في ذكرى رحيلها الرابعة ، كان لزاما علينا الوقوف بإيجاز كبير عن مراحل ومحطات ترسم مسار الفنانة الراحلة غيثة العوفير ، إسم يؤرخ لأكثر من خمس عقود من تاريخ تراث الموسيقى الأندلسية ، عطاء وإبداع من خلاله استطاعت هذه السيدة الظهور من رحم صعب ، سرعان ما تحولت إلى رمز كبير ، وقيمة مضافة للفن المغربي الذي ولجته بإصرار وتحد منذ سنة 1958 حينما تيسر لها دخول هذا العالم الغريب من بابه الأصعب ، وبرزت في أول وهلة كأول امرأة ضمن تشكيلة المنشدين "الرجال " للفرقة الموسيقية بدار الإذاعة ، لتعرف فيما بعد ذلك كعازفة متمرسة لآلة البيانو الذي طالما ارتبط اسمها بهذه الآلة الغربية التي يعود الفضل لها في إقحامها لتجد مكانها بين الآلات الأخرى المستعملة في طرب الآلة ، الأمر الذي عارضه الكثيرون من رواد هذا الفن ، إلا أن المرحوم مولاي احمد الوكيلي وكذا والدها عمر العوفير وأعمامها الذين كانوا ضمن أعضاء جوق الإذاعة والتلفزة للطرب الأندلسي وقفوا بجانبها ، محاولين إقناع الأطراف الأخرى التي باتت فيما بعد من المؤيدين للفكرة ، وبذلك تعتبر المرحومة غيثة العوفير علامة فارقة لحضور نسوي أنيق ورصين ، سيما وأن اختيارها كعضوة ضمن تشكيلة جوق الإذاعة ، كان حدثا هاما مهد الطريق أمام العديد من الأسماء النسائية ، و فرصة للكشف عن مواهب بدائية ، تشجعت على اقتحام هذا المجال الذي كان حكرا على الرجال فقط ، وعلى مدى سنوات متتالية وضعت تاريخ الموسيقى المغربية على أعتاب منعطف تاريخي يسوده التغيير والتطور بذا يلاحظ بروز العديد من الأصوات النسائية اللامعة التي بات وجودها هاما وضروريا ببعض الأجواق الأندلسية التي زاد تألقها وإشعاعها ، بالإصرار على حضورالعنصر النسوي الفاعل في مهمة الحفاظ على أصالة الموسيقى الأندلسية وتقريب هذا الفن العريق من المستمع المغربي والعربي . وظلّ ما يلفت الانتباه وجود مجموعة من الوجوه النسائية الجديدة التي انطلقت بأصواتها إلى آفاق أرحب وأوسع ، لتضيف بأدائها وحضورها المتيز نكهة خاصة لطرب الآلة ، مرحلة تحيلنا إلى الوقوف عند أسماء كبيرة كالمرحومة عالية المجاهد وفامة الأشهب المعروفة بتطوان ب " شهابة " ، منانة الخراز ، الحاجة " سيلي "...وغيرهن من الأسماء العديدة التي عمقت المشاركة النسوية في مجال طرب الآلة . وبالعودة للفنانة الحاجة غيثة العوفير نذكر أنها طيلة مسيرتها الإبداعية قدمت العديد من الأعمال الموسيقية ، وبالإضافة أنها أتقنت العزف على آلة البيانو ، كانت ماهرة في التعامل والعزف مع آلتي " الهارب " والأكورديون ، وكذا آلة الأورك التي اعتمدتها ع في التسجيلات الأخيرة لبعض الصنائع مع جوق الإذاعة برئاسة الشيخ مولاي أحمد الوكيلي والتي لا تزال موثقة بأرشيف الإذاعة والتلفزة المغربية . المرحومة غيثة واحدة من أساطين طرب الآلة ، جالست فطاحل هذا اللون الموسيقي ، حيث أخذت عنهم مبادئ وأبجديات الموسيقى الأندلسية وأدب الصنعة ، من قبيل مولاي أحمد الوكيلي ، عبد الكريم الرايس ، محمد العربي التمسماني ، عبد السلام الخياطي ، الغالي الخياطي ...حيث استمرت في العزف والغناء ما بين 1958 إلى غاية 1992 ، وتميزت مسيرتها الفنية بمشاركتها في العديد من السهرات والملتقيات والمهرجانات داخل وخارج الوطن بجانب عمالقة هذا الفن ، مولاي أحمد الوكيلي ، عبد الكريم الرايس ، محمد العربي التمسماني ، عبد الصادق شقارة الذين كانوا يصرون دائما على حضورها الذي حملها لأضواء عريضة كانت تستحقها لما أسدته لهذا الفن من لمسة ذوق رائعة ، أثبتت من خلالها مسارها الفني العميق وتاريخها الموسيقي الطويل الذي توقف بوفاتها رحمها الله في شهر شتمبر من سنة 2009 ، لتظل أعمالها الخالدة صورة راسخة في الأذهان ، توثق لمسيرة فنانة كبيرة ، كانت بحق ثروة وطنية وفنية عظيمة . القندوسي محمد