أمير المؤمنين يحيي الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الملك الحسن الثاني    حزب الاستقلال يدعو الشباب إلى الانخراط الإيجابي في الحوار المسؤول والجاد والنقاش العمومي داخل المؤسسات    احتجاجات الشباب السلمية نمط جديد من التعبير السياسي عن مطالب هذه الفئة (باحثة في علم الاجتماع)            إيطاليا.. نقابات عمالية تعلن إضرابا شاملا غدا الجمعة دعما ل"أسطول الصمود" العالمي    في العيد الوطني ال76.. الرئيس الصيني يدعو مواصلة العمل الجاد لدفع مسيرة التحديث الصيني    دراسة ترصد السمات النفسية لشخصية جيل "Z-212".. يتميز بنزعة أقوى نحو البراغماتية وحسا أكبر بالعدالة وعاطفي أكثر مقارنة بالأجيال السابقة    عودة الزلزولي وترغالين.. الركراكي يعلن عن قائمة المنتخب الوطني المغربي لمواجهتي البحرين والكونغو    مونديال الشيلي.. المدرب وهبي: لدينا من المؤهلات ما يجعلنا نذهب بعيدا في المنافسة    الركراكي يعلق على احتجاجات "genz": "لا يوجد أي مغربي مابغيش التعليم والصحة لكن باحترام وبدون عنف"    إحباط محاولة لتهريب المخدرات وحجز أربعة أطنان و725 كلغ من مخدر الشيرا    أعمال العنف والتخريب وإضرام النار ، أفعال إجرامية لا علاقة لها بحرية التعبير ، يعاقب عليها القانون الجنائي بعقوبات سجنية ثقيلة (مسؤول برئاسة النيابة العامة)        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة            بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء سلبي    وهبي بعد التأهل: نؤمن بإمكانياتنا ونسعى لكتابة التاريخ في مونديال الشيلي    كيوسك الخميس | التهراوي يستدعي النقابات الصحية للحوار    تأهل تاريخي لأشبال الأطلس إلى ثمن نهائي المونديال على حساب البرازيل    التأكيد ‬على ‬الإنصات ‬للمطالب ‬الاجتماعية ‬وتفهمها ‬والاستعداد ‬للتجاوب ‬الإيجابي ‬معها    قتلى وإصابات خلال محاولة اقتحام مركز للدرك بالقليعة ضواحي إنزكان    متابعة حوالي 193 شخصا على إثر مظاهر العنف والتخريب ببعض مدن المملكة    وزارة الداخلية تكشف بالأرقام: احتجاجات جيل Z تنزلق إلى العنف وتخريب الممتلكات    دوري أبطال أوروبا.. الصيباري يدرك التعادل لآيندهوفن أمام ليفركوزن (1-1)    المخطط الخفي: كيف توظف المخابرات الجزائرية الفضاء الرقمي لزعزعة استقرار المغرب؟    إنريكي: "حكيمي ومينديز أفضل ظهيرين في العالم"    تيزنيت، بيوكرى، القليعة،ايت عميرة.. بؤر البؤس التي صنعت الانفجار الاجتماعي                قطر ترحّب بمرسوم الرئيس الأمريكي    الاحتلال الإسرائيلي يعترض "أسطول الصمود" وتركيا تصف الحادث ب"العمل الإرهابي"        بلاغ‮ ‬الأغلبية‮: ‬حكومة في‮ ‬مغرب‮ «حليبي»!‬    السؤالان: من صاحب المبادرة؟ وما دلالة التوقيت؟    ليلى بنعلي: الهيدروجين الأخضر رهان واعد تعول عليه المملكة لتحقيق انتقال طاقي مستدام    صادرات الفوسفاط تصل إلى 64,98 مليار درهم بنمو 21,1%    قرصنة المكالمات الهاتفية تطيح بصيني بمطار محمد الخامس    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    لوفيغارو الفرنسية: السفر إلى المغرب لم يكن يوما بهذه السرعة والسهولة    ترامب يمهل حماس 4 أيام للرد على خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    الولايات المتحدة تدخل رسميا في حالة شلل فدرالي    الخطابي في المنفى من منظور روائي.. أنثروبولوجيا وتصوف وديكولونيالية    حقيقة الجزء الخامس من "بابا علي"    "الباريار" يبث الأمل في سجناء    حول الدورة 18 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين    أطباء يحذرون من أخطار بسبب اتساع محيط العنق    فريال الزياري: العيون.. مدينة الكرم والجمال الصحراوي الأصيل    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعوذة السياسية والدجل الاقتصادي وخيانة الأمانة

أصبحت كلمة الفساد مبتذلة ومائعة من كثرة الاستعمال، بأرجلها الأخطبوطية الخانقة للأنفاس والقابضة على منافذ التهوية المريحة. وإذا كانت هذه الكلمة جامعة لكل مظاهر التسيب المالي والسياسي وسوء التدبير واستغلال النفوذ والاختلاسات والشطط في استعمال السلطة وغيرها من مظاهر الفوضى وانعدام المسؤولية، فإنه أصبح محتوما تجديد المفاهيم المتعلقة بمثل هذه الأفعال وتصنيفها من الناحية اللغوية والقانونية والسياسية والأخلاقية. وكلها في اعتقادي مما يدخل في باب (خيانة الأمانة)، وهذا هو التعريف الصحيح الذي يجب على الراصدين «لخطوات المنحرفين، أن يستعملوه بديلا عن كلمة الفساد، على الأقل ليكون هناك انسجام مع الفعل الإجرامي وتوصيفه من الناحية القانونية، لأن كل فعل من هذا القبيل مهما تعددت خلفياته ودوافعه هو خيانة للأمانة على كافة مستويات المسؤولية الفردية الجماعية والعمومية.
بدون شك، هناك عدة آليات لضبط الأفعال المتعلقة بخيانة الأمانة قبل وقوعها، وأخرى لرصدها في المهد قبل الاستشراء والإستفحال. وثالثة لضربها (وهي ساخنة)، وبالتأكيد فإن كل مرحلة من هذه المراحل ستكون سيفاً معلقا على رأس كل من تسول له نفسه المريضة أن يقوم «بفعل» خيانة الأمانة ،وكلها أمور وخطوات لا تحتاج إلى أي إبداع أو «خبرة»، فقط نحن في حاجة إلى إرادة قوية لتحصين وتمنيع ترسانة القوانين الموجودة وتفعيلها و «تعليقها» على رقاب كل الذين تقلدهم المسؤوليات التي لها علاقة بمصالح الناس وأساسا بهيبة الدولة التي «بهدلها» «خائنوا الأمانة» ومرغوا كرامتها في وحل انتهازيتهم وأطماعهم. ولا نبالغ إذا قلنا : «بلغ السيل الزبى» وحان الوقت -إذا لم يكن قد فات- بأن تبدي الجهات المختصة «حنة يدها وتتكل على الله» لاجتثات جذور هذا الوباء الخطير الذي ضربنا ويضربنا.
مع بداية القرن الحالي، وفي هذا الزمن الوجيز الذي مر منه، وفي خضم معطيات جديدة ومفاهيم مبتكرة أفرزت أوضاعا جديرة بالدراسة والاهتمام إلى جانب حالات الظلم والفساد التي أصبحت قاعدة يتعايش معها الجميع مع انتفاء إرادة الإصلاح والترميم. اللافت للإهتمام هو أن هذا الواقع تشترك في صنعه أجيال مختلفة في سلسلة بيداغوجية واجتماعية محكمة الحلقات، المثير في الأمر أيضا أن طيف الاختلالات عمَّ جميع المظاهر ذات الصلة بكافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن أهمها وأكثرها بروزا هو هذا التغير الكبير الذي طال أساليب التفكير والتنظير، للإنخراط في الحياة العامة وتدبير شؤونها.
جيل ما بعد الاستقلال لم تتح له الفرصة للإطلاع على تاريخ الشعوب في مجال الكفاح والدعوة إلى الحرية والحقوق الأساسية. جزء من ذلك الجيل ساهم بشكل كبير في الإنحرافات التي أدت إلى تأصيل الفساد والاستبداد، وبعض رموزه اليوم في أعلى هرم السلطة والنفوذ بعد أن استثمروا مواهبهم في المتاجرة بالمبادئ وورثوا ثروة أسيادهم وجلاديهم! ومن كان يلعب بالتراب في صباه زاد عليه حفنة رمل يعجنها لصنع أصنامه! ومن كان يتكسب بماء وجهه زاد فمرغ الكرامة والشرف! ومن كان يطأطئ الرأس زاد وانبطح يلعق حذاء سيده!! نماذج لا تعرف ما هو المبدأ، ولكنها تبدع مبادئ شتى من الإنتهازية والوصولية والرياء. جزء آخر من ذلك الجيل كان ينحو منحى آخر مغايرا، ففي الستينات وقد تشبعنا بروح السلف الصالح ومجاهدي الحق والمشروعية، وشهداء الحرية والإنعتاق، كنا حينذاك خاضعين لأشخاص سيئين، عشنا الغطرسة الأمريكية بكل تجلياتها في الفيتنام، وحرب الكرامة في سيناء وثورة الشباب في فرنسا، وغيرها من المواجهات ضد كل أشكال الإستغلال. وبحسنا الوطني المرهف وبتربيتنا الشعبية الطاهرة وأخلاقنا النبيلة، كنا نختزن التجارب والدروس وننهل من معين أكابرنا في الوطنية.
الخطير في الأمر هو أن تلك المرحلة أفرزت وفرخت كتاكيت مشوهة وجرباء، انطلقت كفئران ناشرة لأوهام أسيادهم الذين بصقوا عليهم وربطوهم لمؤخرتهم «يتغوطون» على وجوههم!!
والأمر الثاني والخطير أيضا هو أن الأذناب والأذيال وهم يشعرون بمهانتهم وذلهم، ركبهم جنون الإنتقام لأنفسهم ولعقدهم، فانطلقوا كالسهام الضائعة تضرب في كل اتجاه بهدف إلحاق الأضرار بالأبرياء.
الأمر الخطير الثالث هو أن إرهابيوا الفكر أخذوا من أسيادهم المظاهر والقشور، واعتقدوا أنهم يعيشون العصر والحضارة، فتراهم يفكرون كالبلهاء ويمشون كمن يتخبطهم المس، ويتصرفون كالبهائم.
هؤلاء وأولئك، قاطرة للديماغوجية والإرهاب الفكري!!
فساد النخبة موضوع الساعة في مغرب اليوم، وللكلام عن هذا الموضوع، مقالا أو بحثا أو تحقيقا، هناك الكثير من العناوين التي يمكن اختيارها له، ولكني فضلت هذا الخليط المتفجر من الحروف والكلمات متصدرا بالتلبية.
الحكاية بدأت عندما فاجأتني، ذات مرة، الإعلامية الحاجة ازهور الغزاوي بسؤال صاغته بأسلوب لم أستطع فهمه وتفكيكه في حينه، ولكنه فجر في داخلي براكين من الهموم الإعلامية والوجدانية. قالت : باقي ما شباعتي من التلبية؟ في إشارة إلى سلسلة مقالاتي عن زيارتي للمملكة العربية السعودية تحت عنوان : لبيك اللهم لبيك.
إن سلسلة مقالاتي، التي كنت قد نشرتها، متصدرة بالتلبية استراحة نفسية ووجدانية من الكلام عن التخريب والفساد ،لصوص المال العام والإنتهازيين من محترفي السياسة، ونحن نعيش يوميا على إيقاع كثيف ومتسارع من المصائب، هذا الأمر أكد يقيني وإيماني واعتقادي بأن التلبية هي أصل الدين والعبادة، وبدونها لا تقع ولا تبقى طهارة ووضوء وعفة.
بالأمس أخبرونا أن واحدا منهم قرر «تسمير» جسده على كرسي إحدى المؤسسات التي يقولون عنه أنها دستورية، وذلك على خلفية تهديد صريح من «قبيلته الحزبية بتشتيت تجمع حكومي مبرقع إذا لم يوفر هذا التجمع «المسامير» الكافية لعدة كراسي تريد القبيلة صنعها لأصنامها وأزلامها، كما تصنع كل القبائل المكونة للتجمع إياه.
لقد تأكد الآن أن كل الأحزاب متفقة على تمثيل مسرحية سياسية وكأنها تحضر أكلات لا تدري كيف تختار توابلها، بل لم تعد هناك أصلا الحاجة إلى التوابل، لأن ما نحن بصدده لم يعد متعلقا بالمطبخ، بل بأمور أخطر وأسوأ مما يدخل في إطار الجرائم بمفهومها الواسع.
أبطالها مجرمون حقيقيون بصفاتهم وأوصافهم و.. أسمائهم.
أولئك عل مسرح الأحداث سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى الثقافة لم يعد لديهم أي إحساس بالمخاطر التي تحذق بالبلد أو معاناة أهله. وللدفع بالكل إلى الإفلاس. مما يتطلب معه وقفة حازمة لقمع وقهر من يضع أولويات مصالحه الشخصية والفئوية على المصالح العليا للوطن والمواطنين.
وهكذا لن يكون هناك أي إصلاح أو تحول والمغرب يعيش تحت رحمة رموز الفساد السياسي والاقتصادي، وبتهديد صريح من أولئك الأصنام الذين يتاجرون بسلامة الجسد المغربي وطنا وشعبا، الذين يساومون لإغراق هذا الجسد وخنقه وبيعه للأجنبي، والأدهى من الإغراق هو أن كل ممارسي الشعوذة السياسية والدجل الاقتصادي يتلقون الدعم والتغطية من جهات يفترض فيها محاربة آفة الفساد، كما أن جميعهم يقبضون ثمن الخيانة (خيانة الأمانة) في شكل مناصب وتعيينات وامتيازات وحماية وبكل أشكال النصب والاحتيال. مثل هذا الكلام وشبيهه، هو ما كنت أهرب من تلويكه وخربشته وأنا ألتجئ إلى التلبية التي هي أضعف الإيمان فيما تجري به مقادير المغرب.
ولن يطول الوقت حتى نجد أنفسنا غارقين في ملل وسأم من التطرق إلى هذه المواضيع وبالتالي سنعود إلى الأسطوانات المشروخة التي تتكلم عن بلدنا الديمقراطي والحداثي وثورة المدونة وحقوق المرأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.