أحيانا، وعند القيام بالكثير من الجهد في التدقيق ين ما يقال وما يطبق، يصاب الإنسان بصداع نتيجة مفارقة ين ما يتم التعبير عنه وما نراه ونعيشه ،بشكل مألوف. إنها نتيجة مقارنة بين حالتين بإقليم بولمان توضح أن العدالة أخطأت هدفها وكفتي ميزانها وقد تلاعبت به الأيدي والنيات، غير الحسنة طبعا. لن أطيل لأضع بين أيديكم الحالتين ولنترك لسيادتكم الحكم والتقرير: الحالة الأولى: موظف عمومي ، عون مصلحةبقطاع التعليم، ساقه حنانه وإحساساته العاطفية والوجدانية إلى تفقد زوجته وأبنائه ، و إبداء الدعم المبدئي لأبناء جماعتة السلالية الذين كانوا ينفذون اعتصاما أمام مقر عمالة الإقليم بميسور، لكن ولحظه العاثر صادف تواجده هناك تدخل قوات الأمن لفض الاعتصام. فتم اعتقاله، ونطقت المحكمة بحكمها وبعد انتهاء المدة، تمت إحالة ملفه على المجلس التأديبي بمقر الأكاديمية بفاس وأصدر هو الآخر قراره وقضت نيابة التربية الوطنية، باقليم بولمان، بعد ذلك بافراغه من السكن الوظيفي الذي كان يشغله. إلى حدود هذه الخطوات سنقول نعم هناك قانون ومساطر، إدارية وقضائية، ينبغي على كل من أخل بها أن يلقى جزاءه. الحالة الثانية: موظفة بقطاع الصحة،طبيبة، اعتدت على رئيسها المباشر( الطبيب الرئيسي) بمدينة بولمان. لكن فبدل أن يأخذ الملف مجراه الإداري العادي ،قامت الإدارة- يوم كان التردد الحزبي أقوى من القرار الإداري - بتعيينها مديرة على المركز الاستشفائي لبولمان بميسور،لتضع بذلك "سنة" جديدة في الوظيفة العمومية: بلطجة = ترقية. في حين لجأ المعتدى عليه إلى القضاء، ومنذ 2009 والى يومنا هذا لازالت عبارة "عدم التبليغ" عملة رائجة ومقبولة، حيث تاه الملف داخل المحكمة الابتدائية بميسور نظرا،إما لغياب علامات التشوير نهائيا أو لوجود علامات تشوير مزيفة!!!! لكن السؤال المطروح من الناحية الإدارية: لماذا لم يتم إحالة ملفها على المجلس التأديبي؟ ولماذا لم يتم اتخاذ أي إجراء إداري؟ لكن المعادلة المستنبتة سمحت بتوالي وتناسل القضايا أمام المحكمة الابتدائية، فيما يشبه إسهالا أصيب به شخص التهم مواد منتهية الصلاحية. إذ تواجه،الموظفة المذكورة، ما يناهز ستة(06) دعاوى،تتعلق إحداها بنعت ممثلي هيئة حقوقية ب" الحمير"،وأخرى أخرى تتعلق بالسب والشتم ومحاولة الضرب في حق موظف بنفس المركز،و....و......إلى غير ذلك من القضايا التي تواجه في كل مرة تعقد فيها الجلسات أن المعنية بالأمر لم تتوصل بالاستدعاء بالرغم من أنها تتحمل مسؤولية إدارية لمركز استشفائي يتخذ موقعا مقابلا وبصفة مباشرة لبناية المحكمة ولا يفصل بينهما سوى شارع النخيل!!!؟؟؟؟ ومن حقنا أن نتساءل : لماذا كل هذه المحاباة للبعض دون آخر؟والدستور ينص على أنهم سواسية أمام القانون؟أو لأن الموظف في الحالة الأولى لا حول و لا سند له على خلاف الثاني؟ كيف لا تتوصل المعنية بالأمر باستدعاءات الحضور وهي مسؤولة عن مرفق عمومي؟ وهذا سيطرح سؤال الحضور أو الغياب،وللإدارة ،بقطاع الصحة، مسؤولية أخلاقية وإدارية في ذلك؟ إننا أمام مشهد يجسد اختلالا على المستوى القيمي/الأخلاقي ذي بعدين مختلفة: يتعلق الأول بالخطاب داخل منظومة العدالة ورجالاتها ولا توازنه بين مساعي نية الإصلاح وبين واقع شاذ. بينما يرتبط الثاني بمنظومة التربية والتكوين داخل المعاهد والكليات،والذي تبين الحالة المعروضة حاليا، تناقضا بين مدخلاتها والغاية من مخرجاتها. حيث عوض أن تكون الأطر مطبقة ،وساهرة على تطبيق القانون، يتحول البعض منها، إلى "مجتهدين زيادة عن اللزوم" للبحث عن نقائص القانون وفتح مخارج للبعض ،دون البعض الآخر، في تحايل غير محسوب العواقب.هذه النفوس الضعيفة والأيادي المتسخة هي التي تمنح للفساد دفاعا متقدما وتجعل وجنتيه لا تحمر من الخجل. ان ترسيخ ثقافة المواطنة يتطلب شجاعة على أجرأة القانون باعتباره مجسدا لأسمى علاقة بين المواطن والمؤسسات أو المواطن و الدولة،خاصة وأن الأملنة العامة للحكومة احتفلت بالذكرى المئوية للجريدة الرسمية تحت شعار" لجريدة الرسمية ... مائة سنة في خدمة القانون" كتجسيد فعلي لدولة الحق والقانون. فليست لدينا مطامح شخصية أو عداوة ضد أحد،لكن ما نراه وما نعيشه يبعث في أنفسنا ذرات من الشك جراء التناقض الذي نراه ونتتبع فصوله منذ مدة. ويا سبحان الله،فللناس في العدالة "حظوظ".