم.

ومن جهة أخرى، يجب الحرص على اختيار القناصلة الذين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والمسؤولية، والالتزام بخدمة أبنائنا بالخارج.

غير أن مشاعر الغبن تزداد لديهم عندما يقارنون بين مستوى الخدمات التي توفرها المصالح الإدارية والاجتماعية لدول الإقامة، وطريقة التعامل معهم، وبين تلك التي يتلقونها داخل البعثات الوطنية.

فإذا لم يتمكنوا من قضاء أغراضهم، فإنه يجب، على الأقل، حسن استقبالهم ومعاملتهم بأدب واحترام.

وعلى سبيل المثال، فإنهم يعانون من البطء في تسجيل الأسماء بالحالة المدنية، وفي تصحيح الأخطاء، مع ما يقتضيه الأمر من وقت وتكاليف مالية.

وفي ما يتعلق باختيار الأسماء أيضا، فإن اللجنة العليا للحالة المدنية مطالبة بالاجتهاد لإيجاد حلول معقولة للحالات التي تعرض عليها، في إطار من المرونة والتفهم. كما يجب وضع حد للضغوط التي يخضعون لها أحيانا لفرض بعض الأسماء عليهم.

ونفس الشيء بالنسبة لمعالجة بطء وتعقيد مسطرة تجديد الوثائق الرسمية والمصادقة عليها.

وبصفة عامة، يتعين تحسين التواصل والتعامل مع أفراد الجالية بالخارج، وتقريب الخدمات منهم، وتبسيط وتحديث المساطر، واحترام كرامتهم وصيانة حقوقهم.

أما في ما يخص المشاكل التي يعيشها بعض المهاجرين عند عودتهم لأرض الوطن، فإننا نؤكد على ضرورة التعامل، بكل حزم وصرامة، مع كل من يحاول التلاعب بمصالحهم أو استغلال ظروفهم.

ورغم كل ما يواجهونه من صعوبات، فإننا نسجل، بارتياح، تزايد عدد الذين يعودون منهم، كل سنة، لزيارة بلدهم وأحبابهم.

لذلك، ما فتئنا نعبر لهم عن اعتزازنا بحبهم لوطنهم، وحرصنا على حماية مصالحهم.

ولتعزيز مشاركة مغاربة الخارج في الحياة الوطنية، ندعو لتفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بإدماج ممثليهم في المؤسسات الاستشارية، وهيآت الحكامة والديمقراطية التشاركية.

كما نجدد الدعوة لبلورة استراتيجية مندمجة تقوم على التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الوطنية المختصة بقضايا الهجرة، وجعلها أكثر نجاعة في خدمة مصالح مغاربة الخارج، بما في ذلك الاستفادة من التجربة والخبرة التي راكمها مجلس الجالية، من أجل إقامة مجلس يستجيب لتطلعات أبنائنا بالخارج.

شعبي العزيز،

في سياق الإصلاحات التي دأبنا على القيام بها من أجل خدمة المواطن، يظل إصلاح التعليم عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر، ومن نزوعات التطرف والانغلاق.

لذا، ما فتئنا ندعو لإصلاح جوهري لهذا القطاع المصيري، بما يعيد الاعتبار للمدرسة المغربية، ويجعلها تقوم بدورها التربوي والتنموي المطلوب.

ولهذه الغاية، كلفنا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتقييم تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبلورة منظور استراتيجي شامل لإصلاح المنظومة التربوية ببلادنا.

ولفهم ما ينبغي أن يكون عليه الإصلاح، نطرح السؤال : هل التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا اليوم، في المدارس العمومية، قادر على ضمان مستقبلهم ¿

وهنا يجب التحلي بالجدية والواقعية، والتوجه للمغاربة بكل صراحة : لماذا يتسابق العديد منهم لتسجيل أبنائهم بمؤسسات البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة، رغم تكاليفها الباهضة ¿

الجواب واضح : لأنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح يقوم على الحس النقدي، وتعلم اللغات، ويوفر لأبنائهم فرص الشغل والانخراط في الحياة العملية.

وخلافا لما يدعيه البعض، فالانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى لن يمس بالهوية الوطنية، بل العكس، سيساهم في إغنائها، لأن الهوية المغربية، ولله الحمد، عريقة وراسخة، وتتميز بتنوع مكوناتها الممتدة من أوروبا إلى أعماق إفريقيا.

ورغم أنني درست في مدرسة مغربية، وفق برامج ومناهج التعليم العمومي، فإنه ليس لدي أي مشكل مع اللغات الأجنبية.

والدستور الذي صادق عليه المغاربة يدعو لتعلم وإتقان اللغات الأجنبية لأنها وسائل للتواصل، والانخراط في مجتمع المعرفة، والانفتاح على حضارة العصر.

كما أن الأجانب يعترفون بقدرة المغاربة وبراعتهم في إتقان مختلف اللغات.

لذا، فإن إصلاح التعليم يجب أن يظل بعيدا عن الأنانية، وعن أي حسابات سياسية ترهن مستقبل الأجيال الصاعدة، بدعوى الحفاظ على الهوية.

فمستقبل المغرب كله يبقى رهينا بمستوى التعليم الذي نقدمه لأبنائنا.

ومن هنا، فإن إصلاح التعليم يجب أن يهدف أولا إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات، وإتقان اللغات الوطنية والأجنبية، لاسيما في التخصصات العلمية والتقنية التي تفتح له أبواب الاندماج في المجتمع، كما أن الإصلاح المنشود لن يستقيم إلا بالتحرر من عقدة أن شهادة الباكالوريا هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للتلميذ وأسرته، وأن من لم يحصل عليها قد ضاع مستقبله.

وبطبيعة الحال فإن بعض المواطنين لا يريدون التوجه للتكوين المهني لأنه في نظرهم ينقص من قيمتهم، وأنه لا يصلح إلا للمهن الصغيرة، بل يعتبرونه ملجأ لمن لم ينجحوا في دراستهم.

فعلينا أن نذهب إليهم لتغيير هذه النظرة السلبية، ونوضح لهم بأن الإنسان يمكن أن يرتقي وينجح في حياته دون الحصول على شهادة الباكالوريا.

كما علينا أن نعمل بكل واقعية من أجل إدماجهم في الدينامية التي يعرفها هذا القطاع.

فالمغاربة لا يريدون سوى الاطمئنان على مستقبل أبنائهم بأنهم يتلقون تكوينا يفتح لهم أبواب سوق الشغل.

وبما أن التكوين المهني قد أصبح اليوم هو قطب الرحى في كل القطاعات التنموية، فإنه ينبغي الانتقال من التعليم الأكاديمي التقليدي إلى تكوين مزدوج يضمن للشباب الحصول على عمل.

وفي هذا الإطار، يجب تعزيز معاهد التكوين في مختلف التخصصات، في التكنولوجيات الحديثة، وصناعة السيارات والطائرات، وفي المهن الطبية، والفلاحة والسياحة والبناء وغيرها.

وبموازاة ذلك يجب توفير تكوين مهني متجدد وعالي الجودة، ولا سيما في التخصصات التي تتطلب دراسات عليا.

ومما يبعث على الارتياح، المستوى المشرف الذي وصل إليه المغاربة في مختلف التخصصات المهنية.

وهو ما جعل بلادنا تتوفر على يد عاملة ذات كفاءات عالية، مؤهلة للعمل في مختلف المقاولات العالمية، خاصة منها التي تختار المغرب لتوسيع استثماراتها وزيادة إشعاعها.

ولضمان النجاح للمنظور الاستراتيجي للإصلاح، فإنه يجب على الجميع تملكه، والانخراط الجاد في تنفيذه.

كما ندعو لصياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون - إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد، ويضع حدا للدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح، إلى ما لا نهاية.

شعبي العزيز،

إذا كانت السياسة الداخلية لبلادنا تقوم على خدمة المواطن، فإن السياسة الخارجية تهدف إلى خدمة المصالح العليا للوطن.

ولهذه الغاية، عملنا على إعادة النظر في أسلوب وتوجهات العمل الدبلوماسي الوطني، مع الالتزام بالمبادئ الثابتة التي يرتكز عليها المغرب في علاقاته الخارجية، والمتمثلة في الصرامة والتضامن والمصداقية.

ويأتي هذا التوجه استجابة للتطور والنضج الذي بلغه النموذج المغربي، ولمواكبة التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، والاستفادة مما تحمله من فرص، ورفع ما تنطوي عليه من تحديات.

ففي ما يتعلق بالصرامة، فإن المغرب كشريك مسؤول، ووفي بالتزاماته الدولية، لن يدخر جهدا في الدفاع عن مصالحه العليا.

كما لن يسمح أبدا بالتطاول على سيادته ووحدته الترابية، ونموذجه المجتمعي. ولن يقبل بأي محاولة للمس بمؤسساته، أو كرامة مواطنيه.

وبخصوص قضية وحدتنا الترابية، فقد حددنا في خطابنا بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، بطريقة واضحة وصريحة، مبادئ ومرجعيات التعامل مع ملف الصحراء المغربية، على الصعيدين الداخلي والدولي.

وقد أبانت التطورات التي عرفتها هذه القضية، صواب موقفنا على المستوى الأممي، وصدق توجهاتنا على الصعيد الوطني، حيث سيتم، بعون الله وتوفيقه، الانطلاق في تطبيق الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة.

غير أن هذا لا يعني أننا طوينا هذا الملف. بل على الجميع مواصلة اليقظة والتعبئة، من أجل التصدي لمناورات الخصوم، ولأي انحراف قد يعرفه مسار التسوية الأممي.

وفي ما يخص التضامن، فإن المغرب يعتمد توجها دبلوماسيا استراتيجيا يهدف إلى ترسيخ تعاون جنوب - جنوب فعال، خاصة مع الدول الإفريقية الشقيقة.

وقد مكنتنا الزيارات التي قمنا بها لعدد من بلدان القارة، من تطوير نموذج للتعاون الاقتصادي، يقوم على تحقيق النفع المتبادل، وعلى النهوض بأوضاع المواطن الإفريقي.

ووفاء لانتمائها العربي والإسلامي، فقد انخرطت المملكة في التحالفات العربية لمكافحة الإرهاب، ومن أجل إعادة الشرعية باليمن، التي دعا إليها أخونا الأعز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وكذا دعم أشقائنا وشركائنا الاستراتيجيين العرب.

وفي هذا السياق، نؤكد على أهمية إيجاد حلول للأوضاع بكل من اليمن وسوريا والعراق وليبيا، على أساس الحوار، وإشراك كل مكونات شعوبها، واحترام سيادتها ووحدتها الترابية. وهو ما يسعى المغرب إلى تحقيقه، من خلال احتضان مفاوضات الصخيرات، لحل الأزمة الليبية.

ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية، بفعل تنامي عصابات التطرف والإرهاب، فإن القضية الفلسطينية تظل هي جوهر السلام بمنطقة الشرق الأوسط.

وهنا نؤكد، بصفتنا ملك المغرب ورئيس لجنة القدس، دعمنا الموصول لأشقائنا الفلسطينيين، قيادة وشعبا، من أجل استرجاع حقوقهم المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

أما المصداقية في عملنا الدبلوماسي، فتجسدها علاقات الشراكة التي تجمع بلادنا بعدد من التجمعات والدول الصديقة.

ففي إطار انخراطه في فضائه الأورو- متوسطي، يواصل المغرب العمل على تطوير الشراكات التي تجمعه بدول الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الصدد، نحرص على تعزيز الشراكة الاستثنائية مع فرنسا، بتعاون مع فخامة الرئيس فرانسوا هولند.


كما نعمل على استثمار روابط الصداقة مع جلالة الملك فيليبي السادس، لتوطيد علاقات التعاون وحسن الجوار مع إسبانيا، فضلا عن التزامنا بتطوير علاقات تعاون مثمر مع باقي الدول الأوروبية.

وباعتباره شريكا استراتيجيا لأوروبا، فإن المغرب يطالب بإقامة شراكة متوازنة ومنصفة تتجاوز المصالح الظرفية الضيقة.

كما نحرص على تطوير شراكتنا الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، والمبنية على القيم والمبادئ التي يتقاسم شعبانا الصديقان الإيمان بها.

وفي إطار تنويع علاقاته، نؤكد التزام المغرب بتعميق وإغناء الشراكة التي تجمعه بكل من روسيا والصين.

وفي نفس السياق، نعمل على فتح آفاق أوسع أمام علاقات التعاون مع دول أمريكا اللاتينية، ومع الدول الآسيوية.

وتتجلى مصداقية بلادنا، أيضا، في انخراطها الإيجابي، في مختلف الإشكالات والقضايا التي تشغل المجتمع الدولي.

فاحتضان المغرب لعدد من المنتديات العالمية تهم حقوق الإنسان، والهجرة، وريادة الأعمال، ومحاربة الإرهاب، والتغيرات المناخية، كلها تظاهرات تبرز الثقة والمصداقية التي يحظى بهما عالميا.

كما أن الإجابات التي تقدمها بلادنا لمعالجة هذه القضايا الكونية تشكل مساهمة نوعية في الجهود الدولية لإيجاد حلول موضوعية لها.

شعبي العزيز،

إن مذهبنا في الحكم يقوم على خدمة المواطن، وتحصين هويته، وصيانة كرامته، والتجاوب البناء مع تطلعاته المشروعة.

ومن منطلق العهد المشترك بيننا، فإن خديمك الأول سيظل حريصا على مواصلة العمل الجماعي، من أجل مغرب الوحدة والتنمية، والمساواة في الحقوق والواجبات، وفي الاستفادة من خيرات الوطن.

ولا يفوتنا، بهذه المناسبة، أن نوجه تحية تقدير للقوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، والأمن الوطني، والوقاية المدنية، لجهودها في حماية أمن وسلامة المواطنين وتفانيها في الدفاع عن حوزة الوطن واستقراره.

وخير ما أختم به خطابي لك، شعبي العزيز، أن أذكرك بصيانة الأمانة الغالية التي ورثناها عن أجدادنا، وهي الهوية المغربية الأصيلة التي نحسد عليها.

فمن واجبك الوطني والديني الحفاظ على هويتك، والتمسك بالمذهب السني المالكي الذي ارتضاه المغاربة أبا عن جد.

ولا تنسى لماذا ضحى المغاربة بأرواحهم في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي مختلف بقاع العالم. ولماذا نفي جدنا المنعم جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه.

لقد كان ذلك من أجل نصرة القيم الروحية والإنسانية، التي نؤمن بها جميعا. كما نحارب اليوم ضد التطرف والإرهاب.

فهل هناك سبب يدفعنا للتخلي عن تقاليدنا وقيمنا الحضارية القائمة على التسامح والاعتدال، واتباع مذاهب أخرى لا علاقة لها بتربيتنا وأخلاقنا ¿

طبعا لا. فلا تسمح لأحد من الخارج أن يعطيك الدروس في دينك. ولا تقبل دعوة أحد لاتباع أي مذهب أو منهج، قادم من الشرق أو الغرب، أو من الشمال أو الجنوب، رغم احترامي لجميع الديانات السماوية، والمذاهب التابعة لها.

وعليك أن ترفض كل دوافع التفرقة. وأن تظل، كما كنت دائما، غيورا على وحدة مذهبك ومقدساتك، ثابتا على مبادئك، ومعتزا بدينك، وبانتمائك لوطنك.

قال تعالى : "كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور". صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.