رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يقرر البقاء في منصبه    تفاصيل اتفاق جديد بين النقابات والحكومة .. زيادة في الأجور وتخفيض للضريبة    عاجل .. اتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    إحباط محاولة تهريب كمية كبيرة من المخدرات في جزر الكناري بشراكة مع المغرب    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما يسقط لصوص الله
نشر في تليكسبريس يوم 25 - 08 - 2016

تابعنا جميعا خبر توقيف قياديين في التوحيد والإصلاح، وتابعنا بلاغ جماعتهما إلى أن باتت كل الأدلة تحيل على أن الواقعة ليست خبرا دسه "هاكر" في إحدى المواقع، أو أشاعه موقع ما للحصول على عدد وافر من الزائرين، كما لا ننكر أننا ضحكنا و"قشبنا" بما يكفي على صفحات "الفايس بوك"، ليس لأن الفعل غير عادي بل لأن الذين ارتكبوه وفعلوه غير عاديين كما قدموا أنفسهم للرأي العام، وذلك من خلال خطابهما الدعوي، وكما عرفناهما من خلال محاضراتهما في الفضائل الإسلامية على مقاس الإسلام السياسي الذي يخدم أجندات الحركة وامتدادها الحزبي داخليا متمثلا في العدالة والتنمية وخارجيا متمثلا في الإخوان المسلمين مع بعض التعديلات.


لكن الخطير هو التباس موقف دعاة الحداثة أنفسهم الذي تسرعوا في إدراج ما وقع في خانة الحريات الفردية، وأنه حدث لا يجب التوقف عنده أو الكلام عليه لأنه لا يستحق كما لو كان هؤلاء يعترفون بالحريات الفردية وهم من يسمونها زنى وفاحشة وينعتون المطالبين لها بالفسق والفجور.


ولكن اسمحوا لي، فالحدث مهما ظهر بسيطا مقارنة بملفات كبرى يبدوا لكم أنها تستحق الأولوية فإن له أهميته وقيمته القصوى، فإذا ما قارنا مرتكبيه بما فعله خدام الدولة، فإنني موقن أن الصراع داخل المجتمع قد يكون سهلا ويدار قانونيا وسياسيا مع خدام الدولة بكل الوسائل النضالية والمدنية المشروعة، أما حينما يتعلق الأمر بالمستعملين للدين في المجال العام فسيكون الصراع صعبا وقد يسحقك للعديد من الأسباب أجملها في ما يأتي:

1- المتاجرين بالدين -والسيدة والسيد الموقفين يمثلان أ؛د هؤلاء التجار- يصورون نقدك لهم ولقراراتهم بأنها نقد للدين نفسه، وبالتالي حين تصارعهم، وتناقشهم فإنهم يصورونك لدى المجتمع ولدى الرأي العام ولدى الفئات الهشة بأنك تحارب الله وتحارب من معه، وهم يعتقدون أن الله معهم وحدهم دون سائر الفاعلين السياسيين الآخرين، وهو القائل جل جلاله "وهو معكم أينما كنتم"، ولم يقل أنا مع التوحيد والإصلاح أو العدالة والتنمية، وهكذا يؤدي بهم احتكارهم للحديث باسم الله إلى توظيفه في إقصائك وفي تحريف الصراع وتأجيجه داخل المجتمع، ليتحول من السؤال من مع القانون وضد الفساد؟ إلى سؤال من مع الله ومن ضده؟، مع العلم أنه لا أحد ضد الله داخل المجتمع، لأن الله ليس بفاعل سياسي، بل جل جلاله متعال لايتدخل و لايفعل شيئا في السياسة، لأنها مجال صراع الإرادات والاختلاف بين البشر، والبشر أحرار، وكل تدخل لله في حريتهم يكون مناقضا لماهيته كإله لأن هذه الماهية في كليتها عدالة.


2- المتاجرين بالدين: يعرفون أن الخطاب العقلاني شاق ومضني، وإدراكه لايكون متاحا لأغلبية أفراد المجتمع لأنه خطاب حجاجي ومنطقي يستدعي الإستدلال والتدليل على الكلام المقول بالتجربة والاختبار والنسبية، وهو خطاب لا يتقنونه لأنه يناقض مشروعهم، ولأنه نقيض لما أوصى به أئمتهم في الفقه و"الفلسفة" (ابن تيمية والغزالي... مثلا رغم تعاملها الانتقائي مع هؤلاء الكبار)، ولأنه خطاب ينتج المختلفين والمخالفين، وهم همهم الإجماع و التطابق والتذويب للفرد داخل الجماعة، ضاربين كل تفرد في الفرد واختلافه، ساحبين منه هذا التفرد، و مدرجين له في عقل جمعي ينبني على الطاعة والولاء لشيوخهم وقادتهم، معتبرين أنه في ولاء الفرد داخل جماعتهم لشيخه ولاء لله، وكل نقد أو اختلاف معه هو اختلاف مع الله(وهنا يمكن الإشارة إلى التبريرات العمياء للمنظوين في الحركة أو الحزب لأخطاء بنكيران ولسياساته الخادمة للرأسمال العالمي أو للحدث الذي نحن بصدد تحليله- لأنه كما قلنا في المبرر الأول لخطورتهم أنهم يقدمون أنفسهم نوابا عن الله وجندا له، وحاملين لمشروعه السياسي، والله لايريد تأسيس دولة لأنه تكفيه مملكة السماء، أما مملكة الأرض فهي للبشر، ويجب أن تبقى للبشر، وإذا انمحت الفوارق بين العوالم (عالم السماء وعالم الأرض) كان ذلك هو العدم عينه.لذلك يعملون على استعمار وتملك المدرسة واختراقها، وقد نجحوا في ذلك حينما صرنا نرى أساتذة للفلسفة منخرطين في جماعاتهم أو حاضرين لجلساتهم أو بدون وعي يخدمون مشروعهم.

3- المتاجرين بالدين: هم في العمق أعداء للجسد يعرفون أن الجسد نافدة الإنسان على العالم لذلك يتقلونه بالنواهي ويصورونه على أنه مركز الخطايا، وهذا في كل الأديان وحتى التوحيدية منها، في حين أن هذا الجسد ليس سوى غرائز وانفعالات وعواطف منحتها الطبيعة لنا، ومهما حاولت البشرية وسعت إلى إيجاد المؤسسات الثقافية لهذه العواطف والغرائز والرغبات فهذا الجسد الحي الفاعل يثبت عبر تاريخنا أنه برمج بشكل يتنافر مع هذه المؤسسات، فكان أن وجدت البشرية الحل في القانون وفي الحريات الفردية، وهكذا صارت الدولة لنا جميعا، وكأنها مقاولة نملك فيها أسهما، بينما صارت حياتنا الخاصة ملك لنا وحدنا فقط وقد نعذل القواعد المؤطرة لها بعد نقاش حر لا لنضيقها بل لنوسع هامشها، هؤلاء المتاجرين بالدين من قبيل النجار وبنحماد وغيرهم هدفهم هو جعل هذا الجسد الحي جثة يحتقرها ويقمعها الفرد بدعوى أنه كلما أمعن في القمع كلما كان أكثر طهرانية، بينما العكس هو الحاصل، فكلما أمعن الإنسان في قمع هذا الجسد الحي كلما زاد عنفا وانطوائية واعتلالا نفسيا وصحيا وعقليا، وهو ما يؤدي إلى تفضيل الموت على الحياة فيأتيه من بين ظهرانيه قريب من الكهنة الجدد فيضع له حزاما ناسفا أو سيارة مفخخة فيجده طيعا لينا، فينفد ذلك بسهولة معتقدا أنه بذلك يتحرر مما يثقله في الدنيا متناسيا أن قتل النفس محرم دينيا ومجرم قانونيا. وهذا سبب رهانهم على استرخاص الفرد لجسده.

4- المتاجرين بالدين: هم أعداء للحرية، لأنهم يعرفون أن الحرية شرط التفكير وأساسه، لذلك يثقلون الفرد بالنواهي والأوامر فتصير كل سلوكاته مراقبة من النظر و شرب الماء إلى دخول الحمام....، وحين سمعنا لأشرطة النجار مثلا في محاضرتها المعنونة ب"لا تقتربي" كانت تتقل فتيات بريئات وغضّات في السن بمواعظها عن العفة والطهرانية وعن السلوك الحذر المتوجس من كل رجل ملفقة ذلك بالحياء، ومبررة له بالقصور الذي يجعل كل فتاة بمجرد ما تنظر تزني أو تندفع لذلك، وكأن الله لم يتحدث عن أولي الألباب القادرين على توظيف عقولهم لتوجيه رغباتهم واختياراتهم، وهي بذلك كانت تسعى إلى سرقة وسلب الإرادة منهم وإسنادها إلى جماعتها ولها، فعوض أن يصبح الكابح هو العقل والمدير للحياة، تصبح "النجار" من خلال صورة النموذج والقائد والمثال هي الكابح بمواعظها، وهنا يصبح الشاب تابع و الفتاة تابعة، خاضعين للنجار وللجماعة، معتبرين أنهما منقذين من الظلال، وأن ما يقولونه حق لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه.

لكن ماذا الآن بعد أن وقع ما وقع؟ هل سأقول بأنها حياة خاصة وما يقوم به مجتمع الفايس بوك هو خرق لها، لا أعتقد ذلك ولنوضح بعض المسلمات،

1 – سنتحدث عن اختراق للحياة الخاصة لو قام الأمن بتصويرهما خلسة وتسريب شريط مثلا لوسائط التواصل الاجتماعي، ولكنه ليس اختراق لحياتهم الخاصة ولحريتهم الفردية التي لا يؤمنون بها أصلا، وكما قالوا لنا وسمعنا من "النجار" بعظمة لسانها تقول في شريط "عنداك من التقنات/أي الوقوف في زويا خالية'، بل ما قام به الأمن هو إجراء قانوني عادي جدا قد نختلف في شكلياته، لكنه قام بتجريعهم ما هم أنفسهم يدافعون على تحويله إلى قاعدة قانونية في كل خطاباتهم وتضمينها، وقد حصل في القانون الجنائي بدعوى الإخلال بالحياء العام، وحينما كانت القوى الحية في البلاد تعارض ذلك وتطالب بقانون جنائي يحترم الحريات الفردية وحق الناس في المعتقد وف دولة دنية كانت كتائب الحركة والحزب ومن يدورون في فلكهم يقصفونهم بالفجور والفسق والعملاء وكل النعوت.

2- سنتحدث عن اختراق للحياة الخاصة: لو ناقش شعب الفايس بوك وكل رواد الوسائط أبنائها وأسرتها ومنشئها الإجتماعي، وراتبها وأكلاتها المفضلة أي كل الأشياء التي لم تشاركها معنا يوما، ولكننا نحن لم نناقش أي من ذلك، بل فقط نناقش ما تقاسمته معنا "النجار" نفسها في أشرطة فيديو، والتي من خلالها صارت النجار شخصية عمومية يحق لأي كان أن يناقشها أو يعلق عليها، فلو أرادت حياة خاصة لأقفلت على نفسها في بيتها، لكنها حينما بدأت تتحدث عن "السفينة التي نسير فيها جميعا وهي الوطن، وعن قيمه ومواطنيه، والشكل الذي سيكونون عليه في المستقبل" فإنني وإننا كغاربة أصبحنا معنيين، من ومسؤوليتي كمواطن أولا وأب ثانيا، ومن مسؤولية الجميع أن يتدخلوا لأنني أنوب على ابني القاصر الآن في الصراع من أجل تحديد القيم التي ستؤطر المجتمع الذي سيعيش فيه مستقبلا، فالأب لا يوفر القوت والسكن والتعليم فقط، بل يدافع عن شروط العيش المشترك لأبنائه وهي الشروط التي تهددها النجار وجماعتها بمحاضراتهم ودعوتهم.

مع هذه الحادثة التي ليست الأولى ولا الأخيرة ينزل الواقع والطبيعة والغريزة والجسد والإنسان بماهيته المتعالية على كل ادعاء لتقول بالحرف " هذه الأرض، وهذا البشر" لا يمكنه أن يناقض ذاته، وأن يسعى لتأسيس مقاطعة أو ملحقة للسماء على الأرض، فللأرض نظامها وقوانينها وقواعدها وسننها، والتي على البشر أن يسعون جميعا لوضعها باختلاف مرجعياتهم، وأول هذه القواعد الحرية والاختلاف و آخرها النسبية والخطأ، فهذين المبدأين يسمحان لنا بتعديل كل شيء ومراجعته من القوانين إلى الأخلاق، ففي دائرتهما لايوجد الثابت ولا الساكن، لذلك فالفرصة تاريخية لكي تراجع كل فتاة وكل شاب وكل مغتر ومغرر به، ما لقن له من محاضرات "لاتقتربي" لأن هذا الخطاب لم يستطيع تهذيب أخلاق القادة داخل الحركة، وما بالك بالشبيبة وبالإخوة والأخوات في عرفهم.

كل هذا لا يمكن أن ينسينا ما ارتكبوه إلى جانب المخزن من تخريب لوعي المجتمع لكن ذلك لا يمثل فرصة للحقد أو الكراهية، لكن السخرية من الواقعة حاضرة، ومن ينكرها فهو يكذب علينا علنا وعلى نفسه، ورغم كل شيء نطالب مبدئيا:

- بإسقاط المتابعة في حق النجار وبنحماد وإعادة النظر في القانون الجنائي، مع التنصيص بالصريح على أن حرية الأفراد في الجنس والحب والمعتقد مضمونة بالقانون، وكل اعتداء عليها بأي شكل من الأشكال ولو كتابة أو تعليقا أو تشهيرا في مواقع التواصل فهو جريمة.

- بضرورة التفكير من طرف أعضاء جماعتهم وباقي الجماعات المتاجرة بالدين عن كل ما اعتقدوه يوما بعصمة قادتهم ونموذجيتهم في الحياة، بأنه آن الأوان للتخلي عن عن الأحلام الدينية التي زهقت فيها أرواح في التاريخ/تاريخنا وتاريخ أوروبا مال حي واعتبار التدين مسألة شخصية.

- بضرورة التمييز بين الدين في ماهيته وهو اعتقاد بشيء ما مهما كان موضوع هذا الاعتقاد، والدين في ظاهره وهو تأويل بشري لجماعة أو فرد لنصوصها المقدسة، وتوجيهها بطقوس وسلطة لتكرس فهما معينا وممارسة دينية معينة، فالدين في ماهيته هو قدر البشرية جميعا، فكلنا مؤمنون باختلاف موضوع إيماننا، أما الدين في ظاهره فهو مسألة شخصية، ولا يجب إقحامها في السياسة لأن الاعتقاد الأرتودوكسي يولد العنف.

يجب التمييز بين النقد الذي وجه للنجار وبنحماد والدين، فالنجار وبنحماد لا يمثلان الدين، لأن الدين لا ينتدب من ينوب عنه، ولا تمثل الله، بل تعكس فهما بشريا محكوما بالمبدأين اللذين تحدث عنهما سابقا، وهما الحرية والاختلاف والنسبية والخطأ، ومن ينتقدهما لا ينتقد الدين، بل ينتقد فهمهما وتأويلهما وخطابهما العمومي حول الدين، وكل وصم أو اتهام لمن ينتقدونهم بكونهم ينتقدون الدين فهو منزلق خطير، لأن المطابقة بينهما وبين الدين هو ما يورثها العصمة والقداسة، ويؤدي إلى الدفاع عنهما حتى وإن خرقا القوانين التي كانوا يطالبون بها من خلال تصورهم للقانون الجنائي أو لماهية الدستور إبان الحراك الذي عرفه المغرب سنة 2011.

لذلك رجاء حرروا الدين من الكهنة والرهبان ولصوص الله ، فما يفعله اليوم الفقهاء وحراس اللاهوت والدعاة، هو ما فعله في الماضي رجال الكنيسة وكهنة المعابد وسحرة الفرعون، إنهم يصورون كل نقد لاستعمال الأسطورة/الدين في السياسة وهدمه باعتباره مهاجمة للدين في ماهيته، رغم أنه هناك فرق بينهما، فنحن (أقصد الحالمين بالمشروع الحداثي الإنساني) لا ننتقد الدين، بل ننتقد الاستعمال السياسي للدين، و استعمال الدين لتبرير ممارسات سياسية، وقرارات بشرية، والتغطية عليها بكونها أوامر شرعية من أجل غض الطرف على تدخل القانون لتحديد المسؤوليات وتحقيق العدالة، أما الدين في عمقه (ماهيته كاعتقاد في شيء ما) فلا توجد لنا مشكلات معه، لأننا جميعا متدينين باختلاف موضوعات تديننا وبينت ذلك سالفا.

لنبسط الفكرة كهنة آمون كانوا يصورون للمصريين أن كل امتناع عن دفع الضرائب والأعطيات أو انتقاد لإسراف الكهنة في الإنفاق والدعة والخمول على حساب استعباد وقهر الشعب هو انتقاد لآمون وكفر به، وهو ما يوجب العقاب الشديد على كل من يفكر في ذلك، في حين أن رفض وانتقاد الناس لم يكن لآمون نفسه، لأن آمون لم يكن يأكل أو يشرب أو يتزوج أو يحرث أو ينفق، كذلك في أوروبا انتقاد الناس لرغد العيش وبحبوحته الذي عاشت فيه الكنيسة وبيع صكوك الغفران واتخاذ نفسها مؤسسة وساطة بين الله وبين البشر كان يعتبر تجديفا على الله وعلى الدين، لذلك أقيمت له محاكم تفتيش للعقاب والقتل والتنكيل الشديد، وهو ما يقع اليوم رغم أنه لا رهبانية في الإسلام كما يدعون صوريا، ولا وساطة بين الله وعباده، فإن أناس كثرا من بينهم النجار وبنحماد وغيرهم نصبوا أنفسهم كهنة جددا ورهبانا جددا، وذلك بادعائهم الوساطة بيننا وبين الله وبيننا وبين كلامه الموحى، وبيننا وبين نبيه، فلايحق لنا الاجتهاد ولا التفكير ولا الفهم، فما يقرره هؤلاء هو ما يعتبر دينا أصيلا وطريقا قويما يجب أتباعه، لقد كانوا دائما يرددون على الشباب أن الحياة زائلة ولا حاجة للإنسان بها والأهم هو الآخرة، الدار الباقية، ومن ربحها فقد ربح فوزا عظيما، فإذا بنا نكتشف أنهم يحبون الدنيا حبا جما، ويحبون جمالها وتلبية نداء غرائزها وسياراتها الفخمة وأجورها الضخمة .....

بل حتى الحب الذي طالبت النجار بتأجيله في شريط بعنوان لينتظر الحب، صار مستعجلا ويأتي في السابعة صباحا قرب شاطئ جميل، ولا داعي لمناقشة محاولات التبرير لهذه الاختيارات البشرية التي فضحت بالملموس تهافت الخطاب الديني وتداعيه، و زلات الفتاوى للريسوني وغيره بأن ما وقع هو زواج عرفي أو تربص من قوى التحكم لأنهم هم في العمق جزء من هذه القوى، ومن هذه الكتائب التي تقصف وعي شعبنا وتشوش رؤيته للعالم. فإذا كان البيت التربوي/الدعوي حيث ينشأ قادة العدالة والتنمية ويتلقون أبجديات توظيف الدين في السياسة والمتاجرة به متداعيا فالحزب آيل للسقوط.

أستاذ الفلسفة بسوق السبت*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.