بدأت قصة الشابة التي أطاحت ببيدرو غورديو، نائب رئيس حكومة مدينة سبتة والراهب السابق، بعد تسجيله في شريط، منذ حوالي 7 سنوات، حينما «آمنت» زينب ببرامج الحزب الشعبي الإسباني المعارض، وانخرطت في صفوفه مدافعة عن مواقفه في المدينة ومشجعة له في حملاته الانتخابية. حياة زينب تختلف عن مونيكا ليوينسكي التي كانت على وشك الإطاحة بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون بعد ضبطه في موقف مماثل، فزينب ليست طالبة متدربة، بل هي أم لطفل يبلغ من العمر 9 سنوات وابنة سنها 15 عاما، أرغمتها ظروف العيش وانفصالها عن زوجها على تصديق كلام «دون بيدرو» المعسول ووعوده الكثيرة بتوفير شقة ومنصب شغل لها. «أنا لست عاهرة، ولم أبع نفسي لأي شخص»، ترد زينب بغضب على كل من يود معرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تسجيلها الرجل القوي بسبتة والمولود سنة 1941 ببلدة سان فيرناندو، بإقليم قادس، في شريط جنسي يكشف عن ممارسته الجنس معها في أوضاع جد حميمية. اضطرت زينب إلى تسجيل وتوثيق ممارسات بيدرو غورديو على شريط فيديو، بناء على نصائح صحافي إسباني يشتغل في قناة سبتة التلفزية وأحد أقاربها الذي يعمل كعنصر في الحرس المدني الإسباني. «لقد كذبوني عندما حكيت لهم تحرشات دون بيدرو بي داخل مكتبه، لذلك طالبوني بتسجيله على الشريط، وهو ما قمت به فيما بعد»، تقول زينب. ارتدت زينب، التي تعتبر من الجيل المغربي الرابع بسبتة، أفخر الملابس وطرقت باب مكتب غورديو. كان هذا الأخير، كصبي مراهق، «كان يضمني ويقبلني بهستيريا قائلا لي: إنك تثيرين رغبتي الجنسية بشكل قوي»، في نفس الوقت كانت كاميرا فيديو هاتف زينب المحمول مشتعلة، حيث سجلت كل عباراته وممارساته الجنسية داخل المكتب الحكومي. لبت زينب رغبة دون بيدرو الجنسية وغادرت المكتب الحكومي لمنح الهاتف لعنصر الحرس المدني والصحافي الإسباني. قام هذا الأخير بتحميل الشريط على هاتفه المحمول عبر تقنية البلوتوث، لكنه مسحه نهائيا من ذاكرة هاتف زينب، قائلا لها «نحن سنتصرف». بعدها، قام عنصر الحرس المدني والصحافي بمنح نسخة من الشريط لخوان فيفاس، رئيس حكومة سبتة. هذا الأخير «أعاد رؤية الشريط رفقة طاقمه لأكثر من عشر مرات»، حسب إفادات مقربيه ل«المساء». كان فيفاس فرحا وظل يفرك يديك من فرط ذلك الإحساس، فقد حان الوقت ليرحل رئيسه في الحزب والرجل الثاني في الحكومة والشخص القوي في سبتة، في الوقت الذي كان فيه هذا الأخير آخر من يعلم، حيث التقطت صور رسمية له في لقائه بمسؤول حكومي بمدريد وهو في حالة نفسية عادية. ساعات بعد ذلك، سيتلقى مكالمة من رئيس حكومة سبتة قال فيها هذا الأخير: «عليك تقديم استقالتك فورا من رئاسة الحزب ومن حكومة المدينة». عقد رئيس حكومة سبتة اجتماعا مطولا، أسفر عن كتابة بلاغ يعلن فيه استقالة غورديو «لأسباب شخصية». مصادر مطلعة كشفت ل«المساء» أنه في ساعة متأخرة من ذلك اليوم، خرج فيفاس وطاقمه من الباب الرئيسي لمقر رئاسة حكومة المدينة وهو يضحك ملء فمه. زينب وأزواجها الثلاثة لزينب حظ سيء مع الزواج، فقد تزوجت ثلاث مرات، لكن السلطات الإسبانية لا تعترف لها سوى بزواج واحد، لكون الزواجين السابقين عقدا عن طريق العدول ولم تتم المصادقة عليهما من طرف مصالح التسجيل المدني الإسباني. كانت زينب تملك شقة مساحتها 120 مترا، تشمل أربع غرف. لكن ولظروف مالية عانتها بعد طلاقها، اضطرت إلى عرضها في المزاد لعجزها عن تغطية قروضها الشهرية. «كان يعدني، في كل مرة، بمنحي شقة ومنصب شغل»، تقول زينب، حيث طال انتظارها فقررت الانتقام من الرجل. فور شيوع خبر الشريط الجنسي، غادرت زينب مدينة سبتة وانتقلت إلى منتجع غابونيغرو الساحلي القريب من مرتيل لتقيم مع عائلتها هناك لبضعة أيام، فيما غادر نائب رئيس الحكومة المدينة رفقة زوجته وولديه إلى منطقة الأندلس. يوما بعدها، سيطالب رئيس الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم في مدينة سبتة المدعي العام بسبتة، المكلف بقضايا الفساد، بالتحقيق في الشريط المذكور والتحري حول ظروف تسجيله، لينطلق صراع أشرطة فيديو، حيث ظهرت أشرطة أخرى بطلها هذه المرة خوان فيفاس، رئيس حكومة مدينة سبتة والبالغ من العمر 55 سنة. كشفت التسجيلات الثلاثة -التي تم بثها عبر موقعي اليوتوب والفايسبوك العالميين، على شبكة الأنترنيت العنكبوتية- عن لقاءات لرئيس الحكومة فيفاس داخل مكتبه تم وصفها ب«غير اللائقة». وأعطت أشرطة الفيديو انطباعا بأنها سجلت منذ أكثر من 3 سنوات، لأسباب مختلفة، وهي الأشرطة التي يظهر فيها كذلك هو ووزيرة التجهيز السابقة إيلينا سانشيث. واعتبرت المصادر الإسبانية اللقاءات التي كشفت عنها الأشرطة «سلوكا» يجب ألا يحدث داخل المكاتب الحكومية، وهو السلوك الذي كان بطله خوان فيفاس (55 عاما)، الذي يحكم سبتة منذ عام 2001، فيما تم التصويت عليه رئيسا لفرع الحزب الشعبي الإسباني لسبتة يومين بعد استقالة نائبه غورديو إثر الفضيحة الأخلاقية. فقر وجنس واستغلال للمنصب تؤكد زينب أن الحاجة وظروفها المادية هي التي دفعتها إلى اللجوء إلى بيدرو غورديو لمساعدتها. فالرجل موثوق به، وهو رئيس للحزب الشعبي اليميني المحافظ في المدينة، وراهب سابق، ونائب لرئيس حكومة سبتة، وبالتالي «فمن المحتمل أن يساعدني لكوني عضو نشيط داخل الحزب»، تقول زينب. لكنها لم تتخيل أبدا أن يساومها الرجل «العجوز» بالخضوع لنزواته الجنسية داخل المكتب الحكومي مقابل مساعدتها. «كان يرتعد من الرغبة الجنسية ويضمني إلى صدره بكل قوته»، في الوقت الذي كنت أحاول فيه تفادي ذلك، لكني في نفس الوقت كنت أجدني مرغمة على طرق باب مكتبه مرات أخرى أملا في توفيره الشقة ومنصب العمل لفائدتي. عرض غورديو على زينب أن تجري مباراة كان قد تم الإعلان عنها لتشغيل موظفات في مصلحة المحافظة على الغابات، «اجتزت المباراة، لكنه أعلمني فيما بعد برسوبي فيها»، تقول زينب. بعدها، توسلت إليه أن يتوسط لتشغيلها كمضيفة في أحد المراكب البحرية التي تربط مدينة سبتة بالجزيرة الخضراء. في يوم 3 أكتوبر، انتهت مدة عقد عمل زينب كمضيفة في المركب البحري. «أخذت سماعة الهاتف وكلمته شاكرة له وساطته لتشغيلي»، تقول، مضيفة أنه أجابها بالقول: «هل ترين كيف بإمكاني تحقيق كل مطالبك؟ بعد شهر ونصف، سيتم الإعلان عن مباراة أخرى وسوف أمنحك مسبقا أسئلة المباراة. لكن عليك أن تكوني متفهمة معي»، يجيبها دون بيدرو بنبرة استعلاء قبل أن يحدد لها موعدا للقائه في مكتبه. القضاء بسبتة يطلع على الشريط بعد الضجة الإعلامية التي أثارتها الفضيحة، قررت الغرفة الرابعة بمحكمة الدرجة الأولى بسبتة، والمختصة في النظر في قضايا العنف ضد النساء، البت في ما أصبح يعرف إسبانياً بقضية «غورديلو»، وذلك بعد الشكاية الرسمية التي قدمتها زينب ضد نائب رئيس حكومة سبتة بتهمة «التحرش الجنسي المتعدد بها وإغرائه إياها في مناسبات متعددة بشقة ومنصب شغل مقابل الرضوخ لنزواته». وانطلقت عناصر الشرطة القضائية بسبتة المختصة في قضايا العنف ضد النساء في تعميق البحث في شكاية المغربية، وذلك بأمر من قاضي التحقيق، خافيير روميرو. قبول المحكمة بتحريك الدعوى ضد نائب رئيس الحكومة أثار الحزب الشعبي الإسباني المعارض، حيث صرحت زينب بأن نسخة من تسجيل الشريط الجنسي قد توصل بها سابقا خوان فيفاس، رئيس حكومة سبتة، رغم أن هذا الأخير كان قد نفى نفيا قاطعا، خلال ندوة صحفية، علمه بالشريط الإباحي الذي ظهر فيه بيدرو غورديو في وضع مخل بالأدب داخل مكتبه، والذي قامت المغربية بتصويره بنفسها دون علمه. وذكرت مصادر مقربة ل»المساء» أنه من المنتظر أن يمثل نائب رئيس الحكومة المستقيل بسبب الشريط أمام هيئة المحكمة مؤازرا بمحام للإدلاء بأقواله في التهم الموجهة ضده، كما تم استدعاء عنصر الحرس المدني والصحافي اللذين قاما بنسخ الشريط، بالإضافة إلى احتمال الاستماع إلى رئيس حكومة سبتة خوان فيفاس. وامتنع غورديو عن الإدلاء بأي حديث صحافي ما عدا بتصريح للإذاعة الوطنية الإسبانية قال فيه إنه «سيتكلم في المكان المخصص للحديث وليس مع وسائل الإعلام». وتصر زينب في تصريحها للجريدة على أنها «لم تسرق ولم تمارس أي فعل إجرامي، بل إنها تطالب بمعاقبة نائب رئيس الحكومة الذي استغل ظروفها الشخصية والمادية»، مضيفة أنها «خضعت لنزواته مرغمة داخل مكتبه تصديقا لوعوده لها والتي لم يوف بها». «كل مرة كنت أتوجه فيها إلى مكتبه للاستفسار عن مصير الشقة التي كنت أطالب البلدية بها، كان يسرع إلى إقفال الباب من الداخل ويبدأ في تقبيلي وملامسة أطراف جسدي الخاصة بعصبية كبيرة قبل أن يطالبني بالامتثال لرغبته الجنسية، مما اضطرني إلى الرضوخ له نظرا إلى سلطة وقوة تأثير الرجل في المدينة». شكوك حول دور للمخابرات لم تخف مصادر إسبانية مطلعة عن «المساء» احتمال أن تكون للمخابرات الإسبانية أو المغربية يد في تسريب الشريط الجنسي، حيث تزامن ظهوره مع تأجيج الصراع السياسي حول الحقل الديني في المدينة، والذي يعتبر بيدرو غورديو أحد متزعميه ومهندسيه، إذ لم يكن يخفي تعاطفه علانية مع «جماعة الدعوة والتبليغ» و«اتحاد الجمعيات الإسلامية الإسبانية» بزعامة العربي ماتييس، المناوئة للمذهب المالكي المغربي. لكن زينب تنفي ذلك بالقول إنه «لا علاقة لها ولقضيتها بأي جهاز استخباري». فيما تقول المصادر الإسبانية للجريدة إن «تسريب الشريط الجنسي في هذه الظرفية بالذات قد تكون وراءه أسباب سياسية أخرى نظرا إلى تعاطف الرجل مع جماعة «الدعوة والتبليغ» التي تعمل من أجل فك الارتباط بين مسلمي مدينة سبتة عن وزارة الشؤون الدينية بالمغرب وبين المذهب المالكي المعتمد فيها، وهي المواقف التي لم تغفر له من طرف المخابرات العسكرية المغربية، حيث لم يعرف الحقل الديني في المدينة صراعا قويا كالذي تعرفه سبتة حاليا، والذي يعتبر بيدرو غورديو بمثابة الماسك بزمامه والمخطط لمستقبله، مما أثار مخاوف المخابرات الإسبانية من تداعياته السياسية والأمنية على المدينة أو على علاقة إسبانيا بالمغرب وبمغاربة سبتة. «لقد كان نائب رئيس حكومة سبتة يدفع بمسلمي المدينة نحو حركات مثل حركة الدعوة والتبليغ أو الإخوان المسلمين، وهما تياران لهما مرجعية هندية ومصرية، حيث تأطر فيهما عدد كبير من المتطرفين، تمهيدا للجهاد»، تقول المصادر. احتفالات البرينسيبي في فجر يوم السبت 7 نونبر الماضي، عرفت بعض أزقة حي برينسيبي احتفالات صاخبة. «لقد سقط غورديو»، هكذا كان يهتف أغلب مغاربة سبتة بالحي المذكور وهم يحتفلون باستقالة «الراهب السابق» من منصبه جراء تسرب الشريط الإباحي مع زينب. «فرح ونشوة» مغاربة حي برينسيبي لم تأت من فراغ، فالرجل، حسب قولهم، كان يحاول قدر الإمكان إحكام سيطرته على الحقل الديني، مع دعمه الكامل لجماعة «الدعوة والتبليغ». أغلب المحتفلين ليلة يوم السبت لم يخفوا شكوكهم في أن «المخابرات المغربية نجحت في إسقاط رجل سبتة القوي، فيما تحاول الأوساط السياسية الرسمية لملمة نفسها وإعادة الهدوء إلى المدينة بعد الضجة الكبرى التي خلفها الشريط وتداعياته على مستقبل ونزاهة الحزب الشعبي بسبتة ورئاسة حكومتها من طرف خوان فيفاس.
