اهتمت الصحف الجزائرية، الصادرة اليوم الأربعاء، باستمرار حظر المسيرات وغيرها من المظاهرات في العاصمة الجزائرية، معتبرة أن الحركة الاحتجاجية للأطباء المقيمين حققت نصرا عندما تحدى هؤلاء الأطباء السلطات عبر تنظيم مظاهرة في قلب العاصمة، حيث أعطوا دفعة لمشهد طغى عليه المأزق السياسي والمؤسساتي. وكتبت صحيفة (ليبيرتي)، في هذا الصدد، أنه لم يعد بإمكان الحكومة التذرع بالهاجس الأمني لتبرير حظر المسيرات على مستوى العاصمة، معللة ذلك بكون الأطباء المقيمين أظهروا أنه من الممكن تنظيم مسيرات بالعاصمة دون أن يؤدي ذلك إلى أي انزلاق. وأضافت أنه من المهم التأكيد على أن السلطات لم تعد تصدر الأوامر بشكل ممنهج، كما دأبت عليه منذ يونيو 2001، باللجوء إلى القمع، الذي يتحول إلى اصطدامات تخلف العديد من الجرحى واتلاف للممتلكات. واعتبرت الصحيفة في افتتاحيتها بعنوان "الاحتجاج في هدوء، ممكن" أن الأطباء المقيمين، الذين احتجوا أمس بالعاصمة، قدموا الدليل على أن التظاهر الجماهيري ليس مرادفا بالضرورة للعنف والتدمير، حيث برهن الأطباء، ولكن أيضا هيئات مهنية أخرى، وأن أحزاب سياسية أو جمعيات كان بإمكانها البرهنة على ذلك لو أتيحت لها الفرصة لذلك. من جهتها، كتبت صحيفة (الفجر) أن زمن استعمال الهراوات قد ولى بدون رجعة وأن العودة إلى استعمال القمع أمر ما يزال قائما، مشيرة إلى أن الحكومة قد تصدر أوامرها باللجوء إليها حالما تشعر أنها في حل من الاكراهات التي أملت عليها التخفيف من القيود أمام إرادة الأطباء، مسجلة أن صورة البلد تعرضت لضربة قاصمة عقب القمع العنيف للأطباء المقيمين في مطلع الشهر. وسجلت أن المنظمات الدولية تتابع عن كثب ما يجري في الجزائر في مجال الحريات وحقوق الانسان، معتبرة أنه إذا كانت الحكومة لم تتحرك تحت إكراه الأمور الطارئة التي لا تتحكم فيها، فعليها أن تكذب ذلك، وتبادر على سبيل المثال إلى إلغاء المرسوم الذي يحظر المسيرات بالعاصمة. من جانبها، لاحظت صحيفة (الشروق) أن السلطات تتضايق أكثر من الحركات التي تشارك فيها حشود كبيرة وليس من الإضرابات، مبرزة أنه في كل مرة يتحول فيها تحرك مطلبي إلى تظاهرة جماهيرية، تسقط السلطات في التدبير السياسي والأمني، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتهديد الهدوء الذي يسود بالعاصمة. وأشارت الصحيفة إلى أن النزاعات الاجتماعية تتضاعف وتمس المصالح الاجتماعية الكبرى، من قبيل الصحة والتربية الوطنية والجامعة وأحيانا النقل، مبرزة أن الحكم، وحتى أمام القضايا ذات الطابع الاجتماعي الصرف يبقى رائدا من خلال رؤيته المنحصرة في أثرها السياسي، موضحة أن "الوزارات الوصية، وفي ردودها على المطالب الاجتماعية، تبقى محدودة جراء ضعف وسائلها المادية واختصاصاتها. فمن جهة، قلصت الظرفية الاقتصادية من القدرات التفاوضية لدولة مشغلة التي لطالما لجأت إلى سياسة للأجور انتقائية. ومن جهة أخرى، هناك الاصلاحات المرتقبة في هذه القطاعات التي تحمل في طياتها خطر خلق دوافع غضب إضافي". أما صحيفة (الوطن) فكتبت أنه حينما سيقتنع الحكم بأن الخطر يوجد على مستوى الحدود وليس داخل المجتمع، فإن البلد سيقطع خطوة نحو الانفتاح السياسي، مشيرة إلى أن الأطباء المقيمين، ومن خلال مسيرتهم الناجحة بالجزائر العاصمة، مدوا أيديهم للسلطات من أجل مساعدتها على تجاوز الحواجز التي تحول دون أي تطور باتجاه الحريات التي يكرسها الدستور. وأضافت أن هؤلاء الأطباء برهنوا على أن حظر المسيرات وسط العاصمة بهدف "حماية الممتلكات والأشخاص" هو تعتيم لم يعد بإمكان البلد استيعابه في عالم مطبوع بدينامية في حرية التعبير والتظاهر، وأحيانا بثورة يسرع من وتيرتها تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال. بدورها، كشفت صحيفة (ليكسبريسيون) أن مختلف المسؤولين الذين تعاقبوا على رأس وزارة الصحة يتخوفون من هؤلاء الأطباء الشباب الذين يعطون درسا في القتالية والأمل للمسيرين ولكافة فئات المجتمع، معتبرة أن المسيرين المستقبليين سيجدون أمامهم النضالات الاجتماعية الحالية، وأن هذه الأخيرة قد تتكلل بتلبية المطالب أو بالعودة إلى الحقائق المؤلمة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية. وأضافت الصحيفة أن الذكاء الذي طوره الأطباء المقيمون في تعبئتهم وتحركاتهم سيمكنهم، في إطار النقاشات مع السلطات، من الأخذ بعين الاعتبار كافة عناصر الملف والقطاع، ممثلة في حماية قانونهم الأساسي وضمان ظروف جيدة لعمل الممارسين ولكن أيضا مصلحة المرضى في المناطق البعيدة حيث يكون حضور الطب ضروريا أكثر من الوسائل المادية التي لم تقدم بصددها السلطات سوى تعهدات لم تف بها.