سفير عمان يثمن تمسك المغرب بالسلم    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    القافلة الجهوية تقديم آليات جديدة متاحة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع في الجهة    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    حوالي 756 ألف مستفيد من دعم مربي الماشية توصلوا بأزيد من 3 ملايير درهم    الحاجب يستقبل محطة جديدة لمعالجة المياه العادمة بجماعة أيت نعمان    إطلاق المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد لتعزيز الجودة والحكامة في المنظومة الصحية    متابعة الرابور "بوز فلو" في حالة اعتقال وإيداعه السجن المحلي لصفرو    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وتوقيف ستة من أفرادها    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    "الأحرار" يضع مقترحات الحكم الذاتي    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    في مداخلة له خلال الدرس الافتتاحي للجامعة الشعبية بمكناس .. وسيط المملكة: الإنصاف أعلى من القانون حين يُظلم المواطن    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    بايتاس: 756 ألف مربي ماشية استفادوا من دعم بقيمة 3,17 مليار درهم            المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى المولد النبوي حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته
نشر في تطوان بلوس يوم 18 - 11 - 2018

من خلال قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9]
إعداد الباحث الدكتور يوسف الحزيمري
تمهيد:
فضل سورة الفتح وسبب نزولها:
سورة الفتح سميت بذلك لقوله تعالى في أولها {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}[الفتح:1]، ونزلت بعد الحديبية، والمراد بالفتح فتح مكة، وعد الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم قبل حصوله وعبر عنه بصيغة الماضي لأنه متحقق الوقوع، وقيل: المراد به صلح الحديبية نفسه، لأنه كان سبب استقرار المسلمين، وأمن الناس فانتشر الإسلام، وأقبلت وفود القبائل على المدينة تعلن ولاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم واعتناقها لدين الله عز وجل[1]
وهي سورة مدنية نزلت في الطريق عند الانصراف من الحديبية وآياتها 29 نزلت بعد الجمعة ,,, نزلت هذه السورة حين انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية[2]، لما أراد أن يعتمر بمكة فصدّه المشركون، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر وهما راجعان إلى المدينة: (لقد نزلت عليّ سورة هي أحب إليّ من الدنيا وما فيها، {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً})[3]
إن سورة الفتح بكمالها نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرجعه من الحديبية، وكان موضوعها على تلك القضية يدور بما فيها من قصص وأحداث متفرقة وذلك لصحة أسانيد الأحاديث في ذلك، وصراحة ألفاظها، واتفاق المفسرين عليها واللَّه أعلم[4]
وخلاصة سورة الفتح:
إنه قد ترتب على هذا الفتح أربعة أشياء للنبى صلّى الله عليه وسلم:
(1) مغفرة الذنوب.
(2) اجتماع الملك والنبوّة.
(3) الهداية إلى الصراط المستقيم.
(4) العزة والمنعة.
وفاز المؤمنون بأربعة أشياء:
(1) الطمأنينة والوقار.
(2) ازدياد الإيمان.
(3) دخول الجنات.
(4) تكفير السيئات.
وجازى الكفار بأربعة أشياء:
(1) العذاب.
(2) الغضب.
(3) اللعنة.
(4) دخول جهنم[5].
وورد في كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" في الفصل التاسع: حيث جعله مؤلفه القاضي عياض رحمه الله فيما تضمنته سورة الفتح من كراماته صلى الله عليه وسلم قوله: "تضمنت هذه الآيات من فضله، والثناء عليه، وكريم منزلته عند الله تعالى، ونعمته لديه، ما يقصر الوصف عن الانتهاء إليه، فابتدأ جل جلاله بإعلامه بما قضاه له من القضاء البين بظهوره وغلبته على عدوه، وعلو كلمته، وشريعته، وأنه مغفور له غير مؤاخذ بما كان وما يكون، قال بعضهم: أراد غفران ما وقع وما لم يقع؛ أي أنك مغفور لك، وقال مكي: جعل الله المنة سببا للمغفرة، وكل من عنده لا إله غيره، منة بعد منة، وفضلا بعد فضل"[6]
ونقل عن: ابن عطاء قوله: "جمع للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة نعم مختلفة، من الفتح المبين وهي من أعلام الإجابة والمغفرة، وهي من أعلام المحبة وتمام النعمة، وهي من أعلام الاختصاص والهداية، وهي من أعلام الولاية، فالمغفرة تبرئه من العيوب، وتمام النعمة إبلاغ الدرجة الكاملة، والهداية وهي الدعوة إلى المشاهدة.
وقال جعفر بن محمد: من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه، وأقسم بحياته، ونسخ به شرائع غيره، وعرج به إلى المحل الأعلى، وحفظه في المعراج، حتى ما زاغ البصر وما طغى، وبعثه إلى الأحمر والأسود، وأحل له ولأمته الغنائم، وجعله شفيعا مشفعا، وسيد ولد آدم، وقرن ذكره بذكره، ورضاه برضاه، وجعله أحد ركني التوحيد"[7]
وقد تضمنت هذه السورة حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في قوله تعالى {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح: 9]، فذكر الله عز وجل الإيمان به وتعزيره وتعزيزه في قراءة وتوقيره وهي أصول يندرج تحتها كثير من الحقوق وهي:
1- الإيمان به صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}
ورد الأمر بالإيمان به مقرونا مع الإيمان بالله إشارة إلى أن"الإيمان بالرسول إيماناً بمن أرسله، والإيمان بالمرسل إيماناً بالرسول"[8]
والإيمان إذا أطلق دخل فيه السمع والطاعة لله وللرسول، وكذلك قوله: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، وإذا أطلق الإيمان بالله في حق أمة محمد دخل فيه الإيمان بالرسول، وكذلك قوله: {كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} ، وإذا أطلق الإيمان بالله دخل فيه الإيمان بهذه التوابع.[9]
(لتؤمنوا بالله ورسوله) "قرأ الجمهور بالفوقية وقرىء بالتحتية، فعلى الأولى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وعلى الثانية المراد المبشرون والمنذرون ...، وفيه امتنان منه تعالى عليه صلى الله عليه وسلم حيث شرفه بالرسالة وبعثه إلى الكافة شاهداً على أعمال أمته"[10].
وقد ورد الإيمان به صلى الله عليه وسلم في عدد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء: 136]
وقوله تعالى:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فيه} [الحديد: 7]
ووصف المؤمنين به وبرسله بالصديقين والشهداء قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد: 19]
ووعدهم على هذا الإيمان المغفرة والجنة قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]
يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسير آية:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} "والخطاب يجوز أن يكون للنبيء صلى الله عليه وسلم مع أمة الدعوة، أي لتؤمن أنت والذين أرسلت إليهم شاهدا ومبشرا ونذيرا، والمقصود الإيمان بالله. وأقحم ورسوله لأن الخطاب شامل للأمة، وهم مأمورون بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يؤمن بأنه رسول الله ولذلك كان يقول في تشهده: «وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» وقال يوم حنين: «أشهد أني عبد الله ورسوله» وصح أنه كان يتابع قول المؤذن «أشهد أن محمدا رسول الله» .
ويجوز أن يكون الخطاب للناس خاصة ولا إشكال في عطف ورسوله"[11].
2- تعظيمه وتوقيره في قوله تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}
تعظيم حرمة النبي صلى الله عليه وسلم واجب، لعلو مقام النبوة والرسالة، الذي هو أعلى مقام يمكن أن يبلغه بشر، قال الله تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا}[سورة الفتح:8-9]، قال القرطبي: تعزروه: أي تعظموه وتفخموه، والتعزير: التفخيم والتوقير، وقيل: تعزروه: تنصروه وتمنعوا منه. ثم قال: وتوقروه: أي تسودوه. والهاء فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم[12].
قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه: "قال أبو إسحاق الزجاج وغيره من أهل اللغة: أصل التعزير الردع حيث ما وقع، ومنه تعزير الأدب، لأنه ردع له ورد عن أن يعود لمثل ذلك الفعل، فمعنى تعزروه في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تردون عنه كل أذى، وهذا هو معنى تنصروه والله أعلم"[13].
فأوجب عز وجل تعزيزه وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - وألزم إكرامه وتعظيمه، قال المبرد: (تُعَزِّرُوهُ): " تبالغوا في تعظيمه "، ونهى عن التقدم بين يديه بالقول وسوء الأدب بسبقه بالكلام، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} في إهمال حقه , وتضييع حرمته {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات1: 4]، إلى غير ذلك من آيات الذكر الحكيم الآمرة بالأدب العالي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد امتثل الصحابة رضوان الله عليهم تلك الأوامر الإلهية، فحفظوا حقوق سيد البرية، وتأدبوا معه - صلى الله عليه وسلم - بما يليق بمقامه الشريف، وفضله المنيف.
ففي قصة صلح الحديبية أن عروة بن مسعود (جعل يرمق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعينيه، قال: " فوالله! ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدُّون إليه النظر تعظيمًا له "، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: " أي قوم! والَلّه! لقد وفدت على الملوك؛ وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله! إن رأيت ملِكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا)[14].
وفيما يلي نذكر أهم المسائل المتعلقة بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة فمنها[15]:
توقيره في ندائه وتسميته صلى الله عليه وسلم،وغض الصوت عنده وتوقيره بعد موته صلى الله عليه وسلم،قال أبو بكر بن العربي: "حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر أن لا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك"، وتوقير آل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وبرهم وحبهم، قال أبو بكر رضي الله عنه: "ارقبوا محمدا في أهل بيته" وقال أيضا: "والذي نفسي بيده لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ".
والصلاة والسلام عليه:فالصلاة والسلام مشروعة مأمور بها بقول الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}[ سورة الأحزاب / 56] .
وسؤال الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل به، وطلب شفاعته صلى الله عليه وسلم، والتبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآثاره،ووجوب طاعته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون}[ سورة الأنفال / 20] وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} [سورة النساء / 80] .
3- نصرته صلى الله عليه وسلم:{وتعزروه}وقرأت {وَتُعَزِّزوهُ}
قال ابن منظور التعزير في كلام العرب التوقير، والتعزير النصر باللسان والسيف[16].
وقال قتادة تنصروه وتمنعوا منه، ومنه التعزير في الحد لأنه مانع، وقال ابن عباس وعكرمة: تقاتلون معه بالسيف، وقال بعض أهل اللغة تطيعوه[17].
وقرأ ابن عباس ومحمد بن اليماني «تعزّروه» بزاءين من العزة أي تجعلوه عزيزا وذلك بالنسبة إليه سبحانه بجعل دينه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم كذلك[18].
وقال الأخفش: تنصرونه، وقال الطبري: تعينونه، وقرأ تعززونه بزاءين من العز[19].
ومَن نصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد نصر الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} [الْمَائِدَة: 12] قَالَ: عظَّمتموهم. وَقَالَ غَيره: {عزرتموهم: نصرتموهم}[20]
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن السّرِيّ: والنُصْرة إِذا وَجَبت فالتعظيم دَاخل فِيهَا؛ لِأَن نُصْرة الْأَنْبِيَاء هِيَ المدافعة عَنْهُم، والذبّ عَن دينهم وتعظيمهم وتوقيرهم[21].
ولعظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الله عز وجل، وقدر أصحابه، أوجب علينا نصرته وتعظيمه وتوقيره، والترضي على أصحابه، وجعله من جملة الدين الذي ندين به، ونتعبد الله به، قال تعالى:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [الفتح: 9]، ومن ثم كانت نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عند السلف من جملة الدين الذي يعلمونه للناس، كما يعلمونهم السورة من القرآن، فعن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: «كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمون السورة من القرآن»[22].
وروى الإمام أحمد عن مسروق قال: «حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة».
هكذا كان السلف رضوان الله عليهم يذبون عن النبي وأصحابه ويردون على كل منتقص لهم أو طاعن في فضلهم ومقدارهم في الإسلام، وهكذا استمر الخلف من العلماء على نهج السلف إلى يوم الناس هذا.
وقد حاز المغاربة في هذه النصرة القسط الأوفى يتضح ذلك في العناية والبحث التي شملها مقام النبوة ويبرز في ذلك الكم الضخم من المصنفات والتآليف التي خلفها لنا علماء الاسلام[23]، في الذود عن حياض النبوة، إمتثالا لأوامر التعزير والتعزيز والتوقير والتعظيم، وتمثلا لمعاني الأسوة والاقتداء والاتباع .
هذا وقد كان لعلماء الغرب الاسلامي في هذا أوفر نصيب، حيث جمعوا فيه بين السهم والتعصيب، فكتب الله لمصنفاتهم ماشاء من القبول، كيف لا وموضوعها دلائل النبوة وخصائص وحقوق الرسول صلى الله عليه وسلم
والقائمة تطول في التدليل على تعظيم قدر النبوة من خلال غزارة التأليف لدى علماء الغرب الإسلامي.
وغاية السُّولِ من نصرة الرسول الاقتداء بسنته، واتباعه في هديه وسمته، والتخلق بأخلاقه، وإيثار محبته، وفي ذلك خير الزاد للمعاد؛ إذ الاقتداء عنوان المحبة وترجمانها، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[آل عمران:31].
الهوامش:
1. صحيح البخاري (6/ 135) "واختلف في المراد بهذا الفتح على أربعة أقوال: الأول: أنه فتح مكة وعده الله به قبل أن يكون، وذكره بلفظ الماضي لتحققه...، الثاني: أنه ما جرى في الحديبية من بيعة الرضوان، ومن الصلح الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش...، الثالث: أنه ما أصاب المسلمون بعد الحديبية من الفتوح كفتح خيبر وغيرها، الرابع: أنه الهداية إلى الإسلام " تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 286).
2. والحديبية بئر سمي المكان بها وكان قد غاض ماؤها فتمضمض فيها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بالماء حتى عمهم.
3. تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (6/ 142)
4. تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 286)
5. المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (2/ 896) (2/ 897)
6. تفسير المراغي (26/ 88)
7. الشفا بتعريف حقوق المصطفى - وحاشية الشمني (1/ 48-49)
8. الشفا بتعريف حقوق المصطفى - وحاشية الشمني (1/ 50)
9. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (18/ 293)
10. الإيمان لابن تيمية (ص: 132)
11. فتح البيان في مقاصد القرآن (13/ 92)
12. التحرير والتنوير (26/ 155-156)
13. تفسير القرطبي 16 / 266.
14. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 1081)
15. الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام (ص: 161) والحديث رواه البخاري (5/ 330 - فتح)، وأبو داود (2765)، وأحمد (4/ 323 - 331)، وانظر: " فتح الباري " (5/ 341).
16. الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 57) وما بعدها.
17. لسان العرب 4/ 562
18. تفسير القرطبي 16/ 266.
19. تفسير الألوسي = روح المعاني (13/ 251)
20. إمتاع الأسماع (3/ 108)
21. تهذيب اللغة (2/ 78)
22. تهذيب اللغة (2/ 78)
23. ذكره ابن الجوزي في فضائل عمر، وفي صحيح سنن الترمذي: للألباني، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (حُب أبي بكرٍ وعمرَ، ومعرفةُ فضلِهما من السنة) . وقال الإمام مالك رحمه الله: (كان السلف يُعلمون أولادهم حب أبي بكرٍ وعمر؛ كما يُعلمون السورة من القرآن) . أخرجهما اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة ".
24. انظر كتاب معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف صلاح الدين المنجد دار الكتاب الجديد بيروت لبنان الطبعة الأولى 1402 ه 1982م،والمصنفات المغربية في السيرة النبوية ومصنفوها الدكتور محمد يسف مطبعة المعارف الجديدة الرباط 1412-1992م .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.