المناظرة الوطنية للذكاء الاصطناعي.. الدعوة إلى وضع خارطة طريق وطنية لاستعمال مسؤول وأخلاقي    رئيس الاتحاد القبائلي لكرة القدم يكتب: حين تتحوّل المقابلة الصحفية إلى تهمة بالإرهاب في الجزائر    مسؤولة أممية تدعو لحظر الأسلحة وتعليق الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل    مصرع ديوغو جوتا لاعب ليفربول ومنتخب البرتغال في حادثة سير مميتة    الكاف يكشف عن مجسم كان السيدات    أسرة النقيب زيان تدق ناقوس الخطر بعد زيارته: إنه "يعاني صعوبة في التنفس والكلام ويتحرك بعكاز طبي"    بعد أيام فقط من زفافه.. وفاة ديوغو جوتا نجم البرتغال وليفربول في حادث سير مروع    مندوبية التخطيط: تراجع القيم المتوسطة للتجارة الخارجية خلال الفصل الأول من 2025    مكتب الفوسفاط يوقع اتفاقية لتوريد 1.1 مليون طن أسمدة لبنغلاديش    رجال أعمال مغاربة وسعوديين يتطلعون لتعزيز الاستثمارات ورفع التبادل التجاري    "إبادة غزة".. إسرائيل تقتل 63 فلسطينيا بينهم 31 من منتظري المساعدات    حمد لله يدعم هجوم الهلال في كأس العالم    مدينة شفشاون "المغربية" تُولد من جديد في الصين: نسخة مطابقة للمدينة الزرقاء في قلب هاربين    الجزائر تُطبع مع إسبانيا رغم ثبات موقف مدريد من مغربية الصحراء: تراجع تكتيكي أم اعتراف بالعزلة؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    "الكلاود" تدعم مشاريع ألعاب الفيديو    الشرقاوي تعدد تحديات "المرأة العدل"    رئيس إيران يوافق على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    طنجة تحافظ على جاذبيتها المعيشية رغم التحديات العقارية    تصعيد جديد للتقنيين: إضرابات متواصلة ومطالب بإصلاحات عاجلة        بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي لكأس العالم للأندية    الهلال يضم المغربي عبد الرزاق حمد الله للمشاركة في مونديال الأندية 2025    مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات: حماس كبير بين لاعبات المنتخب الوطني لانطلاق المنافسة    الجامعة الوطنية للتعليم FNE تنتقد تراجع الحكومة عن تنفيذ الاتفاقات وتلوح بالتصعيد    وزير الداخلية يترأس حفل تخرج الفوج الستين لرجال السلطة من المعهد الملكي للإدارة الترابية    حجيرة يدعو بدكار إلى إحداث كونفدرالية إفريقية للكيمياء في خدمة الابتكار والإندماج الإقليمي    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    وفاة سجين محكوم بقانون مكافحة الإرهاب في السجن المحلي بالعرائش    نشرة إنذارية: موجة حر مع زخات رعدية قوية محلية في عدة مناطق بالمملكة        تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    تنسيقية مهنيي الطاكسي الصغير بطنجة تستنكر الزيادة في التسعيرة دون سند قانوني    طنجة.. توقيف متورطين في موكب زفاف أحدث ضوضاء وفوضى بساحة المدينة    لاعبات للتنس يرفضن التمييز بأكادير    الراحل محمد بن عيسى يكرم في مصر    جرسيف تقوي التلقيح ضد "بوحمرون"    كأس العالم للأندية.. بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي    "الصحة العالمية": انقطاع الوقود 120 يوما يهدد بتوقف كامل للنظام الصحي في غزة    النقاش الحي.. في واقع السياسة وأفق الدستور! -3-    وفاة سجين معتقل على خلفية قانون مكافحة الإرهاب بالسجن المحلي بالعرائش    اعتقال اللاعب الجزائري يوسف بلايلي في مطار باريس    كلمة .. الإثراء غير المشروع جريمة في حق الوطن    بالصدى .. «مرسوم بنكي» لتدبير الصحة    في لقاء عرف تكريم جريدة الاتحاد الاشتراكي والتنويه بمعالجتها لقضايا الصحة .. أطباء وفاعلون وصحافيون يرفعون تحدي دعم صحة الرضع والأطفال مغربيا وإفريقيا        تيزنيت تستعد لاحتضان الدورة الجديدة من «الكرنفال الدولي للمسرح»    ندوة توصي بالعناية بالدقة المراكشية    أنغام تخرج عن صمتها: لا علاقة لي بأزمة شيرين وكفى مقارنات وظلم    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    ضجة الاستدلال على الاستبدال    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسراف الرمضاني
نشر في شبكة طنجة الإخبارية يوم 19 - 08 - 2011

ليس منا من لم يحفظ عن ظهر قلب، ومنذ نعومة أظفاره، الآية الكريمة "كلوا واشربوا ولا تسرفوا"، وتعلم من آبائه وفقهاء "المسيد" ومعلمي المدارس الإبتدائية وأساتذة الإعدادي والثانوي وحتى الجامعي: "أنّ الإسراف" صفة سلوكية مقيتة مذمومة دينياً واجتماعياً وأخلاقياً، لما فيها من مجاوزة الحد في الأفعال والأقوال، والزيادة فيما لا داعي له ولا ضرورة حتى لو كان في الأمور المباحة كالخبز والمال والطعام وغيرها من الموارد الطبيعية والطاقية الأساسية التي تنادي الحكومات والجمعيات المدنية والاقتصادية والبيئية بعدم الإسراف فيها لما يترتب عليه من الكثير من المفاسد الدينية والدنيوية التي تُدّمر المجتمعات، وتقضي على الأخلاق، وتعبث بالاقتصاد، وتؤدي إلى الكثير من المضار والآثار السيئة التي يأتي في مقدمتها أن الله تعالى لا يُحب المسرفين، بقوله تعالى: "إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" وقوله: "إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشياطين"، وأن الإسراف تصرف غير سوي وسلوك خاطئ، وكفران بالنعمة التي أنعم الله بها علينا، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا، ما لم يُخالطه إسرافٌ أو مخيلةٌ" رواه ابن ماجة. إلا أن ما نشهده اليومَ، من حال مجتمعنا، خاصة في شهر رمضان، لا يعكس حقيقة ما تعلمناه ويناقض فحوى الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر منه ومن عواقبه، حيث تعم صور الإسراف المختلفة، كل جوانب الحياة المادية والمعنوية، سواء على المستوى الفردي، أو على المستوى المجتمعي.
والغريب في الأمر أن هناك استياء عام بين الناس، من تفشّي ظاهرة الإسراف مع حلول كل شهر رمضان المبارك، ويعبرون عن شكواهم منه إعلامياً وشعبياً في كتابات وانتقادات بعض المفكرين والمثقّفين والصحافيين والاقتصاديين وفي اللقاءات الرمضانية الجادّة، العائلية والمجتمعية، ما يعطي انطباعاً مريحاً بأنّ لازال في الأمّة من يتحسّس مواضع دائها ويشخّصونه بحكمة ويسعون لتنويرها وتطويرها وتحريرها منه، لكن الوعظ شيء، والواقع شيء آخر، لأنه بمجرد أن ينوي المرء الصيام حتى يستسلم إلى ضعفه البشري الذي تسيطر عليه شهواته التي لا يملك التخلص منها، ويتحوّل، بوعي وإرادة، إلى آلة استهلاكية مسرفة، تفسد عليه أجمل ما في رمضان من قدسية وروحانية، ولا تبقي له من صومه إلا الجوع والعطش؛ كما يظهر ذلك من زيارة بسيطة وسريعة إلى أحد أسواق الغذاء في أي ساعة من ساعات أيام رمضان، وتؤكّد على أنّ المثقفين والمصلحين يهيمون في وادٍ وعموم الناس في وادٍ آخر لا يمتّ إلى الأوّل بصلة، وتبرهن أن هوس الإسراف و البذخ في تزايد خطير تصبح معه الأمّة في حاجة إلى دراسة نفسيّة واجتماعيّة بغرض تشخيص الدّوافع والأسباب الكامنة وراء حالات الإسراف الفريدة التي لا تقتصر على الإنفاق على الطعام، وإنما تناوله أيضا، والذي ما أن يضرب مدفع الإفطار حتى يبدأ مرطون التهام أنواع الأطعمة والمشروبات، والانتقال بين أصناف الشهيوات الرمضانية حتى مطلع الفجر، دون مراعاة لما ينتج عن ذلك من مخالفة لتعاليم الدين وتوجيهاته التي قال فيها عز وجل: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" سورة الأعراف الآية 31. إضافةً إلى ما في ذلك من إضاعةٍ للمال، وإضرارٍ بالصحة التي تختل وتضطرب جراء ذلك الإسراف الذي يتحول معه رمضان إلى شهر للأكل وتركيز وجبات اليوم الثّلاثة في الفطور والسّحور وتجاوزها في الكمّ و الكيف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل".. ولا يقتصر الإسراف في هذا الشهر في تزايد نهم وشراهة الصّائمين للطّعام، الذي يفضحه لجوء الكثير من العائلات إلى الاستدانة لملاحقة مصاريف هوس البذخ وجنونه الذي تظهره الأرقام الحسابية المعتمدة من المصادر الرسمية وعن ارتفاع نسبة استهلاك الطعام وتعدد صوره وطول لوائحه. بل يسرف الصائمون في النوم نهارا، والسهر الطويل الليل، مُتغافلين عن مضار ذلك التصرف الخاطئ الذي يخالف سنن الله تعالى، ويوهن الجسم، ويُرهق التفكير، ويُربك وظائف الجسم، ويؤثر على الحالة النفسية للإنسان، كما يسرف الكثيرون في القيل والقال، ونقل الكلام وإشاعته بين الناس الذي نهت عنه تعاليم ديننا الحنيف، وحذّر نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم من خطورة إطلاق الألسن في الكلام صحيحاً كان أو غير صحيح، مباحاً أو غير مُباح حيث قال: "وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم" رواه الترمذي.
وكما يمكن أن يسرف البعض في استخدام الماء الصالح للشرب وهدره في استخداماته المنزلية العبثية، والمبالغة في غسل السيارات، يمكن أن يسرف في العبادة والاسمرار في التعبد على غير العادة والتّدافع والتّزاحم للقيام بمبادرات ظرفيّة وحملات استعراضيّة زائفة في التّكافل الاجتماعي والاهتمام بالفقراء وكأنّ هؤلاء لا يوجدون أو لا يحتاجون للطعام إلاّ خلال هذا الشّهر حيث يكثر المتطوّعون الذين يقدّمون وجبات الإفطار... تصرف ليس من هدي سيد المرسلين وأعبد الناس لرب العالمين، وسببا في تراجع ونكوص العبادات وتحولها -بحكم التكرار- إلى عادات وطقوس فلكلورية فارغة الجوهر، معطلة الوظيفة، فاقدة المضمون، متلاشية الآثار الذي من أجله شُرعت، حتى لم تعد الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولا الصدقة تطهيراً للمال وتزكيةً للنفس، ولا الصيام سبيلاً لتقوية الإرادة، ولا الحج صياغةً لولادةٍ جديدة لصناعة الإنسان المسلم صناعةً ربانية. ولذلك فنحن إذاً في حاجة إلى فتح آفاق مفاهيمنا الدينية التي حبست في سلبية العادات والتقاليد الموروثة، ونرتقي بها إلى مستويات أرقى وأوسع توازياً مع سعة الإسلام وتطور الحياة، وتحريرها من أسر البرمجة المجتمعية التي لا يمكن فكّ شفرته إلا بتفكير واعي وقرار ذاتي إرادي شجاع بعيد عن التقليد والمحاكاة، عملاً بقول الله تعالى "عليكم أنفسكم، لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم"، وقوله تعالى "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.